Wednesday 2 July 2025
فن وثقافة

"بيت الشعر" في المغرب.. فضاء حي للقصيدة منذ 30 عاماً

"بيت الشعر" في المغرب.. فضاء حي للقصيدة منذ 30 عاماً حضور إحدى فعاليات بيت الشعر في المغرب
في زمن يتراجع فيه الحضور الشعري داخل المشهد الثقافي، يظل "بيت الشعر" في المغرب فضاءً حياً يحتفي بالقصيدة، بوصفها شكلاً من أشكال العيش والمعنى.
 
 منذ تأسيسه عام 1996، استطاع هذا البيت أن يوازن بين التعمّق في تحوّلات الشعر المغربي، وانخراطه في حوارات شعرية عالمية، جامعاً بين التقاليد الشعرية وضرورات الانفتاح على أسئلة العصر.
 
اعتراف دولي من فيرونا
في يونيو 2025، أعلنت "الأكاديمية الدولية للشعر" في فيرونا، فوز بيت الشعر في المغرب بجائزتها لعام 2026، "تقديراً للدور البارز الذي قام به بيت الشعر منذ تأسيسه، وخصوصاً مبادرته في التوجّه إلى المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، لإقرار يوم عالمي للشعر، وانخراطه المتواصل في تعزيز مكانة الشعر".
سيجري تسليم الجائزة في 21 مارس 2026، في حفل ستقيمه مدينة فيرونا، بحضور مؤسسات ثقافية أوروبية بارزة. وهو تتويج للحقل الشعري المغربي، الذي أثبت جدارته على مدى العقود الثلاثة الماضية.
 
من فكرة جماعية إلى مؤسسة ثقافية
لم يكن بيت الشعر في المغرب مجرد جمعية مهنية للشعراء، بل رؤية ثقافية تروم بناء فضاء مستقلّ للشعر داخل المجتمع، لا ينغلق على النخبة، بل "ينفتح على باقي الفنون والمعارف الأخرى"، ويحتفي بكل من "يجعل من الشعر أفقاً للتفكير والإبداع"، من نقّاد ومترجمين وموسيقيين وتشكيليين.
 
تعود فكرة إنشاء هذا البيت إلى العام 1996، حيث التقى شعراء مغاربة في الدار البيضاء،  لإطلاق بيان التأسيس وجاء فيه: "بيت الشعر في المغرب، هو استجابة لما يتطلّبه الشعر المغربي من مباشرة اللقاء حول الشعر والشعراء: إحياء أمسيات شعرية للشعراء المغاربة، قراءة الدواوين والتجارب، محترفات القراءة والترجمة والنشر، تواصل مع شعر وشعراء المغرب العربي، استضافة الشعراء العرب والعالميين.
 
 قصيدة مغربية تتكلم اللغات
لم يقتصر بيت الشعر على تثبيت الحضور المحلي، بل جعل من رسالته بوابة للعبور إلى العالم. ومن أبرز إنجازاته في هذا السياق، توجيه نداء سنة 1998 إلى منظمة اليونسكو من أجل تخصيص يوم عالمي للشعر، إذ استجابت المنظمة في 15 نوفمبر 1999، بإعلان 21 مارس يوماً عالمياً للشعر، في مبادرة ستبقى مرتبطة بالذاكرة الرمزية لهذه المؤسسة المغربية.
بيت الشعر، هو عضو مؤسس للموقع العالمي للشعر على الإنترنت في مدينة روتردام الهولندية، وهو عضو منتدى الجوائز العربية ومقرّه في العاصمة السعودية، كما يرتبط باتفاقيات شراكة وتعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية والتربوية، بهدف تعزيز حضور الشعر في الفضاءات المشتركة وفي الإعلام وغيره.
 
البرامج والمبادرات
يحرص بيت الشعر في المغرب على توزيع برامجه الشعرية والثقافية عبر مختلف جهات المغرب، "تعميماً للفعل الإبداعي، ووعياً منه بأحقيّة الجميع في الاستفادة من الخيرات الرمزية للثقافة والفنون".
من بين هذه البرامج نذكر: السبت الشعري، أمسية الشاعر المغربي، أمسية الناقد المغربي، احتفاليات اليوم العالمي للشعر، الدورة الأكاديمية العلمية، المهرجان العالمي للشعر، مهرجان الشعر الأفريقي، آفاق شعرية، ضيوف البيت، أصدقاء البيت، في الغرفة المضيئة. 
تتميّز هذه الفعاليات بتكاملها بين الشعري والنقدي والفني، ما يجعل منها مساحة ثقافية يتداخل فيها الإبداع مع التفكير، ويتجاور فيها الصوت الشعري مع الأسئلة الجمالية والمعرفية.
 
جسور نحو الآخر
شكّلت المهرجانات محطة أساسية في مسار البيت، إذ نظّم "المهرجان العالمي للشعر" منذ 1998، الذي استقطب أسماء بارزة من مختلف القارات. توقّف هذا المهرجان لسنوات بسبب صعوبات التمويل، قبل أن يعود إلى الواجهة في دورته السابعة في مراكش، أبريل 2024، ليؤكّد حضوره في "ترتيب حوار ثقافي بين شعراء العالم فوق تراب المغرب".
كما نظّم البيت "مهرجان الشعر العربي سنة 2003، بمناسبة اختيار مدينة الرباط عاصمة للعالم العربي"، ثم "مهرجان الشعر الإفريقي سنة 2023"، تكريساً لأفق شعري لا يحدّه انتماء قومي أو لغوي.
 
30 سنة على التأسيس
يحتفي بيت الشعر هذه السنة بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسه، وقال رئيسه مراد القادري لـ"الشرق": "إن البيت يحتفي في لحظة يستعيد فيها، كما الدور الذي قامت به هذه المؤسسة، ليس فقط لجهة تعزيز موقع القصيدة، بل في إعادة الاعتبار للكلمة، في زمن تجرّه آليات الاستهلاك نحو التفاهة".
وأكد أن مبادرات بيت الشعر، "تمثّل نقطة ضوء قادمة من المستقبل، ومكاناً لمقاومة القبح، والدفاع عن الجمال والكرامة الإنسانية"، لافتاً إلى أن بيت الشعر، "يدرك جسامة مسؤوليته في ترسيخ الحاجة إلى الشعر، لا عبر الذيوع الإعلامي، بل بما يؤمّن للشعر نَسَبَهُ إلى الشعر".
القادري هو خامس رئيس يتولى إدارة البيت، بعد مسار حافل جعله أحد أبرز الوجوه الثقافية في المغرب. عام 2022 تمّ تجديد الثقة به لدورة ثانية حتى 2026. 
 
الإصدارات والمجلة
بلغت منشورات بيت الشعر أكثر من 200 عنوان، لتجعل منه "الجهة الأولى في نشر الشعر داخل  المغرب"، بعد أن فضلت فيه غالبية دور النشر المغربية خذلان الشعر وأصحابه".
شملت هذه الإصدارات دواوين فردية، وأعمالاً كاملة، ودراسات نقدية، فضلاً عن مختارات وترجمات لأسماء مثل عبد الكريم الطبال، محمد بنطلحة، وفاء العمراني، أحمد بلحاج آيت وارهام، إيمان الخطابي وغيرهم، إضافة إلى أسماء نقدية مثل خالد بلقاسم، بنعيسى بوحمالة، ومحمد العربي غجو.
 
 مجلة البيت
تُعد مجلة "البيت" من أبرز المنابر المختصّة بالشعر ضمن الفضاء الثقافي المغربي والعربي، وهي استطاعت منذ صدورها عام 2000، أن ترسّخ حضورها بوصفها مشروعاً معرفياً وجمالياً، يتجاوز التغطية الظرفية نحو بناء أرشيف شعري ونقدي متكامل.
 تستند المجلة إلى رؤية تعلي من قيمة التفاعل بين النص الشعر، وهي تخصّص أعداد كاملة لشعراء بعينهم أو لشعريات وطنية، مثل الشعر الإسباني أو السعودي.
 أسهمت المجلة في إنتاج معرفة مركّبة حول التجربة الشعرية المعاصرة. كما مثّلت الترجمة عنصراً مركزياً في عملها، بما يفتح القصيدة المغربية على آفاق لغوية وجمالية جديدة. 
ويرى العديد من النقّاد أن "البيت" لا تُراكم المادة الشعرية فقط، بل تُعيد إنتاجها عبر القراءة والتحليل والتأطير النظري. إنها بهذا المعنى، ليست مجلة وثائقية، بل مختبر نقدي يواكب تحوّلات الشعر ويؤسس لجسور تفاعل بين الممارسة الشعرية والاشتغال الفكري حولها.
 يتولى إدارة المجلة، الشاعر والروائي حسن نجمي، بينما يرأس تحريرها الناقد والأكاديمي خالد بلقاسم، ما يمنحها توازناً بين البعدين الإبداعي والنقدي.
 
تفكير في جوهر الشعر وتحوّلاته
انطلاقاً من قناعة راسخة بأن "القصيدة لا تقيم خارج المعرفة"، أطلق بيت الشعر "الدورة الأكاديمية"، بوصفها لحظة للتأمل النقدي والتفكير النظري في قضايا الشعر المغربي والعالمي.
من بين الموضوعات التي تناولتها هذه الدورات: الأوتوبيوغرافي في الشعر المغربي، الشعر والتاريخ، الشعر والسينما، الشعر في الكتاب المدرسي، كيليطو والشعر.
شكّلت هذه الدورات "مكاناً لاختبار تحليلات وفرضيات جديدة، من شأنها أن تكسب الشعر المغربي المزيد من الآليات ليفهم مغامرته التي ارتضاها ليبني جماليته وفرادته".
 
جائزة الأركانة العالمية
أطلق بيت الشعر سنة 2002 "جائزة الأركانة العالمية"، وسمّاها باسم شجرة مغربية أصيلة، لأنها "شجرة فريدة، لا تنبت إلا في المغرب، وتحديداً في منطقة محصورة  في جنوبه".
تهدف الجائزة إلى "الاحتفاء بالمُنجز الشعري الأكثر إضاءة في المشهد العربي والعالمي"، وتم منحها إلى أسماء لامعة، ومنها محمود درويش (فلسطين)، سعدي يوسف (العراق)، محمد الأشعري (المغرب)، إيف بونفوا (فرنسا)، فولكر براون (ألمانيا)، وديع سعادة (لبنان)، جوزيبي كونتي (إيطاليا).
تُمنح الجائزة من خلال لجنة تحكيم مستقلة، وتبلغ قيمتها 12 ألف دولار، ودرع مصنوع من النحاس المغربي، ومبلغ مالي". تتكوّن هيئة تحكيم جائزة الأركانة من 9 أعضاء كحد أقصى، تعيّن سنوياً لدورة واحدة، وتضم شخصيات شعرية وثقافية معروفة بالكفاءة والنزاهة. 
 
 بيوت الشعر العربية والعالمية
تُعد بيوت الشعر منارات ثقافية تحتضن القصيدة وتعيد دمجها في الحياة العامة. برز في الوطن العربي  بيت الشعر في الشارقة، كمبادرة استراتيجية منذ 2015، توسّعت لتشمل فروعاً في تونس والسودان ومصر وموريتانيا، ودعمت أكثر من 1400 شاعر عربي. 
أما بيت الشعر في القيروان، فكرّس حضوره كمركز ثقافي نشط، حيث نظّم مهرجانه التاسع سنة 2025، مؤكداً استمرار دوره التنويري. كما يواصل بيت الشعر في العراق نشاطه الثقافي، من خلال تنظيم أمسيات ومهرجانات مثل "شاعر شباب العراق"، وفعاليات اليوم العالمي للشعر. يشرف عليه عدد من الأكاديميين والمبدعين، في إطار سعيه لتعزيز حضور القصيدة في الفضاء العراقي العام.
 على المستوى الدولي، يواصل "Silva Poetry House" في كولومبيا أنشطته كمتحف ومركز أدبي منذ 1986، بينما يشكّل "The Frost Place" بالولايات المتحدة، نموذجاً لإحياء إرث الشاعر روبرت فروست، من خلال الإقامات الشعرية والبرامج التعليمية.
في المقابل، واجه مشروع بيت رامبو وفيرلين في لندن، تعثّراً بعد بيع المنزل، لكنه ما زال قائماً كمؤسسة ثقافية. تبرز هذه النماذج كيف تتنوّع بيوت الشعر بين المساحة الرمزية، والممارسة الثقافية الفعلية، والتجذّر في المكان.
 
عن/ الشرق