Tuesday 8 July 2025
فن وثقافة

مهرجان جماعة ثكنة يتوسل الخصوبة والنماء على صهوات الخيول ويثمن التراث بصيغة اجتماعية وثقافية

مهرجان جماعة ثكنة يتوسل الخصوبة والنماء على صهوات الخيول ويثمن التراث بصيغة اجتماعية وثقافية لمقدم عبد الله بن أبيه وورشة فن وتراث التبوريدة

اعتمدت فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان جماعة ثكنة الثقافي والفلاحي بإقليم سيدي قاسم، لاعتبارات موضوعية وتقنية ولوجستيكية على مؤشر النَّوع بدل الكم، حيث تم انتقاء 32 مْقَدَّمْ سَرْبَةْ من أصل 107 سربة كانت قد تقدمت بطلبات المشاركة في هذه الدورة التي تحمل شعار: "التبوريدة فن وثرات"، حيث جاءت تمثيلية فرسان وخيول المجالات الجغرافية موزعة على أقاليم وعمالات: الرباط، سيدي قاسم، سيدي سليمان، القنيطرة، فاس ومكناس، ومولاي يعقوب بالإضافة إلى تمثيلية فرسان إقليم تاونات.

وحسب مواكبة جريدة "أنفاس بريس" للدورة الرابعة لمهرجان ثكنة الثقافي والفلاحي، فقد تجلّى التنوع والتعدد الثقافي والهوياتي والجغرافي في اختلاف طرق ممارسة فنون وتراث التبوريدة، على مستوى حركات الَّلعب بـ "الْمُكَحْلَةْ". وأسلوب نداء "نْدْهَةْ" عَلَّامْ السّْرُوتْ، المتشبع بتراث فن الفروسية التقليدية من ينبوع خصوصية منطقته، علاوة عن تعدُّد لمسة منتوجات الزي واللباس التقليدي...كل هذه العوامل وأخرى ذات الصلة بمستلزمات منظومة "التّْبَوْرِيدَةْ" عكست البعد الرمزي والجمالي والفني للتراث اللامادي، ولعبت دورا مهما في ضمان صناعة الفرجة التراثية والفنية على صهوة الخيول العربية البربرية والبربرية. ودليلنا في ذلك تفاعل الجمهور الوافد لمضمار "صناعة الفرجة" وهو يعتلي كراسي المدرجات المحيطة بكل جنباته، حيث انخرط الجميع بأرقى أشكال تعابير الفرح والرضا بمستوى التنظيم والفرجة والتواصل والإشعاع.

في سياق متصل تابعت جريدة "أنفاس بريس" طريقة الترويج للأنشطة الثقافية والفلاحية والمنتوجات المجالية بمنطقة ثكنة، إلى جانب تمتين روابط العلاقات الاجتماعية والتراثية، الشيء الذي عكسه الحضور القوي لوزراء ومسؤولين بمؤسسات منتخبة وبقطاعات معنية بالبرنامج الغني لهذه الدورة، التي عرفت تنوع الأنشطة الموازية، حيث استقطبت عدة فعاليات اقتصادية وثقافية وفنية وتراثية ورياضية ساهمت في إنجاح ورشات مهمة ترتبط بقطاع الفلاحة وأساليبها الحديثة من خلال إقامة معرض للمنتجات الفلاحية المحلية التي تعتمد أساسا على سخاء واد سبو.

هنا والآن، يتحدث الفلاح والكساب البسيط عن الزمن الجميل، مستحضرا عذوبة مياه واد سبو وسخاءه قبل سنوات الجفاف وندرة المياه، حيث ساهم في تعزيز قطيع الماشية، ووفرة إنتاج "الْغَلَّةْ"، وعدة فواكه موسمية مثل العنب وأنواع البطيخ الأحمر والأصفر، إلى جانب منتوج الخضر، وتمدد وانتشار بساتين عشب وكلأ المراعي دون الحديث عن زراعة القطاني.

 

 

عريس التّْبَوْرِيدَةْ لَمْقَدَّمْ عبد الله بن أبيه يربط الماضي بالحاضر والمستقبل

في لقاءاتنا اليومية قبل انطلاق فعاليات المهرجان، تحت سقف جمعية شباب فرسان ثكنة التي يترأسها الفاعل الجمعوي السعيد بيتور، كان كل فارس كبر أو صغر شأنه وسِنُّهُ يتحدث بافتخار عن لحظة الاستعداد لامتطاء صهوة الخيول بالقول: "نفتخر كفرسان كبارا وصغارا، بانتمائنا لكتيبة جمعية شباب تكنة برآسة لَمْقَدَّمْ عَبْدُ اللهْ بَنْ بِّيهْ، ونعتز كوننا نمثل منطقتنا وإقليم سيدي قاسم في أغلب مهرجانات تراث التبوريدة التي نستدعى إليها بعدة عمالات وأقاليم وجهات المملكة".

 

كيف لا يفتخر هؤلاء الفرسان بكتيبتهم التي دوّنت إسمها بمداد الشجاعة والكرامة على أرضية مضمار سنابك الخيل والبارود، في مواسم ومهرجانات تم تنظيمها سواء بجانب شواطئ البحر، أو في المداشر والقرى أو بمختلف المدن المغربية...لأنهم ببساطة يدركون ويعلمون أنهم من سلالة عساكر "السُّلْطَانْ". وأنهم ساهموا في الدفاع عن الوطن".

 

 

جدور شجرة أنساب فرسان قبائل ثكنة 

إن مسار فرسان منطقة ثكنة، يحكي سيرة مجتمع القبائل المغربية التي تنتمي للروابط التاريخية الصحراوية، كيف لا وهم الذين ورثوا عن أجدادهم شجاعة العساكر والفرسان الصناديد، على اعتبار أن شجرة أنسابهم تنتمي للقبائل الصحراوية التي هاجرت قديما بحثا عن المراعي الخصبة، أو بسبب انخراطهم في الخدمة العسكرية. حيث تؤكد المصادر التاريخية بأنهم كانوا قد حطوا الرحال سابقا بأراضي الرحامنة أولا، ومن تم انتقل جزء منهم صوب مجال مدينة الرباط، وهم الموسومون باسم جَيْشْ لَوْدَايَةْ. ثم بعد ذلك قرروا الاستقرار بمجال إقليم سيدي قاسم، حيث يشكلون اليوم جزءا مهما من قبيلة الشراردة الموزعة على أربع فَخَذَاتْ وهي: "ثَكْنَةْ ـ أَوْلَادْ دْلِيمْ ـ زِيرَارَةْ ـ اشْبَانَاتْ". هكذا استوطن أجداد فرسان جماعة ثكنة الأرض مقابل الخدمة العسكرية، حيث كانت الدولة تمنح 7 هكتارات لكل مخزني (جندي بالقوات المساعدة) كمكافأة على الخدمة العسكرية.

 

فرسان "خيالة" يمثلون نموذج الإنتماء والهوية والروابط التاريخية

بدون منازع، فقد كان أيقونة الفروسية التقليدية، لَمْقَدَّمْ عَبْدُ اللهِ بَنْ أبِّيهْ، عريس مَحْرَكْ التّْبَوْرِيدَةْ رفقة فرسان كتيبة جمعية شباب تكنة طيلة أيام المهرجان الممتد من 2 إلى 5 يوليوز 2025، التي تتشكل من أبناء القبلية والدوار ـ من الأبناء والأحفاد وأبناء العمومة والقرابة الدموية ـ  كان كعادته مثل النسر الكاسح، محلقا في سماء مَحْرَكْ التّْبَوْرِيدَةْ، حيث قدَّم أروع إبداعاته على مستوى اللعب بطريقته الخاصة والمتفردة - كيفية من كيفيات الطريقة الشرقاوية - مستحضرا تاريخ عساكر السلطان الذين دافعوا بالغالي والنفيس وبأرواحهم عن الوطن.

 

فلا غرابة إن قدّمت كل سربات الخيل المشاركة خلال النسخة الرابعة لمهرجان جماعة ثكنة الثقافي والفلاحي أحسن العروض واللوحات التراثية. حيث كان جميع الفرسان مدثرين بأرقى الزي واللباس التقليدي الأصيل، ومستلزمات فن التبوريدة، وتميز تفاعل الجمهور العاشق لتراثه والمتشبع بقيم هوياته وأصالته بالتشجيع والتصفيق والزغاريد...فكانت المتعة والاستمتاع والألق والتألق فرصة ثمينة للتنافس الشريف.

 

 

لوحات تراثية وفنية تعكس خصوصية وغنى وتنوع الموروث الثقافي

أغلب من جالستهم جريدة "أنفاس بريس" عبروا عن سعادتهم بالقول: "لقد عشنا لحظات تفاعلية جميلة مع فقرات برنامج فعاليات النسخة الرابعة للمهرجان، واندهشنا للحضور القوي للجمهور الغفير الذي حج لاقتفاء أثر فرسانه وخيولهم تشجيعا وتصفيقا لعروض فن وتراث التبوريدة". وخصوصا حين امتزج "نقع غبار حافر الخيل وصهيلها مع دخان ودوي طلقات البارود، على إيقاع أنماط الموسيقى والغناء التقليدي المتنوع، بصيغة الهيت الغرباوي والحسناوي، في تناغم مع ألحان المجموعات الغنائية الشعبية الأمازيغية ـ أحيدوس ـ وعبيدات الرما، وكأن تربة منطقة ثكنة تعلن بندائها انتصار سنابك الخيل البطولي، وفرسان بارود الفرح لتفسح المجال لانسياب مياه واد سبو العذبة، لإرواء عطش الأرض والإنسان والحيوان.

 

لقد أضفت على لحظات صناعة الفرجة التراثية بهاء وجمالا، تلك المشاهد المبهرة التي جسدتها رقصة فرسان جبالة ـ تاونات ـ وهم يتأبطون بنادقهم التاريخية، حيث رسموا بحركاتها لوحات حربية نابعة من ذاكرة المقاومة المغربية، تثمينا للموروث الثقافي الشعبي. مما برهن على تألق هؤلاء الرّماة بلباسهم الجبلي التقليدي الأصيل الذي يحكي قصص وسيرة رجال الجبل المدججين ببنادق بارود الفرح، وزادهم تألقا ذلك الإنشاد الروحي والتعبير الشعري في تمجيد الوطن.

 

لطيفة أحرار: في الحاجة إلى صناعة سينمائية تشتغل على إبراز غنى التراث بجماعة ثكنة

على هامش تكريمها كفنانة مبدعة، خلال الدورة الرابعة لمهرجان ثكنة الثقافي والفلاحي، شددت الفنانة والمخرجة لطيفة أحرار على ضرورة استثمار كل المؤهلات والمقدرات الطبيعية الغنية بمنطقة جماعة ثكنة التي أنعم الله عليها بهبة وادي سبو، من أجل توثيق وتسجيل كل ما تزخر به هذه المنطقة من مشاهد طبيعية وموروث ثقافي شعبي ضارب بجدوره في عمق الحضارة المغربية، سواء كان معمارا أو غناء أو رقصا، أو لباسا وعادات وتقاليد. وأوضحت بأن فرسان منطقة ثكنة المولوعين بفن وتراث التبوريدة يتميزون بطريقتهم في ركوب الخيل، وحرصهم على تحصين والمحافظة على كل ما هو أصيل. وأكدت أحرار، بأن الأعمال الفنية والتلفزيونية والسينمائية يجب أن تلتفت لسبر أغوار جمال الطبيعة والجغرافيا بهذه المنطقة التي تزخر بالغنى والتنوع، وتتسم بطيبوبة أهاليها وكرم ساكنتها التي تعشق وتتباهى بانتمائها للتاريخ والأرض والمجال.

ورشات وإقصائيات فنون التبوريدة بطعم الطفولة والشباب

من الفقرات الثقافية والتربوية والتواصلية الهادفة التي اشتغلت عليها جمعية فرسان شباب ثكنة في برنامجها الموازي للمهرجان، كانت فقرات "الورشات" و "المنافسات" و "الإقصائيات" ذات الصلة بكيفية اللعب بالمكحلة وحركات التبوريدة، فضلا عن تقليد طريقة نَدْهَةْ لَمْقَدَّمْ عبد الله بن أبيه، حيث شارك في هذه الإقصائيات 20 شابا يافعا، كلهم يحلمون بأن يصبحوا فرسانا ضمن سربة ثكنة، ويحملون في قلوبهم مشعل الفروسية التقليدية بعشق كبير.

لم نتردد في المشاركة والمساهمة في ورشات التأطير الثقافي والفني والتراثي مع جمعية فرسان شباب ثكنة، بعد أن هيئ ثلة من أبناء المنطقة فضاء خيمة الإقصائيات والتباري، بحضور "لجنة تحكيم" تحت أعين شيوخ فن التبوريدة. لتنطلق المنافسات بين فرسان يافعين شكلوا أربع مجموعات كل واحدة يترأسها "مقدم يافع" بعد أن قُدِّمت لهم مختلف الشروحات ذات الصلة بالقوانين ومفاهيم مدرسة الإنضباط وقيم الأخلاق والتسامح والجرأة. فكانت لحظات المنافسة والتباري ذات قيمة مضافة بين فرق فرسان الشباب، تحت تصفيقات وتشجيعات الجمهور الذي واكب هذه الورشة الاستثنائية التي جمعت فرسان يافعين تشبعوا بعشق تراث التبوريدة منذ نعومة أظافرهم.