الأربعاء 16 إبريل 2025
كتاب الرأي

أحمد حضراني: الطالب الجامعي والدمج الاجتماعي

أحمد حضراني: الطالب الجامعي والدمج الاجتماعي أحمد حضراني

يسجل ،بشكل محمود، تأطير المشرع للطرف الرئيسي في المعادلة الجامعية، وهم الطلبة. ويتمثل هؤلاء ،حسب أحكام المادة التاسعة والستين من القانون رقم 01.00 يتعلق بتنظيم التعليم العالي ،في الأشخاص الذين يستفيدون من خدمات التعليم والبحث، والمسجلون بكيفية قانونية في مؤسسات التعليم العالي العام والخاص ؛قصد تحضير شهادة في التكوين الأساسي.

وبالرغم من هذا التحديد القانوني -الشكلي- للطالـب، قيبقى هذا الأخير في صلـب إصلاحات وإجـراءات تحسـين أداء التعليـم العالـي والمهنـي ،بل فـي صلـب أولوياتهـا ؛قصـد تأهيلـه وتنميـة قدراتـه العلميـة والثقافيـة مـن أجـل إنجاح اندماجـه فـي سـوق الشـغل ( النموذج التنمـوي الجديـد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع :التقرير العام، أبريل 2021).

ويرسم القانون - الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الخطوط الرئيسية لهاته المنظومة ، وللطرف الأساس في معادلتها ،وهم الطلبة بالأساس سواء على مستوى التكوين والبحث، أو من ناحية الاندماج في المحيط الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى من جانب المساهمة في جعل وتحويل الحياة الجامعية ورحاب المؤسسات الجامعية من أحسن وأحلى اللحظات العلمية والثقافية في حياة الطالب، لتكون ملائمة مع الفئة العمرية الشبابية ،ومواكبة لعتبة سنه المتميزة بالاندفاع والانطلاق. وهي الفترة التي وإن استغلت من طرف الفاعلين القيمين على تدبير الشأن الجامعي في المغرب، وبتواصل ميداني وإنخراط فعلي وفعال، لكانت فرصة سانحة لتكريس ثقافة المواطنة الحقة، وخلق المواطن الصالح، المؤمن بروح الحوار والتسامح ، والمنفتح على الاختلاف والتحولات الكونية، والنابذ لكل أشكال التطرف والكراهية والعنف ، والمرتبط بالتالي بوطنه ومؤسساته. وهذا ما خلص إليه الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2015 ، والذي جاء فيه:"... في سياق الإصلاحات التي دأبنا على القيام بها من أجل خدمة المواطن، يظل إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والانغلاق".

وعليه، وفي سبيل تحقيق هذه الغائية، فينبغي التعبير عن الإرادة من خلال مايلي :

- العمل ما أمكن وبكل الوسائل على تنويع أشكال التكوين المتاحة، كما وكيفا(تعليم والتعلم والتكوين والتأهيل والتأطير، نشر المعرفة، تطوير البحث .

- الإسهام في التطورات العلمية والتقنية والمهنية، أخذا في الاعتبار حاجات البلاد في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛للاستجابة، وكمطمح، لكل الطلبات والمساهمة في سياسة جامعية ولوجية بكل المعاني، وانخراط الأساتذة بالخصوص لإنجاح المنظومة الجامعية،والإيمان بنجاعة وفعلية التكوين المندمج ،لتأهيل الطلبة لسوق الشغل،ولخدمة قضايـا بلدهم ، علما أن المغرب يهـدف إلـى أن يصبـح قطبـا للتعليـم العالـي والبحـث ؛لاستقطاب الطلبـة مـن المغـرب ودول الجـوار والقـارة من خـلال عـدد مـن المؤسسات المتميزة، مشكلة جيل جديد من الجامعات، يشتغل بمعايير التميز، وبنماذج متجـددة للحكامة، معــززة بالإمكانيات الملائمة للقيام بالمهام المنوطـة بها (التقرير العام الخاص بالنموذج التنموي الجديـد ، أبريل 2021).

- تشجيع ومكافئة الطلبة المتفوقين عبر خلق دينامية لحفز التفوق ، وتمكين الطلبة من نظام للمنح الدراسية لفائدة الطلبة المستحقين الذين توجد أمهاتهم وآباؤهم أو أولياؤهم أو المتكفلون بهم في وضعية اجتماعية هشة،فضلا عن آليـة للمنـح الاجتماعية ومنـح للاستحقاق وتطويـر عـرض القـروض للطلبـة - نظام تفضيلي للقروض الدراسية لفائدة المتعلمين الذين يرغبون في الاستفادة منها ؛قصد متابعة دراستهم العليا (المادة الواحدة 21 من القانون - الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ) .

- تحقيق الاندماج الثقافي للطالب ، وتيسير اندماجه وتفاعله الإيجابي مع محيطه عبر إدماج البعد الثقافي في البرامج والمناهج والتكوينات والوسائط التعليمية، بما يكفل تعريف الأجيال الحاضرة و القادمة بالموروث الثقافي الوطني بمختلف روافده وتثمينه، والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتنمية الثقافة الوطنية ؛ دعما للتنشئة الاجتماعية والتربية على قيم المواطنة والانفتاح والتواصل والسلوك المدني (المادة الخامسة من القانون - الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي). و هذا ما كان قد أشار إليه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة، أكتوبر 1999:"إن غايتنا هي تكوين مواطن صالح قادر على اكتساب المعارف والمهارات مشبع في نفس الوقت بهويته التي تجعله فخورا بانتمائه مدركا لحقوقه وواجباته عارفا بالشأن المحلي والتزاماته الوطنية وبما ينبغي له نحو نفسه وأسرته ومجتمعه مستعدا لخدمة بلده بصدق واخلاص وتفان وتضحية وفي اعتماد على الذات وإقدام على المبادرة الشخصية بثقة وشجاعة وإيمان وتفاؤل". ولهذا ينبغي دعم وتشجيع تنظيم مختلف الأنشطة الجامعية الموازية للطالب في مختلف المناحي الثقافية والفنية (تنظيـم ورشـات ومحترفات ، مسابقات ، مهرجانات: مســرح، شـعر، موسـيقى،) والرياضية (وغيرها (المادة 71 من القانون رقم00-01)؛لجعل العرض الجامعي مادة متكاملة علما وفكرا وأنشطة ترفيهية،واستثمار الوقت الثالث للطالب وعدم ضياعه، أي جعل الجامعة فضاء للفكر والحوار، وتلقي المعرفة، واكتساب الروح العلمية والتأهيل للحياة العملية. بل أن الإشكالية الأساسية هــي الانتقال مــن المقاربة التـي تضـع هـذه الأنشطة في خانـة الأنشـطة الموازيـة، واضفاء الطابع المؤسسي عليها (جمعيات،أندية...) (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التعليم العالي بالمغرب فعاليــة ونجاعــة وتحديــات النظــام الجامعــي ذي الولــوج المفتــوح : التقرير القطاعي2018 ص54).

 

- بخصوص الدعم الاجتماعي للطلبة (المنح ، السكن)،فإذا كانت الدولة تبذل مجهودا ت لدعـم الطلبـة ،فقد بلــغ حجم المنح أكـثـر مــن الضعــف مــا بــين ســنتي 2012 و2017 ،منتقـلا مـن 718 مليـون درهم إلى أكـثـر مــن مليــار و600 مليـون درهم (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي :التعليم العالي بالمغرب فعاليـة ونجاعـة وتحديـات النظـام الجامعي ذي الولـوج المفتـوح : التقرير القطاعي2018 ص49).فإن تدبير هذا الدعم لا زال يطرح سؤال الشفافية والاستحقاق الموضوعي . ويكفي هنا التذكير بتوصيـات الرؤيـة الاستراتيجية -2015 -2030 التي ساءلت مدى إمكانية أن يحقـق الدعــم الجامعي المقدم للطلبـة الإنصاف ، بتقديــم المنح للطلبــة المتفوقين والمحتاجين (الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1999-2000 في 08 أكتوبر 1999)،و كمـا دعـا إلى ذلك الميثاق الوطني للتربية والتعليم (المادة 122)، وأن يسـاهم في جــودة مردوديــة الطلبــة المستفيدين منه (المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي :التعليم العالي بالمغرب فعاليـة ونجاعـة وتحديـات النظـام الجامعي ذي الولـوج المفتـوح : التقرير القطاعي2018 ص79).

- تفعيل قنوات التواصل مع الطلبة ،وتنظيم لقاءات معهم، والاستماع لآرائهم وتزويدهم بكافة الحقائق والمعلومات السليمة عن القضايا التوجيهية والتربوية ، وتحسسيهم بـالإكراهات والحلول المتاحة بطريقة موضوعية اعتمادا على الشرح والتبسيط والتوضيح، بشكل مباشر أو من خلال وسائل التواصل ـ التقليدية أو الالكترونية ـ فالجامعية مطالبة بإقرار سياسة انفتاحية و تواصلية ، إذ يمكن هذا التواصل من التفكير معا، والرؤية معا، والعمل معا، لتحقيق التماسك والانسجام عبر امتصاص المشاكل، والتوافق على الحلول.

- الاهتمام بمشاكل الطلبة وتفهمها والعمل على إيجاد الحلول الممكنة لها، وجعل مصلحة الطلبة فوق كل اعتبار،وإعطائهم المثال والقدوة في الحضور الميدانـي، وإشراكهم في قضايا التدبير الممكنة ، خاصة وأن القانون خول للطلبة المشاركة في تسيير المؤسسة عبر ممثليهم بمجلس الكلية(المادة 22 ) وفي تسيير مصالح الأعمال الاجتماعية وكذا في تنظيم الأنشطة الثقافية و الرياضية في إطار جمعيات مؤسسة بكيفية قانونية ،تستفيد من دعم الدولة المادي والمالي( المادة 71 من القانون رقم00-01). و هذا ما أكده المرسوم رقم 2.19.16 في 23 يوليوز 2019 بتطبيق المادة 5 من القانون رقم 80.12 المتعلق بالوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي في ملحقه من خلال الدعوة على توفر المؤسسة للنهوض بالأنشطة الثقافية والرياضية والعلمية والابتكار من أجل تشجيع الطلبة ونماء شخصيتهم في إطار جمعيات ثقافية ورياضية ونوادي علمية.

ويلاحظ أن التقدم العلمي والتقني يتم بسرعة مذهلة، وأضحت الرساميل والمواد الخام غير كافية لتحقيق التنمية المنشودة، وأصبح المقياس الحقيقي للتقدم مبني على سلطة المعرفة، وامتلاك الخبرة والعقول البشرية، وتأهيل العنصر البشري.

 

أحمد حضراني، أستاذ جامعي