الأربعاء 16 إبريل 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: هل يصبح المغرب فعلاً قوة بحرية كما كان في الماضي؟!

محمد عزيز الوكيلي: هل يصبح المغرب فعلاً قوة بحرية كما كان في الماضي؟! محمد عزيز الوكيلي
يَحكي التاريخ المغربي الوسيط، فيما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، عن صولة مغربية يقل نظيرها في كل من البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، حتى ان السلطان العثماني عبد الحميد أرسل في طلب العون والنجدة من السلطان محمد بن عبد الله، أو محمد الثالث، الذي كما يحكي ذلك التاريخ، لم يتأخر في موافاة الخليفة العثماني بأسطول يشتمل على عشرات السفن الثقيلة، المزودة بالمدافع والقذائف وباقي الأسلحة والذخائر المستعملة في المعارك البحرية، ليستعين بها على مواجهة جيوش الصليبيين، الذين كانوا في العادة يقاتلون بعضهم البعض، لسبب ولغيرما سبب، ولكنهم كانوا يتحوّلون إلى رجل واحد عند ما يجدون أنفسهم في مواجهة المسلمين، في مشارق المنطقة المتوسطية ومغاربها!!
 
ولم تكن المساعدات العسكرية البحرية التي كانت تحظى بها الدولة العثمانية مقتصرة على البلاط السلطاني المغربي، بل كانت متمثّلةً ايضاً في أساطيل القراصنة المغاربة الذين كانوا في أوج قوتهم وجبروتهم، وكانت عاصمتهم العسكرية في تلك الفترات مدينة سلا، التي كانت نشأتها في بدايتها كميناء رهينةً بهذا الدور الجهادي البحري، الذي اشتهر به بحارتُها على امتداد ذلك التاريخ، باعتبار قرصناتهم عملا جهادياً موجهاً ضد الأعاجم، "الكافرين"، الذين كانوا يخترقون المياه الإقليمية لشمال إفريقيا، وعموم القارة الإفريقية، وكذلك الجزء الغربي من الوطن العربي، غيرَ آبهةٍ بالقوانين المنظِّمة للملاحة البحرية، والتي لم تكن على النحو المنظَّم والمتطوِّر الذي أصبحت عليه في الزمن الراهن!!
 
مناسبة الحديث عن صولات المغرب البحرية تلك، في ماضيه الوسيط، ما نشرته وسائل الإعلام المغربية والإسبانية عن إعلان المغرب، قبل أيام قلائل، عن مناقصة دولية بغرض التعاقد مع شركة من "الشركات العالمية"، حصرياً، من أجل منحها مهام تفويضية لتدبير حوض مغربي جديد اكتمل بناؤه مؤخراً، يُعتبر بلا مغالاة، أكبر حوض لصناعة السفن بالقارة الإفريقية وبجنوب المتوسط، ولكن الأهم في هذا الخبر، أن الذي أطلق المناقصة ليست وزارة الصيد البحري، ولا وزارة النقل والتجهيز، وإنما هي البحرية الملكية، ممّا يعني أن الحوض السالف ذكره سيتكفل بصناعة السفن الحربية على الخصوص، وخاصة سفن حماية السواحل، وحاملات طائرات الدرونز، التي تعتبر من أسهل الصناعات الحربية المائية، لأنها تستطيع ان تُحوّل أي سفينة مدنية لنقل البضائع أو لنقل الحاويات إلى حاملات للطائرات المسيَّرة، وإلى فرقاطات عسكرية قابلة لحمل أرقى التجهيزات الحربية. وكما يبدو من سعة الحوض وممكناته الأولية، فأنه سيكون قادرا من جهة أخرى على إنتاج غواصات صغرى ومتوسطة، وربما تطورت قدراته إلى أكثر من ذلك بمجرد إنجاز أشغال توسيع جديدة تبدو متوقعة من خلال التصميم المنشور للحوض في شكله الحالي، والذي في وسعه أن يضم أجنحة وأحواض إضافية ومستودعات من كل الأشكال والأحجام...
 
والأهم أيضا في هذا الخبر، أن الشركات التي أبدت اهتمامها بالمشروع، وبالمناقصة المعلن عنها لإطلاقه بعد أن اكتمل بناؤه، تتمثل على الخصوص في إحدى كبريات الشركات الفرنسية العاملة في مجال الصناعات البحرية العسكرية، وكذا شركة كورية جنوبية تتميز بامتلاكها لأكبر حوض لصناعة السفن الحربية في العالم!!
 
لقد انخرط المغرب في أوراش كبرى لصناعة السيارات فحقق في ذلك نجاحات منقطعة النظير، حتى صار ضمن العشر دول الأكثر إنتاجاً وتصديرا للسيارات في العالم، والأول إفريقياً وعربياً بلا منازع، بعد أن تفوق في وقت قياسي على كل من مصر وجنوب إفريقيا...
 كما خاض المغرب ميدان صناعة الطائرات الصغرى والمتوسطة، وولج إلى تجربة تطوير الطائرات العسكرية بدءاً بالطائرات المخصصة للتداريب العسكرية، ثم وصولا إلى تطوير تجهيز طائراته العسكرية بأجهزة وآليات حسّنت من قدراتها الحربية، ثم حقق تطوّرا هائلا في مجال صناعة محركات الطائرات النفاثة الكبرى، قبل أن يتمكن من إنتاج أول طائرة ركاب كبرى بصناعة مغربية مائة في المائة... والبقية آتية لا محالة!!
 
هذا التوجه المغربي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية، بما فيها البرية أيضاً، لا يقف عند هذا الحد، بل قد بدأ يجذب زبائن من مختلف أنحاء المعمور، ومن القارة الإفريقية والخليج العربي خاصة، مما يجعله أكثر إصراراً على المضي قدما في هذا المنحى تماما كما كان عليه الأمر في ذلك التاريخ الوسيط، حيث اشتهرت المدافع وقطع السلاح التي كانت تخرج من دار السلاح المغربية الشهيرة بمدينة فاس، والتي تحولت فيما بعد إلى دار للسكة، قبل أن تنتقل بهذه الصفة إلى موقعها الحالي بمدينة سلا، على الطريق المؤدية إلى مكناس...
 
السؤال الذي يطرح الآن، وفي هذا المَوْطن بالذات، ولو على سبيل الدُّعابة لا التّشفّي، خاصةً وأن الحديث لم يعد يحلو إلا بهذا النوع من المشاكسة، هو:
"تُرى ما الذي يدور الآن بخلد جيراننا الشرقيين ورئيسهم عبد المجيد تبون، ورئيسه غير السعيد شنقريحة، وهما ومن معهما يتلقّون مثل هذه الأخبار التي تقع على أمّ رؤوسهم كالفؤوس، وهي أخبار لا ريب أنها تزيدهم تعقيداً وحسداً وضغينةً... خاصة وأنهما، ومن يدور في فلكهما، متأكدون إلى درجة اليقين بأنهم لن يستطيعوا مجاراة المغرب في هذا المنحى التنموي والتحديثي الواعد، لأنهم منهمكون في السرقة والنهب والسلب، وتهريب الأموال وغسلها داخل الوطن وخارجه، كما لم يفعل ذلك أحد ممّن سكنوا قبلهم زريبة المراديا؟!
ترى ما الذي يدور في رؤوسهم رُفقةَ غرامات الكحول الآخذة منهم كل مأخذ؟.. الله أعلم!!!

 
محمد عزيز الوكيلي/ آطار تربوي