يناقش عبد العزيز الخبشي، الكاتب والمحلل السياسي، أزمة الفساد السياسي بالمغرب وسط انكشاف ملفات فساد تخص مسؤولين منتخبين، مع تسليط الضوء على أهمية إصلاح مدونة الانتخابات.
ويشدد الخبشي على ضرورة استبعاد رموز الفساد من الترشح عبر معايير قانونية واضحة، وربط الأهلية الانتخابية بالنزاهة والمحاسبة السياسية، لضمان تمثيلية حقيقية وتحقيق ثقة المواطنين في المؤسسات.
فيما يلي وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي:
ويشدد الخبشي على ضرورة استبعاد رموز الفساد من الترشح عبر معايير قانونية واضحة، وربط الأهلية الانتخابية بالنزاهة والمحاسبة السياسية، لضمان تمثيلية حقيقية وتحقيق ثقة المواطنين في المؤسسات.
فيما يلي وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي:
في سياق يتسم بتنامي الشكوك حول نزاهة الفعل السياسي وجدواه، عاد النقاش حول الفساد السياسي في المغرب ليتصدر واجهة النقاش العمومي، مدفوعاً بكشف ملفات ثقيلة تخص برلمانيين ورؤساء جماعات وفاعلين سياسيين متورطين في ممارسات مشينة تقوّض مرتكزات التمثيلية الديمقراطية وتُفقد المواطن ثقته في المؤسسات. وجاء خطاب العرش الأخير ليلقي حجراً كبيراً في بركة المشهد السياسي الراكدة، حين كلف جلالة الملك وزير الداخلية بمباشرة المشاورات مع الأحزاب بخصوص إصلاح المنظومة الانتخابية، وهو ما يضع وزارة الداخلية، مرة أخرى، في موقع المحور ضمن عملية كانت من المفترض أن تظل منوطة بهيئات سياسية ومدنية مستقلة، تضمن التوازنات وتحمي الحياة السياسية من مظاهر السلطوية والاختراقات المصلحية.
لكن النقاش الحقيقي لا يكمن فقط في الجهة التي تقود المفاوضات حول مدونة الانتخابات، بل في جوهر الإصلاح المنتظر: هل نحن أمام مجرد إعادة توزيع تقني للمقاعد وتعديل للعتبات وتجويد لبعض المساطر، أم أن هناك توجهاً سياسياً جدياً يروم القطع مع الفساد السياسي من جذوره؟ وهل ستقترن هذه التعديلات المنتظرة بتدابير قانونية تضمن استبعاد كل من تحوم حولهم شبهات الفساد أو سبق لهم أن أدينوا أو تورطوا في استغلال مواقعهم لنهب المال العام والإثراء غير المشروع أو شراء الذمم؟
المعضلة التي تواجهها الديمقراطية المغربية اليوم هي أنها تُدار بمنظومة قانونية لم تعد قادرة على فرز نخبة سياسية نزيهة، أو على الأقل غير مدانة. فالعديد من مناصب المسؤولية في الجماعات الترابية وفي البرلمان أضحت محلاً للتنافس على الريع، لا على خدمة الصالح العام. ولا أدل على ذلك من العدد المتزايد للمسؤولين المنتخبين الذين تلاحقهم المتابعات القضائية، والذين لم تمنعهم ملفاتهم الثقيلة من العودة إلى الترشح والفوز في الانتخابات السابقة، مستغلين ضعف الإطار القانوني المنظم، وغموض شروط الأهلية السياسية، والأهم من ذلك، الإفلات الممنهج من المحاسبة السياسية، مقابل الاكتفاء بالمحاسبة القضائية التي غالباً ما تأتي متأخرة.
ولئن كانت محاربة الفساد السياسي تتطلب إرادة جماعية، فإن مدونة الانتخابات تعتبر مدخلاً قانونياً جوهرياً لترسيخ ثقافة المسؤولية وربطها بالمحاسبة. فهل تتوفر اليوم الإرادة الحقيقية لتضمين هذا الورش إصلاحات جوهرية لا تكتفي بتحسين التقنية الانتخابية، بل تمتد إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي عبر غربلة شروط الترشح، وتجريم إعادة ترشيح المتورطين في الفساد السياسي، وتجفيف منابع شراء الأصوات واللوائح السوداء التي تتحكم في الخريطة السياسية باسم المال الحرام؟
الأحزاب السياسية مطالَبة اليوم قبل غيرها، باتخاذ مواقف حازمة تجاه من يلوثون صفوفها، لأن التمادي في ترشيح الفاسدين لا يُعد فقط انتكاسة أخلاقية، بل هو طعن مباشر في الشرعية التمثيلية، واستخفاف بإرادة الناخبين، وخرق ضمني لمبدأ تكافؤ الفرص. أما الدولة، فإنها مطالبة بدورها بإحداث قطيعة مع منطق التساهل والتواطؤ مع مافيات السياسة، لأن أي عملية انتخابية يقودها الفساد، لن تفضي إلا إلى إنتاج مؤسسات مشلولة ومجالس بلا مشروعية سياسية، مما يعمق من أزمة الوساطة، ويزيد من نفور المواطنين من الانخراط في الحياة العامة.
لقد أثبتت التجربة أن استبعاد الفاسدين لا يمكن أن يتم فقط عبر صناديق الاقتراع، لأن هذه الأخيرة، حين تُترك فريسة للمال السياسي، لا تنتج إلا من يملك القدرة على شراء الضمائر. وبالتالي، فإن التعديل المنتظر لمدونة الانتخابات يجب أن يتضمن مقتضيات صريحة تقطع الطريق على كل من صدرت في حقهم أحكام نهائية تتعلق بالرشوة أو تبديد المال العام أو استغلال النفوذ أو التلاعب بمشاريع التنمية المحلية. كما يجب أن يتم التنصيص بوضوح على مبدأ "عدم الأهلية السياسية" لكل من تلاحقه شبهة فساد ثابتة بحكم قضائي نهائي، أو تقارير للمجلس الأعلى للحسابات والهيئات الرقابية المختصة.
كما أن النقاش حول استبعاد الفاسدين يجب أن يتجاوز المقاربة العقابية إلى مقاربة وقائية، تشمل خلق آليات صارمة للتمحيص القبلي للمرشحين، وتعزيز الرقابة القبلية للمجالس المنتخبة، واعتماد معايير صارمة للانتقاء داخل الأحزاب نفسها، لأن المعضلة تبدأ من لحظة تزكية الأشخاص، لا من إعلان النتائج. وينبغي أن تُقرن هذه الإجراءات بتحفيز مشاركة نخب جديدة نظيفة، ذات كفاءة واستقلالية، عبر مراجعة نظام التمويل الحزبي، وتقوية الديمقراطية الداخلية، وربط الدعم العمومي بجودة الترشيحات وبرامج التأطير السياسي.
إن ما نعيشه اليوم من مشهد مأزوم هو حصيلة مسار طويل من التساهل مع رموز الفساد، الذين تحولوا إلى "زعماء محليين" محصنين بسلطة المال وشبكات الزبونية. والحال أن العملية السياسية لا يمكن أن تستقيم في ظل بقاء نفس الوجوه التي راكمت الثروات على حساب الشأن العام، لأن التغيير لا يتحقق بتغيير القوانين فقط، بل بإرادة جماعية لخلق قطيعة مع ممارسات الماضي، وبتحميل الأحزاب، والإدارة، والقضاء، والإعلام، مسؤولياتها الكاملة في تطهير الحياة السياسية.
إن وزارة الداخلية، التي ستشرف على تعديل مدونة الانتخابات وتنظيم الاستحقاقات المقبلة، مطالَبة بأن لا تكتفي بدور الوسيط التقني، بل أن تترجم فعلياً الإرادة الملكية في ضمان انتخابات شفافة ونزيهة تُعيد الثقة في المؤسسات. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم الحسم في مسألة الأهلية السياسية من خلال معايير موضوعية، تنطلق من مبدأ أساسي: لا ديمقراطية مع الفساد، ولا شرعية تمثيلية لمن خان الأمانة أو عبث بالمال العام.
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية ليست مؤسسة تشريعية، إلا أنها تملك من الوسائل ما يكفي لاقتراح تعديلات جوهرية، وفرض شروط موضوعية في المشاورات الجارية، بالتنسيق مع المؤسسات الرقابية وهيئات النزاهة والوقاية من الرشوة، لضمان ألا يعود إلى الواجهة من لفظتهم صناديق التحقيق القضائي. فالديمقراطية ليست مجرد اقتراع، بل هي منظومة قيم، أولها الاستقامة السياسية، وأساسها الشفافية والمساءلة.
لقد آن الأوان لتحرير الديمقراطية المغربية من قبضة الريع السياسي، وتجفيف المستنقع الذي يسمح للفاسدين بالعودة مرة بعد أخرى إلى الواجهة. وإلا فإن كل إصلاح انتخابي سيظل شكلياً، وكل تناوب سيكون مجرد إعادة تدوير للفساد نفسه في وجوه جديدة. فهل نملك الشجاعة الكافية لربط الأهلية الانتخابية بالنزاهة، واعتبار ذلك شرطاً أساسياً لا مجرد تفصيل قانوني؟ هذا هو التحدي الحقيقي أمام المغرب وهو يُقبل على استحقاقات 2026.
لكن النقاش الحقيقي لا يكمن فقط في الجهة التي تقود المفاوضات حول مدونة الانتخابات، بل في جوهر الإصلاح المنتظر: هل نحن أمام مجرد إعادة توزيع تقني للمقاعد وتعديل للعتبات وتجويد لبعض المساطر، أم أن هناك توجهاً سياسياً جدياً يروم القطع مع الفساد السياسي من جذوره؟ وهل ستقترن هذه التعديلات المنتظرة بتدابير قانونية تضمن استبعاد كل من تحوم حولهم شبهات الفساد أو سبق لهم أن أدينوا أو تورطوا في استغلال مواقعهم لنهب المال العام والإثراء غير المشروع أو شراء الذمم؟
المعضلة التي تواجهها الديمقراطية المغربية اليوم هي أنها تُدار بمنظومة قانونية لم تعد قادرة على فرز نخبة سياسية نزيهة، أو على الأقل غير مدانة. فالعديد من مناصب المسؤولية في الجماعات الترابية وفي البرلمان أضحت محلاً للتنافس على الريع، لا على خدمة الصالح العام. ولا أدل على ذلك من العدد المتزايد للمسؤولين المنتخبين الذين تلاحقهم المتابعات القضائية، والذين لم تمنعهم ملفاتهم الثقيلة من العودة إلى الترشح والفوز في الانتخابات السابقة، مستغلين ضعف الإطار القانوني المنظم، وغموض شروط الأهلية السياسية، والأهم من ذلك، الإفلات الممنهج من المحاسبة السياسية، مقابل الاكتفاء بالمحاسبة القضائية التي غالباً ما تأتي متأخرة.
ولئن كانت محاربة الفساد السياسي تتطلب إرادة جماعية، فإن مدونة الانتخابات تعتبر مدخلاً قانونياً جوهرياً لترسيخ ثقافة المسؤولية وربطها بالمحاسبة. فهل تتوفر اليوم الإرادة الحقيقية لتضمين هذا الورش إصلاحات جوهرية لا تكتفي بتحسين التقنية الانتخابية، بل تمتد إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي عبر غربلة شروط الترشح، وتجريم إعادة ترشيح المتورطين في الفساد السياسي، وتجفيف منابع شراء الأصوات واللوائح السوداء التي تتحكم في الخريطة السياسية باسم المال الحرام؟
الأحزاب السياسية مطالَبة اليوم قبل غيرها، باتخاذ مواقف حازمة تجاه من يلوثون صفوفها، لأن التمادي في ترشيح الفاسدين لا يُعد فقط انتكاسة أخلاقية، بل هو طعن مباشر في الشرعية التمثيلية، واستخفاف بإرادة الناخبين، وخرق ضمني لمبدأ تكافؤ الفرص. أما الدولة، فإنها مطالبة بدورها بإحداث قطيعة مع منطق التساهل والتواطؤ مع مافيات السياسة، لأن أي عملية انتخابية يقودها الفساد، لن تفضي إلا إلى إنتاج مؤسسات مشلولة ومجالس بلا مشروعية سياسية، مما يعمق من أزمة الوساطة، ويزيد من نفور المواطنين من الانخراط في الحياة العامة.
لقد أثبتت التجربة أن استبعاد الفاسدين لا يمكن أن يتم فقط عبر صناديق الاقتراع، لأن هذه الأخيرة، حين تُترك فريسة للمال السياسي، لا تنتج إلا من يملك القدرة على شراء الضمائر. وبالتالي، فإن التعديل المنتظر لمدونة الانتخابات يجب أن يتضمن مقتضيات صريحة تقطع الطريق على كل من صدرت في حقهم أحكام نهائية تتعلق بالرشوة أو تبديد المال العام أو استغلال النفوذ أو التلاعب بمشاريع التنمية المحلية. كما يجب أن يتم التنصيص بوضوح على مبدأ "عدم الأهلية السياسية" لكل من تلاحقه شبهة فساد ثابتة بحكم قضائي نهائي، أو تقارير للمجلس الأعلى للحسابات والهيئات الرقابية المختصة.
كما أن النقاش حول استبعاد الفاسدين يجب أن يتجاوز المقاربة العقابية إلى مقاربة وقائية، تشمل خلق آليات صارمة للتمحيص القبلي للمرشحين، وتعزيز الرقابة القبلية للمجالس المنتخبة، واعتماد معايير صارمة للانتقاء داخل الأحزاب نفسها، لأن المعضلة تبدأ من لحظة تزكية الأشخاص، لا من إعلان النتائج. وينبغي أن تُقرن هذه الإجراءات بتحفيز مشاركة نخب جديدة نظيفة، ذات كفاءة واستقلالية، عبر مراجعة نظام التمويل الحزبي، وتقوية الديمقراطية الداخلية، وربط الدعم العمومي بجودة الترشيحات وبرامج التأطير السياسي.
إن ما نعيشه اليوم من مشهد مأزوم هو حصيلة مسار طويل من التساهل مع رموز الفساد، الذين تحولوا إلى "زعماء محليين" محصنين بسلطة المال وشبكات الزبونية. والحال أن العملية السياسية لا يمكن أن تستقيم في ظل بقاء نفس الوجوه التي راكمت الثروات على حساب الشأن العام، لأن التغيير لا يتحقق بتغيير القوانين فقط، بل بإرادة جماعية لخلق قطيعة مع ممارسات الماضي، وبتحميل الأحزاب، والإدارة، والقضاء، والإعلام، مسؤولياتها الكاملة في تطهير الحياة السياسية.
إن وزارة الداخلية، التي ستشرف على تعديل مدونة الانتخابات وتنظيم الاستحقاقات المقبلة، مطالَبة بأن لا تكتفي بدور الوسيط التقني، بل أن تترجم فعلياً الإرادة الملكية في ضمان انتخابات شفافة ونزيهة تُعيد الثقة في المؤسسات. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم الحسم في مسألة الأهلية السياسية من خلال معايير موضوعية، تنطلق من مبدأ أساسي: لا ديمقراطية مع الفساد، ولا شرعية تمثيلية لمن خان الأمانة أو عبث بالمال العام.
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية ليست مؤسسة تشريعية، إلا أنها تملك من الوسائل ما يكفي لاقتراح تعديلات جوهرية، وفرض شروط موضوعية في المشاورات الجارية، بالتنسيق مع المؤسسات الرقابية وهيئات النزاهة والوقاية من الرشوة، لضمان ألا يعود إلى الواجهة من لفظتهم صناديق التحقيق القضائي. فالديمقراطية ليست مجرد اقتراع، بل هي منظومة قيم، أولها الاستقامة السياسية، وأساسها الشفافية والمساءلة.
لقد آن الأوان لتحرير الديمقراطية المغربية من قبضة الريع السياسي، وتجفيف المستنقع الذي يسمح للفاسدين بالعودة مرة بعد أخرى إلى الواجهة. وإلا فإن كل إصلاح انتخابي سيظل شكلياً، وكل تناوب سيكون مجرد إعادة تدوير للفساد نفسه في وجوه جديدة. فهل نملك الشجاعة الكافية لربط الأهلية الانتخابية بالنزاهة، واعتبار ذلك شرطاً أساسياً لا مجرد تفصيل قانوني؟ هذا هو التحدي الحقيقي أمام المغرب وهو يُقبل على استحقاقات 2026.
.png)
