في القاعات المخملية للمؤتمرات الطبية، وتحت زخرف الفنادق الفاخرة، أو في ظل مدرجات الجامعات التي هجرتها الأخلاق، يبدو أن التكوين الطبي المستمر في المغرب قد أصبح رهينة.
رهينة ليس في يد الأطباء ولا المرضى، بل في قبضة تحالف غير معلن بين الصناعة الدوائية ودولة تكتفي بالمشاهدة، بصمتها المطبق، أمام انزلاق تدريجي ولكن مؤكد نحو تسليع المعرفة الطبية.
فما كان يوماً ممارسة نبيلة لتحديث المعارف، تحوّل اليوم إلى واجهة براقة تخدم مصالح المختبرات.
أما "قادة الرأي" – أولئك الأطباء الذين يُستدعون كمحاضرين مراراً وتكراراً – فقد أصبحوا سفراء متحمسين للرسائل التسويقية، تُلقى محاضراتهم لا استناداً إلى قراءة نقدية للبحوث العلمية المستقلة، بل انطلاقاً من عروض مصممة سلفاً، تمولها وتوجهها أقسام التواصل داخل المختبرات. وإن كانت هناك بعض الاستتناءات.
في المقابل، يقف جيش الأطباء الممارسين – من عامّين ومتخصصين – في صفوف المستمعين، يصغون وينفذون أحياناً دون تفكير نقدي.
ليس جهلاً منهم، بل لأن المنظومة تدفعهم لذلك: لا بدائل مستقلة، وتكاليف التكوين غير المدعوم باهظة، ومصادر التحيين العلمي النزيهة نادرة.
المشكلة ليست في مشاركة المختبرات في تمويل التعليم الطبي المستمر، بل في احتكارها له.
وغياب أي جهة تضبط هذا الاحتكار.
وغياب أي جهة تضبط هذا الاحتكار.
فالدولة، في هذه المعادلة، غائبة بشكل فاضح.
لا لجنة أخلاقيات مستقلة تراقب محتوى التكوين.
ولا معايير واضحة تمنع تضارب المصالح.
ولا منصة عمومية أو جامعية تقدم تكويناً مستمراً إلزامياً، بعيداً عن شباك الدعاية التجارية.
لا لجنة أخلاقيات مستقلة تراقب محتوى التكوين.
ولا معايير واضحة تمنع تضارب المصالح.
ولا منصة عمومية أو جامعية تقدم تكويناً مستمراً إلزامياً، بعيداً عن شباك الدعاية التجارية.
حتى الهيئات المهنية، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للأطباء، تبدو عاجزة... أو متواطئة بصمتها.
والنتائج كارثية: وصفات طبية موجهة، تطبيب مفرط، تهميش أدوية قديمة لكنها فعالة، إقصاء الأدوية الجنيسة، وتنامي شكوك المرضى في قرارات الأطباء، والأخطر من ذلك كله: فقدان الاستقلال الفكري للممارسين.
المغرب بحاجة إلى يقظة ضمير.
إلى سياسة وطنية للتكوين الطبي المستمر، تحت إشراف الدولة، تمولها جزئياً، وتخضعها للمراجعة العلمية والنقاش العمومي.
إلى سياسة وطنية للتكوين الطبي المستمر، تحت إشراف الدولة، تمولها جزئياً، وتخضعها للمراجعة العلمية والنقاش العمومي.
نحتاج إلى أن نسترجع لذة المعرفة الحرة، وإلى أن نمنح الأطباء أدوات التفكير النقدي، وحق الرفض لما لا يستند إلى الدليل، مهما كان مغلفاً بشعارات براقة وشعارات ذهبية.
الأخلاقيات ليست ترفاً.
بل هي العمود الفقري للمهنة الطبية.
بل هي العمود الفقري للمهنة الطبية.
وقد آن للدولة المغربية أن تعي هذا قبل أن تنهار الثقة – التي أصبحت هشة – بين الطبيب والمريض.
نحتاج إلى نقاش وطني صريح حول مستقبل التكوين الطبي المستمر.