Saturday 28 June 2025
منبر أنفاس

سعيد عاتيق: وداعًا... صديقي الشيطان

سعيد عاتيق: وداعًا... صديقي الشيطان سعيد عاتيق
غير آبهٍ بموجة الحرّ ولا بأعراضها، تأبّطت كتاب "العبودية المختارة" لإتيان دو لا بويسي، وطويت مسافة قصيرة في الظاهر، طويلة تحت لهيب القيظ.
انزويت تحت شجرة رمان،ملأت معدتي بماءٍ بارد، وسكبت بضع قطرات على رأسي الأصلع... ثم أسلمت نفسي للخلاء.
النوم الذي طالما خاصمته ليلًا زارني نهارًا بشوقٍ مشفق على حالي ،
واحتضنني في سبع نومات كاملة في عزّ القيظ.

وفجأة، وسط الصمت التام تكسّر الهدوء بصوت مألوف لكن غيابه طال :
أهلاً السي سعيد، كيف الحال؟

فتحت عيني فإذا بصديق قديم. فرقت بيننا الأيام وغابت أخباره
ذهلت من هول الفرحة،
نهضت أهرول إليه أحتضنه بلوعة:
– أهلاً صديقي الشيطان...
فين غبرتي آ صاحبي؟
جلسنا،
أخذ من جيبه سبسي ومطوي ومن طاقيته استلّ جلدة بها "مكيافة".
بدأ في الطقوس وبدأت أنا أرتشف من قنينة مائية ليست مائية – وإن بدت كذلك –
ودار النقاش،ودارت الرؤوس،ودارت عقارب الساعة،حتى هبّ نسيم بارد هكذا أحسست ...
ولما همّ بالمغادرة، سألته:
– صديقي الشيطان، افترقنا طويلاً ولم تخبرني :
فلماذا غبت؟
وما سبب هذا الجفاء؟
أمسكني من يدي ثانية وأخذنا وضعية القرفصاء ثم قال بهدوء نادر وحزين :
– صديقي سعيد...
كنت ملك العالم ،
كنت سيّده.
كنت آمرًا ناهيًا في كل ركن.
أغضبتُ الله ذاته وتمردت عليه وجهاً لوجه...
لكن هنا،
في وطنكم في أحيائكم في شغلكم في بيوتكم وكل حاراتكم في إداراتكم ومؤسساتكم
لم يتبقَّ لي دور.
أنتم ورثتم مهامي...
تفننتم في الشر أتقنتم علوم الحيلة وفلسفة المكر
نافستموني في الظلم والخداع.
ضرب الكساد كل أسواقي،
تدنّت عملتي،
أُغلقت أبوابي،
وأصبحت عاطلًا عن العمل ...
لقد غلبتموني...
طردتموني...
فلم يعد لي بينكم مقام.

وداعًا، صديقي سعيد .