الثلاثاء 1 إبريل 2025
كتاب الرأي

تدمري عبد الوهاب: هل نعيش بداية نهاية التحالفات التقليدية وبداية تحالفات دولية جديدة؟

تدمري عبد الوهاب: هل نعيش بداية نهاية التحالفات التقليدية وبداية تحالفات دولية جديدة؟ د تدمري عبد الوهاب 
من المؤكد ان المتتبعين للشأن السياسي العالمي منشغلين بالتحولات العميقة في مجرى العلاقات الدولية بعد ان اقدمت    الادارة الامريكية الجديدة  بقيادة دونالد ترامب على بعثرة  الكثير من الحسابات في قواعد السلوك الدولي .بل واصبحت هذه الادلرة بقراراتها تتصدر عناوين  كبرى الصحف والقنوات الإعلامية .ومعها انقسم  المهتمون بالسياسة الدولية ببن من يرى في هذه القرارات تهورا من الادارة الجديدة والذهاب  الى حد التقليل من شأن  دونالد ترامب كرئيس يليق بدولة عظمى كأمريكا و تصويره في حلباب رجل تجارة غير دارك بتعقيدات الشأن السياسي واعتبروا  بعض قراراته وتصريحاته  خارجة عن  ضوابط  الاحكام والمعاهدات الاممية والدولية كمقترح تهجير الفلسطيتيين من غزة  والاستيلاء على قناة بنما والاستيلاء على جزيرة غريلاند التابعة للدنمارك و ومطالبته بضم  كندا وتحويلها الى ولاية امريكية . .بل ان من ان من ضمن هذه القرارات ما يمس بسلامة العلاقات التقليدية الأمريكية خاصة  مع حلفائها التقليديين من  دول الاتحاد الأوروبي واليابان  سواء فيما يتعلق بمواقفه من الحرب المندلعة منذ اكثر من ثلاث سنوات   فوق الاراضي الاوكرانية و تبنيه للسردية الروسية في ما يخص اسباب  اندلاع هذا الصراع. أو موقفه من حلف الناتو وكذا التراجع عن  الالتزام الأمريكي بضمان  الأمن الأوروبي الذي يرى فيه عبئا تاريخيا وماديا  على بلاده يجب ازاحته بعد أن تغيرت الأسباب التاريخية لقيامه .إضافة الى رفع التعرفة الجمركية على البضائع الأوروبية واليابانية  وكندا والمكسيك وباقي العالم  دون إغفال  الصين التي لم تكن يوما حليفة لأمريكا.

وبين من يرى في هذه التحولات والقرارات  رؤيا استراتيجية جديدة يقف ورائها خبراء ومختصون في العلاقات الدولية الأمريكية، الذين يستشرفون الصعوبات الآنية والمستقبلية  في موازين القوة العالمية وكذا المخاطر التي تهدد السلم الدولي في حال تشوب حرب كونية   والتي تتطلب رؤية جديدة تمكن أمريكا من الحفاظ على وضعها المتقدم، ولو ادى ذلك الى نسف تحالفات تقليدية استنفذت شروطها التاريخية  بعد ان صارت الغلبة للاقتصاد الرأسمالي الليبرالي . ولكن ليس كما نظر له فوكيواما في كتابه "نهاية التاريخ ، نهاية إنسان " بل كما نظر له مير شايمر في كتابه "  مأساة السياسية بين القوى العظمى" .والذي أقر فيه باستمرار الصراع  لكن بين  دول كبرى صاعدة و  ليس مع مجموعات عرقية او دينية  كما نظر له  صامويل هنتغتون في كتابه  "صدام الحضارات".وهو  الصراع الذي يراه شايمر بخلفيات  حضارية و ثقافية وليس بخلفيات  أيديولوجية او عرقية.   وهي كذلك دول تملك قدرات اقتصادية قوية  وامكانيات ردع نووية هائلة تهدد بنهاية البشرية في حال اندلاع حرب كونية وهو ما يفرض على أمريكا حسب شايمر  الجلوس معهم لصياغة نظام عالمي جديد.

علما ان هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية الذي يستند الى المدرسة الواقعية في الفكر السياسي الأمريكي   لا يوازيه نفس التوجه في مسألة  تدبير الإشكالات الداخلية التي تعتمر   المجتمع الأمريكي حيث تعمد الإدارة الجديدة نهجا محافظا يحيل على المدرسة المحافظة التقليدية التي يتزعمها صامويل هنتغتون التي تطرق لها في كتابه الاخير" من نحن" خاصة في الجانب المتعلق بالهوية الامريكية وضرورة الرجوع الى القيم الانغلو بروتستانتية التي تشبع بها المستوطنون البيض الأوائل و شكلت  عظمة الامة الامريكية والتي أصبحت مهددة الان باختلاط اعراق اخرى لاتينية وأفريقية وغيرها. وهو ما يفسر المواقف والقرارات الصارمة للإدارة الامريكية الحالية في مسألة الهجرة والمهاجرين .
ان هذا التوجه الأمريكي الجديد ربما  لا يبدو جليا في  السياسة الخارجية الامريكية  حاليا بحكم تعدد القرارات والتصريحات التي تبنتها هذه  الإدارة .
    
وذلك  رغم عدم قدرة أمريكا على تحويل بعضها  الى  واقائع على الأرض.  و بالتالي يمكن اعتبارها محاولة ذكية من بعض منظري الإدارة الجديدة  لإحداث حالة من اللخبطة في العلاقات الدولية بالشكل المتعارف عليها.    قبل أن يستقر الوضع على الثوابت الجديدة للسياسة الخارجية  الأمريكية القائمة على واقعية سياسية جديدة تجعل من الصراع الاقتصادي والتجاري رأس الرمح في تدبير السياسات الامريكية الخارجية التي تمهد لبناء تحالفات اقتصادية وسياسية  جديدة  قائمة على منطق رابح رابح مع القوى العالمية الصاعدة  ،مع تفعيل  قوة النموذج في الصراع مع هذه القوى  بدل نموذج القوة  الذي  اتضح استنفاذ مهمته بعد ان اصبح الردع  الاستراتيجي متوازنا في ما بينها.  حتى ولو كان ذلك على حساب تحالفاتها التقليدية التي بنيت في مرحلة الحرب الباردة والصراعات الأيديولوجية.  وفي نفس الآن كذلك  اعتماد مفهوم القوة الصلبة مع باقي العالم كما يتجلى ذلك  في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم .ولا نستبعد عقد لقاء عالمي ثلاثي او رباعي بين كل من أمريكا وروسيا والهند والصين رغم تصنيف هذه الاخيرة كتهديد أساسي  في استراتيجية الامن القومي الامريكي .وذلك    لرسم معالم النظام العالمي الجديد مع اعادة تقسيم مناطق النفوذ في ما بينها وذلك ولاول مرة في التاريخ الحديث خارج الحضور الأوروبي الذي لم يعد يشكل اولوية في السياسة الخارجية الامريكية  التي لم تعد ترى في اوربا شريكا استراتيجيا في المرحلة المقبلة. وذلك  بعد  ان تلاشى الصراع الايديولوجي وتعددت مراكز الإنتاج الصناعي   وتبين عجز الفارة على تقديم إضافات نوعية   في التجارة العالمية وخلو مخزوناتها من المعادن النادرة الضرورية للثورة التكنولوجية التي اشكل العمود الفقري للصناعات الحديثة. وكذا انحسار نفوذها على مستوى العالم.  هذا في الوقت الذي تتوفر فيه القوى العالمية  الصاعدة على مراكز صناعية وتجارية متقدمة  وتستقطب بعض تجمعاتها الاقتصادية اكثر من نصف سكان الكرة الأرضية مما يجعلها أسواقا مهمة  إضافة الى تصرفها  في مخزونات كبيرة من هذه المعادن، اما  كثروات داخلية  أو ثروات تقع ضمن دوائر نفوذها  السياسي والاقتصادي عبر العالم.  

 
إن ما يبدو عبثيا في سلسلة قرارات وتصريحات الادارة الامريكية الجديدة  وما يعد خروجا عن النسق المعهود في السياسة الخارجية الامريكية يتجلى بوضوح في  طريقة تعامله مع الصراع الغربي الروسي على الاراضي الاوكرانية حيث يظهر استعداد أمريكا لعقد صفقة كبيرة مع روسيا وذلك على حساب أوربا وأوكرانيا .بل إن  ما حملته المكالمة الاخيرة بين الرئيسين الأمريكي والروسي التي فاضت على الشأن الأوكراني لتلامس قضايا و تفاهمات استراتيجية تخص الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا في شرق أوربا  وكذا الصراع في الشرق الاوسط و الحد من الأسلحة الاستراتيجية  و فتح افاق جديدة في الشراكة الاقتصادية و التجارية بين البلدين .كل هذا يظهر بالملموس التوجه الجديد للنخبة السياسية الامريمية التي لم تعد ترى في التحالفات التقليدية ضرورة استراتيجية . وأن العلاقات الخارجية الامريكية  يجب ان تقوم على منطلقات جديدة تؤسس لتفاهمات استراتيجية   مع باقي القوى الدولية الصاعدة بقوة  على الساحة العالمية ، والتي  تتطور بسرعة  في  إطار نمط الاقتصاد الرأسمالي،  وتفتح أفاقا واسعة لنمو الرأسمال الصناعي والتكلوجي و التجاري . وهي كذلك قوى تتمتع بشخصيتها الحضارية والثقافية التي ستشكل خاصية ملازمة لمفهوم النظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية والحضارية والثقافية . 
 
إن ما يبدو عبثيا وخارج قواعد السلوك المعتاد في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في الصراع الروسي الاطلسي  بالنسبة   للبعض. يشكل وبحق ، بالنسبة للبعض الاخر بداية تحول قي العقل السياسي الأمريكي الذي بدأ يستوعب التحولات الدولية الكبرى. وهو يمهد  بالقرارات والتصريحات الجديدة الى بداية القطع  مع   التحالفات التقليدية الموروثة عن مرحلة الحرب الباردة وبداية بناء تحالفات اقتصادية و تجارية عالمية  جديدة  وذلك رغم اعتراض دول الاتحاد الأوروبي عن هذا المسار الذي يؤسس لبداية أفول أوروبا كقوة اقتصادية و عسكرية طالما كانت عنصرا مؤثرا في صناعة القرار الدولي. وبالتالي سيقوم هذا الاتحاد بكل ما بوسعه من أجل عرقلة هذا المسار من أجل لفت الانتباه و إيجاد موطىء قدم في  اي عملية لإعادة صياغة النظام العالمي ولو من باب الحرب الروسية  الاوكرانية  الاطلسية التي لا يريدون لها ان تنتهي حتى ولو كان ذلك على حساب وجود   أوكرانيا كدولة .