Thursday 17 July 2025
جالية

الإعتداء على مغاربة مورسيا.. حزب فوكس الإسباني وخطورة تسييس الهجرة لأغراض انتخابية

الإعتداء على مغاربة مورسيا.. حزب فوكس الإسباني وخطورة تسييس الهجرة لأغراض انتخابية زعيم حزب فوكس سانتياغو أباسكال، ومشهد من أحداث مورسيا
أعادت الأحداث الأخيرة التي عاشتها بلدة " توري باشيكو" بإقليم "مورسيا" بإسبانيا بسبب الاعتداءات التي تعرض لها المهاجرون المغاربة من قبل عناصر تحمل أفكار اليمين المتطرف المعادي لوجود المهاجرين، إلى واجهة النقاش العمومي حول موقف حزب فوكس الإسباني من الهجرة خاصة بعد اتهامه من قبل الحزب الإشتراكي العمالي الإسباني بالتحريض على العنصرية والكراهية ضد المهاجرين.
 
وبالعودة إلى المبادئ والإيديولوجية التي يحملها هذا الحزب الذي ولد من رحم الحزب الشعبي اليميني سنة 2013، فإن مواقفه من الهجرة والعداء ضد المهاجرين شكلت أهم عناصر توجهاته ضمن برامجه الانتخابية، وعمل على استغلال الأزمة الاقتصادية التي عرفتها إسبانيا بعد سنة 2008 و تداعياتها على الأوضاع الاجتماعية، بتوجيه أصابع الإتهام إلى المهاجرين بتسببهم في تأزم الوضع الاجتماعي وخلق منهم عدو مفترض يهدد الهوية الوطنية الإسبانية، وذلك عبر الإعتماد على خطاب سياسي شعبوي سلبي حول الهجرة، مستفيدا من تفتت قاعدة ناخبي الحزب الشعبي، حيث ارتفعت أصواته الانتخابية إلى 10.26 في المائة بمجموع 2.6 مليون صوت و24 مقعدا برلمانيا خلال الانتخابات التشريعية لعام سنة 2016 ، وخلال الانتخابات التشريعية العامة الأخيرة ليوم 23 يوليوز 2023، حصل فوكس على ما مجموعه 3057000 بنسبة 12.38 في المائة من الأصوات، وحصل بذلك على 33 مقعدا برلمانيا.
 
لكن السؤال المطروح وهو لماذا يصوت أزيد من 3 مليون إسباني على حزب فوكس، وماهي العناصر والقضايا التي يركز عليها هذا الحزب في خطابه السياسي وفي برامجه الانتخابية؟ وكيف يستطيع أن يقنع ويستقطب أصواته الانتخابية التي أصبحت تشكل تهديدا لوجود المهاجرين وللقيم والمبادئ التي ارتكزت عليها الديموقراطية الإسبانية بعد التحول الديموقراطي واعتماد دستور جديد سنة 1978 بعد نهاية مرحلة الدكتاتور الجنرال فرانكو؟.
 
حسب بعض الدراسات المتعلقة بعلم الاجتماع فإن الدوافع الرئيسية لناخبي حزب فوكس كانت الهجرة (%41.6)، ورفض الحزب الاشتراكي الإسباني (%34.2)، والقلق على وحدة إسبانيا (%33.7) .
 
من خلال هذه الأرقام يتبين أن أغلب المصوتين على حزب فوكس رأيهم يتماشى مع موقف الحزب حول الهجرة، لكن المفارقة، هو كون هؤلاء الناخبون الذين صوتوا لهذا الحزب، لا يقيمون بالأحياء التي يتواجد بها المهاجرين بمعنى ليس لهم اتصال مباشر بهم، بل معظمهم يعيشون في مناطق ثرية وأغلبها بعيدة عن الأحياء التي يقيم بها المهاجرين.
 
وبالتالي فإن تصويتهم على حزب فوكس، قد يكون ناتج عن الخوف من الهجرة، وخاصة من المهاجرين المغاربيين والأفارقة، وهو موقف يُبنى في المقام الأول على أسس ثقافية وهوية، باعتبار الهجرة تشكل تهديدا "للهوية الإسبانية نفسها، وليس خوفا من المنافسة في سوق الشغل"، وهذا ما يفسر النتائج المهمة التي حققها بالأحياء الثرية جدًا أو في المناطق ذات الوجود العسكري القوي، وبالتالي فإنه استقطب جزء مهم من الكتلة الانتخابية للحزب الشعبي، وهو يفسر أيضا رغم ارتفاع أصواته، فإن فوكس فشل في تأسيس كتلة وقاعدة انتخابية جديدة خاصة به، بل هو يتغذى من الكتلة الناخبة للحزب الشعبي.
 
لكن ماهي الأليات والعناصر والمواضيع التي يستخدمها حزب فوكس لحشد الناخبين وكسب تأييدهم؟، وإلى أي درجة يراهن على الهجرة في خطابه السياسي وفي برامجه الانتخابية؟.
 
بالرجوع إلى الخطاب السياسي لحزب فوكس ولبرامجه الانتخابية، فيما يخص قضية الهجرة، فإنه يركز على جوانب محددة، مثل الوضع غير القانوني للمهاجرين وارتباطهم بالجريمة، وانعدام الأمن العام، وفقدان الهوية الوطنية.
 
وخطاب فوكس حول الهجرة يتماشى مع ظهور فئة جديدة من اليمين، وهي الشعبوية الراديكالية، التي تشمل خصائصها سياساتٍ قومية، مدعومة بأيديولوجية عرقية مركزيةٍ تتمحور حول التباين بين "نحن" (السكان الأصليين) و"هم" (الأجانب)، عبر تصوير المهاجر كعدو.
وخلال مسار الانتخابات التي خاضها الحزب، اعتمد على خطاب سياسي ينطلق من نظرة سلبية للمهاجرين، وتصويرهم على أساس أنهم هم عدوهم المفترض، وبالتالي أصبح التمييز من أكثر القضايا في هذا الخطاب ينطوي على حرمان من يُعتبرون مختلفين، ومعاملتهم بشكل غير عادل، سواء من خلال القمع، أو الإهانة، أو التشهير، أو تقييد حقوقهم، أو اعتماد تدابير غير مبررة تُعزز عدم المساواة بينهم، وبهذا المعنى، يستخدم فوكس كباقي الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة اختلاف المهاجرين مع جماعتهم (بسبب أصلهم، أو عرقهم، أو لون بشرتهم، أو لغتهم، أو ثقافتهم، أو دينهم) كسلاح انتخابي في برامج قائمة على الإقصاء الاجتماعي لمجتمع المهاجرين، مدعومة بوسائل الإعلام وأيديولوجية جوهرية توصف بالوطنية المعادية للأجانب.
 
لقد اعتمد حزب فوكس على خطاب سياسي يحاول من خلاله التأثير على عقول الناخبين، من خلال التركيز على مواضيع معينة (أو إسكات الآخرين) والتباين بين "نحن" و"هم"، مما يخلق صورة متحيزة متأثرة بأيديولوجية الحزب، يمكن لهذه الأيديولوجية المستقطبة أن تؤثر على تصور الناخبين للواقع الاجتماعي والسياسي بناءا على الأخبار و المعلومات التي يتلقونها، وذلك بهدف تأثير هذا الخطاب على المجتمع استنادا على الأيديولوجية التي يحملها والمواقف المعادية للمهاجرين، وبالتالي فإن الرسائل المناهضة للهجرة التي ينشرها حزب فوكس تشكل إحدى أعمدة هذا الخطاب.
 
ويمكن التمييز بين خمسة محاور موضوعية في تغريدات حزب فوكس على مواقع التواصل الاجتماعي والمناهضة للهجرة: أولا التركيز على المهاجرون غير الشرعيين، ثانيا القاصرين غير المصحوبين بذويهم وتقديمهم كمعتدين ومغتصبين، ثالثا التركيز على المهاجرون كمجرمين ومرتكبي جرائم عنيفة، رابعا، تصوير المهاجرون كغزاة، خامسا إبراز المساعدات التي يتلقاها المهاجرون البالغون والقاصرين غير المصحوبين بذويهم على أساس أن من يستحقها هم الإسبان.
وهذا الخطاب الذي يعتمد عليه فوكس في حملاته الانتخابية، لتخويف الناخبين والرأي العام، وجعلهم كعدو مفترض يهدد الهوية الوطنية، وبالتالي تبرير الإجراءات المتخذة ضدهم مثل ما جاء في برنامجه الإنتخابي للإنتخابات التشريعية العامة ليوم 23 يوليوز 2023 من خلال اقتراحه كخطوة أولى، بإجراء استشارة شعبية حول عواقب سياسات الباب المفتوح، بشأن نموذج إدارة الهجرة وحماية الحدود الذي يريده لإسبانيا، من أجل طرد المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى اقتراحه الطرد الفوري لجميع المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بشكل غير قانوني، والطرد الفوري للمهاجرين الشرعيين الذين يرتكبون جرائم خطيرة أو يكسبون عيشهم من جرائم بسيطة، مع ضمان قضاء عقوبتهم في بلدانهم الأصلية، وإلغاء المساعدات العامة للمهاجرين غير الشرعيين، والدعم المالي للمنظمات غير الحكومية والجمعيات، أو أي مؤسسة تستخدم أموالها لتشجيع الهجرة غير الشرعية أو مساعدتها، ومطالبته بربط المساعدة الاجتماعية بالإقامة القانونية، وليس فقط بالتسجيل في بلد المنشأ، وطرد القاصرين الغير المرافقين وغيرها من التدابير التي تهدف إلى الحد من الهجرة.
 
ويلاحظ من خلال برنامج حزب فوكس وخطابه السياسي أنه يسعى لتعزيز نفوذه السياسي من خلال التلاعب بالناخبين برسائل مستقطبة أيديولوجيا تستهدف المهاجرين، ولهذا اختار التركيز على إرساء نظرة قاتمة ومرعبة ومتشائمة حول الهجرة، ويعزز الأحكام المسبقة والمواقف السلبية تجاه الأجانب، وذلك لإقناع الناخبين بضرورة اتخاذ موقف حازم من مشكلة الهجرة وخصوصا غير الشرعية، معتمدا بذلك على لغة التضليل والشعبوية.
 
وبالنظر إلى أنه غالبا ما تستند الخطابات الشعبوية اليمينية المتطرفة إلى النزعة القومية، والتي تُفهم على أنها المعارضة الشديدة لأقلية داخلية، والتي تُرجع سبب رفضها - في هذه الحالة، المهاجرين - إلى أصولهم الأجنبية، هناك زيادة مقلقة في تأثير الخطاب الشعبوي في سياسات الهجرة سواء في إسبانيا أو في الدول الأوروبية عموميا، وخاصة من قبل أحزاب اليمين المتطرف، التي تشكل تهديدا لمسألة التنوع الثقافي للمجتمع الإسباني والأوروبي، عبر الترويج في خطابها لموضوع الخوف من "الآخر"، وللحاجة إلى الحفاظ على ثقافة الجماعة الداخلية وأيديولوجيتها وقيمها.
 
إن تسييس قضية الهجرة من قبل حزب فوكس يهدف في أخر المطاف إلى تعزيز قوته الإنتخابية بحشد الناخبين الرافضين لتواجد المهاجرين وتخويفهم من سلوكهم بتقديم صورة سلبية حولهم، بهدف الحد من وجودهم، لأنه كلما ازداد عدد المهاجرين وتمت تسوية وضعيتهم القانونية كلما ارتفعت الكتلة الناخبة للأحزاب اليسارية، وذلك في ظل فشل فوكس في تشكيل قاعدة انتخابية خاصة به، خاصة وأنه حزب مرفوض من قبل الأحزاب الجهوية ذات القوميات التاريخية مثل الأحزاب الجهوية في كتالونيا وإقليم الباسك ولو كانت يمينية وذلك بسبب مواقفه المناهضة لسياسة الجهوية والحكم الذاتي، وبالتالي لم يبقى له إلا ورقة انتخابية وحيدة وهي الهجرة لمحاولة كسب المتعاطفين معه والذين يتم تخويفهم من تواجد المهاجرين.