السبت 19 إبريل 2025
كتاب الرأي

محمد عبد الله بكار: قطار التنمية ماض.. والوحدة خيار لا رجعة فيه

محمد عبد الله بكار: قطار التنمية ماض.. والوحدة خيار لا رجعة فيه محمد عبد الله بكار
خمسة عقود تمر هذا العام على إدراج قضية الصحراء المغربية ضمن جدول أعمال الأمم المتحدة، وهي مناسبة لإعادة التأكيد على التمسك بعدالة قضية وحدتنا الترابية و شرعية مواقفنا، و على أن المستقبل في الصحراء قد بدأ فعلا، لا ينتظر توافقات سياسية بقدر ما ينتظر تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته.
 
الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا أمام مجلس مجلس الأمن الدولي، أكد فيها أن " الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لاختيار إمكانية تحقيق تهدئة إقليمية ". غير أن ما يجب أن يدركه المبعوث الأممي ومن خلفه المجتمع الدولي، هو أن أبناء الصحراء المغربية من أمثالي، ممن ترعرعوا في كنف الوحدة، قد حسموا بالفعل أمرهم منذ أمد بعيد: لا مكان للمساومة في قضايا السيادة، ولا مجال للتراجع عن خيار الوحدة.
 
كاتب هذا المقال، من مواليد مدينة الداخلة، ومنحدر من قبيلة أولاد دليم، القبيلة التي كما غيرها من قبائل الصحراء المغربية بصمت بدماء شهدائها في معارك الكرامة والاستقلال، وأسهمت في استرجاع إقليم وادي الذهب وتجديد بيعة الإخلاص والوفاء للعرش العلوي المجيد، أنتمي إلى الجيل الذي نما في حضن الوطن، وتكون في مدارسه وجامعاته، وتدرج في مؤسساته، وراكم تجربة أكاديمية ومهنية وانتدابية داخل مؤسسات الدولة و بالمجالس المنتخبة بمختلف مستوياتها. نحن الجيل الذي يؤمن بالوطن، لا كخيار، بل كحقيقة عشناها ولا زلنا نعيشها.
 
لقد آمنا بمبادرة منح حكم ذاتي بالأقاليم الجنوبية التي تقدم بها المغرب كحل وحيد من أجل إنهاء النزاع المفتعل، من منطلق كونها تعبير عن إرادة سياسية واضحة لطي هذا الملف المفتعل بشكل نهائي في إطار السيادة المغربية. وإلى جانب كونها إطارا واقعيا للحل، فإن المبادرة تعزز كذلك مسار الجهوية، الذي انخرطنا فيه فعليا ضمن مشروع الدولة في ترسيخ الديمقراطية وتوسيع فضاء الجهوية المتقدمة، كمسار تدريجي نحو تدبير ذاتي ناجع. 
وإذا كانت فرنسا قد أكدت مجددا على موقفها الثابت من إعترافها بمغربية الصحراء، فإن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية سبق هذا الموقف، ومثل إلى جانب الموقف الإسباني وغيرهما، تحولا عميقا في مسار هذا النزاع المفتعل، ويقابل هذا الدعم السياسي اعتراف فعلي من العديد من الدول التي اتخذت قرارها السيادي بفتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يعكس اقتناعا دوليا متزايدا بمغربية الصحراء ويكرس واقعا دبلوماسيا لا يمكن إنكاره.
 
في المقابل، تزداد عزلة الجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي، كلما تعلق الأمر بهذا الملف، حيث بات خطابها الأحادي، ومواقفها المتصلبة خارج سياق التحولات التي يشهدها العالم. فهي تواصل التمسك بخيار الاستفتاء، الذي تخفي من ورائه نواياها المعاكسة لحقوق المغرب التاريخية والمشروعة، متجاهلة أن الأمم المتحدة نفسها تدرك استحالة تطبيق هذا الخيار في ظل الإكراهات الواقعية، وعلى رأسها صعوبة تحديد من يحق لهم التصويت، وهي صعوبات زاد من تعقيدها التجاهل الكبير لعشرات الألاف من المنحدرين من القبائل الصحراوية، الذين أبعدتهم ظروف الاستعمار وأحداث تاريخية متفرقة عن التعداد السكاني الذي أجرته السلطات الإستعمارية الإسبانية سنة 1974، الذي أظهر في نهاية المطاف العديد من النواقص وفقد صلاحيته كمرجع عادل.
 
اليوم، كصحراويين وحدويين، لسنا معنيين بانتظار " تهدئة إقليمية" نترقبها في الأشهر القادمة، لأننا نعيش الإستقرار التام وننخرط بجدية في مسار التنمية، وهي المعركة الكبرى التي نخوضها. لقد ربح أجدادنا وآباءنا رهان الوحدة، ونحن اليوم نسعى لربح رهان التنمية، على أرض وطننا المغرب، وتحت رايته بقيادة جلالة الملك محمد السادس، أدام الله عزه ونصره.
 
قطار التنمية ماض في سكته، ونحن على متنه، نساهم في هندسة مستقبله ونرسم ملامحه. ما نأمله من المجتمع الدولي هو أن يتحمل مسؤوليته في إزالة الغطاء السياسي والوصاية المفروضة على أهلنا في مخيمات تندوف، وأن يفسح المجال أمامهم لعودتهم إلى وطنهم المغرب، ليلتحقوا بنا في مسار البناء المشترك، فالأيادي ممدودة والقلوب مفتوحة، لكن التأخير في الإلتحاق يزيد حتما من المعاناة ويعمق الجراح.
 
لذلك، فإن الفرصة اليوم مواتية، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة إطلاق مسار سياسي واقعي وعملي، أساسه المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها الإطار الوحيد الجاد والواقعي لإنهاء هذا النزاع المفتعل، وتمكين ساكنة الأقاليم الجنوبية من الاستمرار في بناء نموذجهم التنموي، في ظل السيادة المغربية الكاملة.
 
محمد عبد الله بكار / فاعل سياسي- الداخلة