تنشغل الطبقة السياسية والحقوقية بفرنسا حاليا بملف مؤرق يتمثل في وجوب امتثال فرنسا للتوجيهات الأوروبية الخاصة بتوفير 11 متر مربع لكل سجين بزنزانة فردية. هذا الملف طرح في البرلمان الفرنسي وفجر أزمة بين الفاعلين السياسيين بشكل أدى بوزارة العدل إلى سحب المشروع يوم 28 أكتوبر 2014، وكلف الوزير الأول مانويل فالس النائب الاشتراكي دومنيك رايمبورغ يوم 10 نونبر 2014 بإنجاز تقرير محددا له أجلا لا ينبغي أن يتجاوز 30 نونبر الحالي لتعديل الصيغة وعرضها من جديد على أنظار البرلمانيين للبت في الموضوع قبل 2015.
إصرار الحكومة الفرنسية على تمرير هذا القانون قبل نهاية السنة الحالية أملته التخوفات من تسونامي الدعاوي المحتملة ضد الحكومة من طرف السجناء والمنظمات الحقوقية الفرنسية بتهمة عدم احترام كرامة السجين وعدم تقيد باريز بالضوابط الأوروبية، وهي الدعاوي الممكن أن تكبد الخزينة الفرنسية ما يقرب من 20 مليون أورو سنويا كتكاليف تعويض السجناء المتضررين من التكدس والازدحام في زنازن فردية تقل عن 11 متر مربع للسجين!
استحضرت هذا النقاش بفرنسا في سياق مؤامرة الصمت بالمغرب والتواطؤ الواضح بين الطبقة السياسية والمالية والحكومية والبرلمانية ليس لـ«إسعاد» السجناء بفسحة إضافية من الأمتار المربعة (فهذا من باب الخيال العلمي ببلادنا)، بل لإجبار شركات الإنعاش العقاري (الخاصة والعامة) على عدم بيع شقق أفظع من الزنازن العقارية.
فالدولة لحد الآن ترفض أن تصدر تعريفا لمفهوم السكن الاجتماعي: أي هل هو ذاك السكن المرتبط بالثمن أم ذاك المرتبط بالمساحة أم ذاك الذي يعني بناء مشاريع تلغي حق المغربي في الأشجار والحدائق والساحة العمومية والساحة العمومية والملعب والحمام والسوق والثانوية والمسبح أو ذاك الذي يبني في قاع الشمس دون مواصلات؟
فشقق السكن الاجتماعي كما ترخص بذلك كنانيش وزارة نبيل بنعبد الله ووكالات العنصر وحصاد وتنفذها بعض الشركات العقارية الكبرى تتراوح مساحتها في الأغلب الأعم بين 45 و55 متر مربع للشقة. أي أن شقة 45 متر مربع مثلا تؤوي أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال تسمح فقط بـ 9 أمتار مربعة للفرد، بمعنى أقل من ما هو مخصص للسجين في أوروبا (11 متر مربعا)، علما أن السجين ارتكب جرما وأقر بذنبه وتسبب في ضرر للفرد والمجتمع ومع ذلك توفر له أوروبا 11 مترا مربعا، لأن الخبراء أثبتوا أن «الطوبة» و«سراق الزيت» و«الفئران» هي التي يمكن أن تعيش في مساحة أقل من ذلك. بينما المغربي الذي يشتري شقة «السكن الاجتماعي» بعد أن «يحلبه» البنك ويدفع دم «جوفه» كتسبيق لبعض المنعشين العقاريين، هو مواطن صالح ينتج الثروة وينمي اقتصاد بلاده عبر العمل الذي يقوم به سواء في القطاع الخاص أو العام أو بامتهان مهنة حرة، ومع ذلك تتآمر الدولة (في شخص الحكومة والبرلمان والجماعات والوكالات والعمالات) وبعض شركات الإنعاش العقاري العامة والخاصة على إنتاج شقق هي أقرب منها إلى زنازن القرون الوسطى من سكن لائق وآدمي.
إن المغرب بقدر ما نجح في تجاوز سنوات الرصاص بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة، في حاجة ماسة اليوم إلى إحداث هيأة للمصالحة والإنصاف العمراني لتحقيق المصالحة مع المتضررين الذين تم استبلادهم بالشعارات والإشهارات حتى اقتنوا الشقق في مشاريع السكن الاجتماعي. وذلك عبر تمزيق كناش التحملات الحالي الخاص بمواصفات الشقة في السكن الاجتماعي الذي يعتبر بمثابة «تذكرة نحو الجحيم»، والحرص على إعداد كناش جديد يحدد الحد الأدنى لمساحة الشقة في أكثر من ذلك، أوعلى الأقل ربط المساحة بعدد أفراد الأسرة الواحدة. ثم الحرص ثانيا على استرجاع فائض الأرباح الخيالية التي حققها بعض المنعشين على حساب سكان هذه المشاريع السكنية لإعادة استثمارها في إنجاز المرافق الضرورية وترميم الأعطاب الحضرية التي ظهرت بهذه المجمعات السكنية.
وإذا لم تقم الدولة بهذه الإجراءات الاستعجالية، فلتمسك غدا أو بعد عن إخبارنا بتفكيك شبكات الإجرام والمجرمين وخلايا الإرهاب والإرهابيين بهذه التجمعات الإسمنتية الخالية من كل مسحة إنسانية أو بصمة آدمية. فلا فرق بين كاريان طوما والسكويلة وكاريانات السكن الاجتماعي الاسمنتية الحالية!!