Saturday 19 July 2025
كتاب الرأي

منير الطاهري: أي نفس لشبكات الفساد لمواجهة حملات التطهير؟ أم أنها كائنات حربائية وقدر محتوم؟

منير الطاهري: أي نفس لشبكات الفساد لمواجهة حملات التطهير؟ أم أنها كائنات حربائية وقدر محتوم؟ منير الطاهري
مستقبل التطهير من الفساد بالإدارة المغربية مرتهن بصفة مركزية  بإرادة الدولة، ودرجة تفاعل القوى الحية السياسية والمدنية في المجتمع، ومدى نجاعة المؤسسات الرقابية والقضائية والإدارة الإلكترونية.
 
من باب أولي يمكن مقاربة مستقبل تطهير وعقلنة المرفق العام من خلال أربع مقاربات:
1. تقييم المؤشرات الحالية: هل هناك إرادة حقيقية؟
 منذ الخطاب الملكي لسنة 2011، أُدرجت مكافحة الفساد ضمن أولويات الخطاب الرسمي، لكن ظل التطبيق محدودا وغير ممنهج إن لم نقل غير متحل بجرأة في القرار السياسي.
وهكذا تم إحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (INPPLC) و رغم تعديل القانون المنظم لها سنة (2021) ومنحها صلاحيات أوسع، إلا أن أثرها على الحياة العامة ظل ضعيفا ومحدودا.
لا يمكن أن ننفي كذلك وجاهة وقوة تقارير المجلس الأعلى للحسابات والتي تنشر بانتظام وتكشف عن اختلالات خطيرة، لكنها غالبًا لا تُستتبَع بمتابعات قضائية فعلية أو تطهير إداري جدي.

 
2. العقبات البنيوية أمام مشاريع التطهير الإداري  لمؤسسات الدولة.
مازالت الدولة تتردد في ربط المسؤولية بالمحاسبة كخيار مبدئي لتدبير الشأن العام ومن النادر أن تتم محاسبة مسؤول إداري كبير رغم ثبوت التجاوزات. كما تعزز هذا العجز  بضعف القضاء الإداري والمالي بسبب رثابة الإجراءات وتغليب المقاربة الشكلية التي  تعرقل محاربة الفساد الفعالة.
لا ننسى كذلك، استشراء ثقافة الريع والولاء الحزبي أو العائلي: والتي تكرس التعيينات غير المستحقة في المناصب كأسلوب لاقتسام الكعكات الوزارية وتُفلت الفاسدين من العقاب.
ويبقى التواطؤ داخل بعض الأجهزة هو الدرع الواقي لشبكات الفساد الذي يجعل منها كيانا مستقلا متشابكا بين الإدارة والعائلات والشركات والأنساب والقرابات والمعاملات المالية الخاصة والترضيات والصداقات والعلاقات الحميمية، كيانا متضخما داخل الجماعات، المنتخبين، والوسطاء.

 
3.هل من  إصلاحات ممكنة أو مستلزمة على وجه الاستعجال
حان الوقت لإعادة الاعتبار لتقارير التفتيش والمتابعة الجنائية المباشرة بناء عليها.حان الوقت كذلك لاعتماد نظام صارم لتقييم الأداء الإداري وربطه بالترقية أو الإعفاء.

 
وأصبحت الدولة في أمس الحاجة لإدماج الرقمنة بشكل واسع لتقليص التماس البشري والحد من الرشوة (خدمات رقمية، الصفقات العمومية، مساطر التراخيص). كما أن إعادة هيكلة وزارة الوظيفة العمومية لإحداث هيئة مستقلة للتدقيق والتقييم أصبح يطرح نفسه كظرورة ملحة مع ما يتطلبه ذلك من توسيع صلاحيات المفتشيات العامة وربطها مباشرة برئاسة الحكومة أو بالمجلس الأعلى للحسابات.
 
4. سيناريوهات مستقبلية للحسم مع فساد المرفق العمومي: 
• سيناريو التفاؤل المشروط بتحولات عميقة في بنية الدولة ومشروط كذلك بتآكل درع الفساد المتواجد في درجات متقدمة من الدولة، وهو سيناريو غير قابل للتحقق إلا إذا ما تم إطلاق إشارات سياسية قوية (مثل إعفاءات مناصب عليا بناء على فساد مثبت، أو محاكمات نزيهة)، في هذه الحالة فقط فإن ذلك قد يفتح الباب أمام موجة تطهير إداري حقيقي.
• سيناريو الجمود الواقعي وهو السيناريو المطبق في غياب إرادة سياسية فعلية، إذ سيبقى الخطاب موجودا لكن دون أثر فعلي، وسيستمر الفساد الإداري بصيغ أكثر تطورًا ودهاء خاصة في الصفقات العمومية والتراخيص وهو يمتد كذلك إلى التعيينات والوظيفة العمومية وغيرها من الامتيازات
• سيناريو التغيير تحت الضغط: وهو سيناريو يقوم على القراءة السوسيو سياسية لظواهر الفساد الإداري والتي غالبا ما
تواجه ضغوط قوية من الشارع في إطار الحراكات الشعبية لأجل الحرية والديموقراطية، أو إذا تعدر ذلك مؤقتا ولم تتوفر شروطه الكاملة، عبر برامج دولية مشروطة بالشفافية (صناديق التمويل الأوروبية، البنك الدولي)، إذ فقطفي هاتين الحالتين  تضطر الدولة إلى اتخاذ إجراءات تطهير رمزية أو قطاعية ملحوظة.
إطار إداري وباحث في علوم التدبير