Saturday 28 June 2025
جالية

عزيز باكوش: قبل أن تعبئ استمارة الهجرة إلى كندا.. فكر ألف مرة!

عزيز باكوش: قبل أن تعبئ استمارة الهجرة إلى كندا.. فكر ألف مرة! عزيز باكوش
لم تعد الهجرة إلى كندا ذلك الحلم الوردي الذي طالما راود الشباب وأسرهم في العالم العربي والمغاربي. الواقع اليوم أكثر قسوة، والمشهد أكثر ضبابية. فالأرقام، والتقارير الرسمية، وشهادات العائدين، كلها ترسم صورة مغايرة تمامًا لما تروجه بعض الإعلانات ومكاتب الهجرة.
 
على الراغبين في الهجرة إلى كندا اليوم أن يفكروا مليًا، بل ألف مرة، قبل أن يقدموا على هذه الخطوة. قبل أن يعبئوا المطبوعات، ويثقلوا كاهل أسرهم بالديون، ويبيعوا ما يملكون أملاً في مستقبل قد لا يكون أكثر من سراب.
 
فالمعطيات الحالية تؤكد أن كندا تعيش أزمة معيشية خانقة: ارتفاع غير مسبوق في تكاليف السكن، تضخم مستمر، فرص عمل محدودة، وخدمات اجتماعية متردية... كل هذا جعل مشروع الهجرة يبدو ضيق الأفق أكثر من أي وقت مضى.
 
الأحلام الكبيرة تحتاج اليوم إلى حسابات واقعية دقيقة... والتسرع في اتخاذ قرار الهجرة قد ينتهي بخيبة أكبر من أن يتحملها الحالمون. . هنا المقاربة والسياقات .  تشهد كندا هذه الأيام واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية والديمغرافية في تاريخها الحديث، وهي الهجرة العكسية، أي نزوح آلاف الكنديين والمهاجرين السابقين من البلاد، سواء في إطار التنقل الداخلي بين المقاطعات أو الهجرة الخارجية إلى دول أخرى بحثا عن ظروف معيشية أفضل. فكيف لكندا الشاسعة الأرجاء وكيف أمسى  نموذجها التنموي المتقدم عالميا  اجتماعيا واقتصاديا  في الحياة  أن ينزلق إلى هكذا هشاشة؟  وما أسباب  تحول  حلم الهجرة  من العالم إلى كندا   إلى كابوس المغادرة  أو الهجرة العكسية  التي تتصدر المشهد.
 
ويشكل هذا التطور المثير للجدل في النموذج التنموي لدولة  كندا ناقوس خطر  يفرض على الشباب والطلبة المغاربة الراغبين في متابعة دراستهم بكندا  التفكير ألف مرة قبل تعبئة مطبوع الهجرة وإرهاق مالية الأسرة وإثقالها بالديون  في مشروع هجرة ضيق الأفق على الأقل في المديين الراهن والمنظور .
 
رغم أن كندا تحتل مساحة تعادل تقريبا مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن عدد سكانها بالكاد يلامس 40 مليون نسمة، مقابل أكثر من 300 مليون نسمة لدى الجارة الجنوبية USA. هذا التفاوت الديمغرافي يزيد من حساسية أي حركة نزوح جماعي داخلية أو خارجية.كما يطرح أكثر من سؤال حول نجاعة التدابير الحكومية  إزاء التحولات العولمية وتأثيرها المباشر على السياسة الاقتصادية والتنمية للمجتمعات الأكثر تقدما  حيث كندا في الطليعة .
 
وفقا لأحدث تقارير هيئة الإحصاء الكندية، فقد سجلت مقاطعة أونتاريو، القلب الاقتصادي للبلاد أكبر خسارة صافية في الهجرة الداخلية خلال عام 2024، حيث غادرها أكثر من 50 ألف شخص خلال عام واحد فقط، أي ما يمثل نحو 48% من إجمالي حركة الهجرة الداخلية. وجاءت بريتيش كولومبيا في المرتبة الثانية، بينما استفادت مقاطعة ألبرتا بشكل واضح من هذه التحركات، محققة زيادة صافية في عدد السكان. أما مقاطعة كيبيك، فقد أظهرت استقرارا نسبيا، حيث احتفظت بمعظم سكانها سواء من حيث الهجرة الداخلية أو الخارجية. وتخلص البيانات لتضع أونتاريو في الصدارة.. وتجعل من ألبرتا المستفيد الأكبر.  
 
أزمة ثلاثية تعيشها كندا 2025  حيث نجد أسباب الهجرة العكسية متعددة.  لكن ثلاثية الضغوط الاقتصادية تبقى الأكثر تأثيرا  وهي الإسكان التضخم وتكاليف المعيشة . وبرأي المراقبين فإن أزمة الإسكان المتفاقمة المتمثلة في ارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات وأسعار شراء المنازل، خاصة في تورونتو وفانكوفر، حيث تستهلك تكاليف السكن ما يقرب من 60 إلى 90% من دخل الأسرة.تعد واحدة من أخطر التحديات التي تواجهها كندا فضلا عن التضخم غير المسبوق المتمثل في  ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل مستمر وسط ضعف الرواتب وتآكل القدرة الشرائية . على صعيد آخر . قد لا تتأخر الضربة القاضية الآتية من صعوبة تأمين مستوى معيشي لائق . فالكثير من المواطنين   باتوا عاجزين عن توفير أساسيات الحياة مثل الغذاء، النقل، التعليم، والرعاية الصحية.
 
وهذه شهادات من قلب المعاناة استقيناها من مواقع التواصل الاجتماعي :
يقول أحد المواطنين الكنديين بنبرة ساخرة:
"لو كان معي ثمن تذكرة طائرة، لما قضيت ليلة إضافية في كندا!"
فيما يضيف آخر: إيجار البيت هنا يعادل راتب شخص يعمل بدوام كامل... والحياة أصبحت لا تطاق." ولا يختلف رأي المهاجرين الجدد كثيرا، إذ يقول طالب جامعي من أصول شرق أوسطية كان يدرس في جامعة تورونتو"حتى منحة 30 ألف دولار سنويا لم تكن تكفي لتغطية تكاليف المعيشة والدراسة. لذلك قررت المغادرة فورا."
 
المفارقة هنا  أن  تتحول  كندا من "أرض الأحلام" إلى مجرد أحلام منكسرة" كثيرين ممن غادروا كندا مؤخرا هم من أصحاب الكفاءات العالية منهم  مهندسون، أطباء، أكاديميون، وذوو خبرات مهنية متقدمة. بعضهم توجه إلى الخليج العربي، وآخرون إلى أوروبا أو حتى الولايات المتحدة. والدافع الأساسي وراء ذلك  البحث عن  فرص عمل أفضل، ضرائب أقل، وتكاليف معيشة أكثر اعتدالا.
 
يقول مهاجر لبناني:
"جئت بكفاءتي إلى كندا طمعًا في مستقبل أفضل، لكن الضرائب تصل إلى 40% من دخلي، وأسعار السكن خيالية... حصلت على الجنسية وسأغادر إلى الخليج قريبًا."
"تحد آخر تشهده كندا  ويطرح جدل الهوية والتنوع الديمغرافي  ويتمثل في  استقدام أعداد ضخمة الهنود  حتى أصبحت بعض المقاطعات أشبه بولاية هندية"  حالة  أثارت الكثير من الجدل، وهي التغيير الديمغرافي السريع. حيث يلاحظ البعض أن الجالية الهندية باتت تهيمن على قطاعات عدة في سوق العمل والمجتمع، ما دفع البعض للتندر بالقول: كندا أصبحت ولاية هندية... تجدهم في كل مكان." ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن جزءا كبيرا من هذه التعليقات ينطوي على تحاملات ثقافية وعنصرية غير مبررة، خاصة أن كندا طالما كانت مجتمعا متعدد الثقافات.
 
بالإضافة إلى كل ماسبق تبرز أسباب أخرى للهجرة العكسية منها : طول فترات الانتظار في النظام الصحي.ضعف فرص الترقية المهنية وعدم الاعتراف بشهادات القادمين الجدد.ارتفاع الضرائب بشكل غير متوازن.المناخ القاسي والشتاء الطويل.الشعور بالحنين إلى الوطن والرغبة في العودة إلى الجذور.
 
الهجرة العكسية من كندا باتت ظاهرة رقمية واجتماعية واقتصادية تستحق وقفة تأمل حقيقية من صناع القرار، سواء في الداخل الكندي أو لدى الدول المصدرة للمهاجرين.
 
فما كان يوصف يوما بـ"الحلم الكندي" أصبح اليوم – بالنسبة للكثيرين – واقعا رماديا قاسيا، يدفع حتى المواطنين الأصليين إلى التفكير في الهروب من غلاء المعيشة وضيق الأفق. يبقى السؤال مفتوحا: هل ستعيد كندا النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية قبل أن تفقد المزيد من مواطنيها وكفاءاتها؟