Thursday 15 May 2025
منوعات

حسن الرحيبي يسترجع زمان "الشّرَيْحَة"

حسن الرحيبي يسترجع زمان "الشّرَيْحَة"
القول المأثور: "دُودُو مَنْ عُودُو . عَا غمّض عَينيك واسرط ! عَا ملوَج وصَايفط"
كان يخزّنها قدماء الكنعانيين في الجِرَار...أي فلسطين الحَالية. وتعود هذه الجرّة لأكثر من 3000 سنة.
في حين كان أهل دكّالة يخزّنونها في أكياس الشّمرتل، قبل ذلك تُفرش لها حصَائر، وتوضَع فوق سقف البيوت، أو فوق نوَادر الْهَايْشَرْ العالية، حيث تُعرض لأشعة شمس الصّيف القائظة حتى تجفّ، مع خلطها أو رشّها بالملح لحفظها من التعفن ونخر الديدان. وخلال بداية الخَريف توضع في نْوَالَةْ خاصّة، بعيداً عن أعين الفضُوليين. 
يشتد الجوع والخصَاص مع بداية أولى أمطار الشتاء ، فنعمد لثقب الخنشة من الخلف ونستمر في نهب محتواها بسرية تامة دون أن  يبوح أحد بكلمة السّر ، إذ أن الواجهة تبقى عادية وكأن "الفراقشية" لم يمرّوا من هناك، حتى تنهار الخنشة بعد فقدها لكمية كبيرة من جزئها الخلفي... وتخر ساقطة. ثم ننتقل للخنشة الأخرى ، وهكذا دواليك حتى نأتي على أكثر من 6 خناشي... لكن يكون البوريح الجديد قد بدأ ينضج في بداية شهر يونيو.
ظل الحال هكذا خلال فترة الخمسينات والستينات إلى أن تغيرت الأحوَال والأذواق ، وتدهورت أشجار كروم التّين ، ثم حلّ الجَفاف ومات أغلب فلاحين مجتهدين وواعين بدواير الزمان وتقلباته ، ليحل عهد الذبّانَة الهَندية - الحشرة القرمزية - ،ك التي أتت على الأخضَر واليابس، وتلحق الضّرݣ وكرموصه اللّذيذ، بمصير الشريحة الكحّولية، حين كنا نلتهمها في الظّلام بسرية تامة دون الإهتمام بالدّيدَان التي تنخر باطنها لأننا جميعاً صَدّقنا وآمنّا بمبدأ :
"دُودُو من عُودُو. عَا غمّض عينيك وكول"
وأيضاً عندما تطفح برَك البَراري والضّايات المُترامية في الخلاء الشّاسع ، نعبّ منها أو نُطسّن وقد تمددنا بالأوحال كما تفعل الأنعام لأننا صَدّقنا مرّةً أخرى مَقولة امّي حليمة : صَفحَة  مَا (ء) كتصَفّيها المَلائكة.
عُذراً لإخواننا الفلسطينيين الشّجعان  !