Sunday 29 June 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: في ظل هذه الأوقات العصيبة.. هل نحن على حافة الهاوية بسبب خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟

علي بوزردة: في ظل هذه الأوقات العصيبة.. هل نحن على حافة الهاوية بسبب خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟ علي بوزردة
— هذه ليست برانويا ولا جنون الارتياب. إنه الواقع  الذي ينهار أمام أعيننا.
«تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يؤدي إلى نهاية البشرية.» — ستيفن هوكينغ
«الخطر لم يعد نظرياً، بل أصبح فورياً ويتزايد وفق النموذج الأسّي.» — جيفري هينتون
 
إنهم ستيفن هوكينغ، جيفري هينتون، وستيوارت راسل. هؤلاء العلماء البريطانيون البارزون ظلوا منذ سنوات يُحذرون من سيناريو كان يُعتقد سابقاً أنه محض خيال علمي: انزلاق البشرية نحو هيمنة ذكاء اصطناعي خرج عن السيطرة.
كان هوكينغ من أوائل من أطلقوا ناقوس الخطر قائلاً: «تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يؤدي إلى نهاية البشرية.» أما جيفري هينتون، الملقب بـ”عرّاب التعلم العميق” Deep learning، فقد استقال من غوغل في عام 2023 ليُحذر قائلاً: «من الممكن جداً أن يفلت الذكاء الاصطناعي من سيطرتنا.»
اليوم، أصبحت مخاوفهم النظرية واقعاً مخيفاً على ساحات القتال. الذكاء الاصطناعي لم يعد تهديداً مستقبلياً بعيداً؛ إنه حاضر بالفعل، وبقوة، في الحرب الروسية الأوكرانية، وفي العدوان الإسرائيلي على غزة، ومؤخراً في الحرب بين إسرائيل وإيران.
وبحسب العديد من الخبراء العسكريين، ستُسجَّل الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي اندلعت في 13 يونيو 2025 في التاريخ كأول حرب بين دولتين تكون فيها التكنولوجيا — والذكاء الاصطناعي بشكل خاص — عنصراً محورياً في جميع مراحلها: الرصد، الاعتراض، الاستهداف، التشويش، الحرب الإلكترونية، الهجمات السيبرانية، والضربات المتزامنة.
في إسرائيل، تمكنت أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي من اعتراض أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي في الوقت الفعلي. قامت الخوارزميات، دون أي تأخير، بتحديد أي التهديدات يجب إسقاطها أولاً لمنع إغراق منظومة القبة الحديدية ونظيراتها.
وعلى الجانب الإيراني، قامت أسراب من الطائرات المسيرة شبه المستقلة بقطع مسافة 1600 كيلومتر للبحث عن أهداف دون تدخل بشري مباشر، مستخدمة الذكاء الاصطناعي لضبط مسارها وتفادي الدفاعات.
أما العمليات السيبرانية، المدعومة بدورها بالذكاء الاصطناعي، فقد عطلت، لساعات عدة، أنظمة دفاع جوي حيوية، عبر استغلال ثغرات بسرعة تفوق قدرة البشر على التصدي لها.
كذلك كشفت حرب الإبادة الجماعية على غزة عن الاستخدام المكثف لأدوات الذكاء الاصطناعي، لاسيما النظام الإسرائيلي المعروف بـ”الإنجيل” (The Gospel)، الذي يُحدد الأهداف البشرية خلال ثوانٍ بناءً على تحليل ضخم للبيانات Mega Data دون أي رقابة قضائية.
والنتيجة: منطق صناعي للموت، حيث تقرر الخوارزميات من يعيش ومن يموت.
فهل ما زلنا سادة مصيرنا؟
السؤال لم يعد: «هل يمكن أن نُفوّض قرارات الحياة والموت إلى الخوارزميات؟» بل أصبح: «كيف نوقف هذه الآلة الجهنمية التي خرجت عن السيطرة؟»
إذا كان الذكاء الاصطناعي اليوم يتحكم في الطائرات المسيرة والرادارات وأنظمة التشويش، فكم من الوقت يفصلنا عن اليوم الذي قد يتحكم فيه أيضاً في إطلاق حرب نووية بسبب خطأ في التفسير أو خلل برمجي؟
وماذا عن الغد؟ في المدن الكبرى الغارقة في الجريمة، من سيمنع ذكاءً اصطناعياً أمنياً من أن يقرر بمفرده تصفية “مشتبه به” قبل أن يتمكن الشرطي من وضع يده على سلاحه؟
إذا لم تضع البشرية حدوداً واضحة، فقد يأتي يوم يقرر فيه الذكاء الاصطناعي، بشكل مستقل تماماً، إسقاط فرد تم تصنيفه على أنه “خطر” بناءً على نمط إحصائي، دون أي تحقق بشري.
وماذا لو فسّر ذكاء اصطناعي عسكري عملية محاكاة أو تشويشاً على أنه هجوم حقيقي؟ من يضمن عندها ألا تُشعل حرب شاملة… عن طريق الخطأ؟
سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، يُلخص الوضع بسخرية قائلاً: «هذه التقنية قد تؤدي على الأرجح إلى نهاية العالم… لكن في هذه الأثناء، علينا أن نستفيد منها.»
هل يمكننا قبول أن يُترك مستقبل الذكاء البشري — بل والحياة ذاتها — بين أيدي حفنة من رواد الأعمال في وادي السيليكون Slicon Valley بدعم من عمالقة التكنولوجيا ودول « عمياء »في سعيها وراء القوة؟
*
العالم يسير مفتوح العينين نحو هاوية خوارزمية. *
تحذيرات هوكينغ وهينتون وراسل لم تعد فرضيات علمية؛ بل أصبحت تقارير طقس عن عاصفة كوكبية وشيكة.
لا يزال هناك وقت للتحرك. لكن، إلى متى؟
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة. إنه يتحول إلى سلطة. سلطة، إذا خرجت عن سيطرة المجتمعات البشرية، فلن تُميز بين صديق وعدو، بين مدني وعسكري، بين خطأ حسابي وحكم نهائي.
من دون حوكمة عالمية، ومن دون ضوابط أخلاقية، ومن دون آليات أمان تقنية، تسير البشرية نحو الهاوية. الخيار واضح: إما أن نُسيطر على الذكاء الاصطناعي، أو أن يُسيطر هو علينا — حتى محونا النهائي.

ملحوظة  :
في فبراير 2025، وخلال مهرجان هاكاثون بلندن نظمته شركتا ElevenLabs وAndreessen Horowitz، طور مهندسون بروتوكولاً صوتياً يسمى “Gibberlink”، يتيح لذكاءين اصطناعيين التعرف على أنهما يتواصلان مع بعضهما البعض، والانتقال من الحوار بالإنجليزية إلى لغة من الأصوات غير المفهومة شبيهة بـ “بيب بيب بوب”، لا يستطيع البشر فهمها. 
هذا الابتكار أثار منذ ذلك الحين مخاوف كبيرة بشأن قدرة الإنسان على السيطرة على اتصالات الذكاء الاصطناعي "السرية" وتتبعها…
عن: (Arricle19.ma)