رغم التحولات الكبرى التي عرفها ملف الصحراء المغربية على مستوى دعم المنتظم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، ورغم السيادة المغربية الفعلية والتاريخية على الأقاليم الجنوبية، ما يزال هذا النزاع المفتعل يُدرج ضمن اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المعنية بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو أمر لم يعد منسجما لا مع الواقع على الأرض، ولا مع منطق القانون الدولي، ولا مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
اللجنة الرابعة: إطار تجاوزه الواقع
اللجنة الرابعة هي جهاز تابع للجمعية العامة للأمم المتحدة يعنى بملفات إنهاء الاستعمار والمسائل السياسية، وتناقش سنويا قضية الصحراء المغربية بصفتها «نزاعًا متعلّقًا بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي». إلا أن هذا التصنيف يستند إلى معطيات متقادمة تعود إلى وضع ملف الصحراء ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي سنة 1963، في سياق كان المغرب فيه يطالب باسترجاع أراضيه التاريخية التي كانت تحت الاحتلال الإسباني، ولا يعكس الوضع القانوني والسياسي الحالي بعد استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية سنة 1975 بموجب اتفاق مدريد، وبدعم واسع من السكان الصحراويين الذين جدّدوا بيعتهم للعرش العلوي.
قراءة مغربية للرّأي الاستشاري لمحكمة العدل الدّولية
الرأي الاستشاري الّصادر عن محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975، غالبًا ما يُقدّم بشكل مجتزأ من قبل خصوم الوحدة الترابية للمملكة، بينما القراءة الحقيقية له تؤكد أنه لم يكرّس أبدًا وجود "شعب منفصل" في الصّحراء، بل اعترف بوجود روابط قانونية وروحية بين القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب، وهو ما يشكل أساسا للسيادة المغربية على الإقليم، ويتطابق مع الظهائر التاريخية للبيعة ومع الممارسة السّيادية المتواصلة منذ قرون.
الحكم الذاتي: الحلّ الواقعي والنّهائي
أمام الجمود الذي فرضته الجزائر ومن يدور في فلكها على المسار السّياسي، جاء المقترح المغربي للحكم الذاتي سنة 2007 كمبادرة جادة وواقعية تنسجم مع قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى حل سياسي، واقعي وعملي. وقد وصفه مجلس الأمن في أكثر من 18 قرارًا بـ «الجاد وذي المصداقية»، بل إن دولًا وازنة مثل: الولايات المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا اعتبرت المقترح المغربي هو الأساس الوحيد لأيّ حلّ سياسي للنّزاع.
مبرّرات قانونية لإخراج الملف من اللجنة الرابعة
من الزّاوية القانونية، لم تعد المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي تنطبق على الصحراء المغربية، لا من حيث السيادة ولا من حيث الإدارة. فالمغرب يمارس سيادته الكاملة، بما في ذلك التنظيم الإداري، إجراء الانتخابات، واستفادة الساكنة من مشاريع تنموية كبرى في إطار الجهوية المتقدمة.
كما أن إدراج هذا الملف ضمن اللجنة الرابعة يتناقض مع حصر مجلس الأمن اختصاصه الحصري في تتبع تطورات الملف، خاصة بعد تعيين مبعوثين شخصيين للأمين العام والتأكيد على الحل السياسي وليس الاستفتاء، الذي سقط نهائيًا من طاولة النقاش بفعل العراقيل التي فرضتها الجزائر وصنيعتها «البوليساريو».
نحو مقاربة جديدة
لقد آن الأوان للأمم المتحدة أن تتجاوب مع الواقع الجديد، وتسحب هذا الملف من أجندة اللجنة الرابعة. فاستمرار إدراجه هناك يمنح فرصة سنوية للجزائر و«البوليساريو» لتكرار نفس الادعاءات، متجاهلين قرارات مجلس الأمن وتطور المواقف الدولية.
إنّ المغرب، بدبلوماسيته الاستباقية، وشرعيته التاريخية، وواقعيته السياسية، مؤهّل اليوم لقيادة حملة دبلوماسية مدعومة بالمرجعيات القانونية الدولية لإغلاق هذا القوس المفتعل نهائيًا، والانطلاق نحو الحل السياسي الواقعي الوحيد: الحكم الذاتي تحت السّيادة المغربية.
لقد آن الأوان، بعد خمسة عقود من المناورات، لإعادة الأمور إلى نصابها: الّصحراء مغربية، وهذا واقع لا تصنعه اللّجنة الرابعة، بل التاريخ، والمشروعية القانونية، والإرادة السياسية لشعبٍ متشبّث بمغربيّته.