الثلاثاء 1 إبريل 2025
كتاب الرأي

بشري إكدر: ماذا تبقى من كوركاس بعد عقدين على إحداثه؟ وهل تصله رياح التغيير؟

بشري إكدر: ماذا تبقى من كوركاس بعد عقدين على إحداثه؟ وهل تصله رياح التغيير؟ بشري إكدر
في 25 مارس هذل العام، تحل الذكرى التاسعة عشر على إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس من العيون في 25 مارس 2006، مخاطبا الحاضرين في حفل تعيين المجلس قائلا جلالته:
 "شعبي العزيز، رعايانا الأوفياء سكان أقاليمنا الجنوبية العزيزة،  إنه لمن دواعي اعتزازنا،  أن نجدد اللقاء بأبناء هذه الربوع الغالية من وطننا العزيز."
"هذا اللقاء الذي يزيد من مشاعر ابتهاجنا فيه, أن نتولى اليوم, بمدينة العيون الأصيلة, تعيين المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية."
ومنذ مطلع خطاب التعيين،  كان إطار إحداث المجلس واضحا بقول جلالة الملك:
"وبذلكم نضع لبنة نعتبرها أساسية، في ترسيخ ثقافة التشاور، وفسح المجال الواسع أمام مواطنينا، للمساهمة باقتراحاتهم العملية، في كل القضايا المتصلة بوحدتنا الترابية، وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأقاليم الجنوبية العزيزة علينا."
 
وبمناسبة مرور عقدين من الزمن إلا قليلا، نتساءل اليوم والمناسبة شرط؛ ماذا تبقى من المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بعد عقدين على إحداثه، و هل تصله رياح التغيير؟ خاصة في ظا التغيير الذي ظهر إزاء مؤسسات دستورية هذا الأسبوع.
 
وبالعودة الشق الأول من تساؤلنا ماذا تبقى من المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية،  نحاول في معرض الإجابة عن هذا السؤال الرجوع إلى ظروف النشأة والتأسيس، حيث أحدثت المؤسسة في ظروف خاصة وخاصة جدا.
فمن جهة كان المغرب قد أعلن عن نيته في منح حكم ذاتي موسع للصحراويين، وهو ما أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس بقوله في الخطاب الملكي بمناسبة تعيين المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية: 
"وسيرا على نهجنا في التشاور مع كل القوى الحية، وتعميقا للممارسة الديمقراطية التي ارتضيناها دون رجعة، أعلنا في خطابنا بمناسبة الذكرى الثلاثين، لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، عن قرارنا بإجراء استشارات واسعة للأحزاب السياسية، وكذا لأبناء المنطقة المعنيين، وذلكم بخصوص الاقتراح الذي تعتزم بلادنا تقديمه، في موضوع نظام الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، كحل نهائي للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائنا."
لذلك، كان ضروريا ومستعجلا آنذاك أن تقوم الدولة بتنزيل آلية للتشاور مع الصحراويين. وهو ما تم بالفعل عبر إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في صيغته الجديدة؛ التي عرفت تغييرات على مستوى التركيبة مقارنة بالنسخة الأولى من المجلس عن طريق إشراك المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني من نساء وشباب وبعض الأطر والمثقفين، حتى يكون المجلس شاهدا على مشروع وثيقة مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لإنهاء النزاع حول الصحراء ومصوتا عليها.

 
وهو ما تم في دورة استثنائية عقدها المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية يوم الاثنين 4 دجنبر 2006 خصصت للتصويت -حتى لا نقول المناقشة لأن المجلس لم يصغ الوثيقة- على وثيقة مقترح الحكم الذاتي، التي طرحها المغرب بالأمم المتحدة لاحقا خلال شهر أبريل 2007، والتي تم تقديمها وطرحها لكبريات العواصم الدولية قبل طرحها على أنظار الأمم المتحدة، عن طريق وفد رفيع المستوى.
 
إذن فسياق طرح المبادرة المغربية للحكم الذاتي كان سببا جوهريا في الصبغة الاستعجالية في إحداث كوركاس بتلك الصيغة، غير أن المجلس توقف بعدها بمجرد انتهاء ولايته الأولى المحددة حسب نص الظهير المؤسس بعد أربع سنوات من إحداثه.
 
المستوى الثاني في الإجابة عما تبقى من المجلس تكمن في مستويين:
 مساءلة منجزات المجلس انطلاقا من مهامه الأساسية الثلاث وهي:
الدفاع عن مغربية الصحراء.
التفاوض مع البوليساريو حول ملف الحكم الذاتي للصحراء.
المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية.
صيانة خصوصيات الصحراء الثقافية في نطاق الهوية الوطنية الموحدة الغنية بتعدد روافدها.

 
والحقيقة أن هذه المهام بقيت في النص المحدث دون تفعيل أو تنزيل؛ فالترافع الدبلوماسي الرسمي عن القضية الوطنية ظل بيد وزارة الخارجية السيادية، وبخصوص التفاوض مع البوليساريو حول الحكم الذاتي، فقد لاحظنا كما الجميع أنه حتى الموائد المستديرة التي عقدت بشأن الصحراء بين الطرفين برعاية أممية، استدعي لها منتخبون من غير أعضاء كوركاس، ولم يأت ذكر المجلس في هذا الاستحقاق مطلقا...
 
وفيما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد ظلت بيد وكالة الجنوب السابق إحداثها على كوركاس، أما النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، فقد جاء ثمرة للورقة التأطيرية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقريره اللاحق في الشأن التنموي.
 
وفيما يتعلق بصيانة الثقافة والهوية الحسانية فهناك برامج قطاعية للعديد من المؤسسات الحكومية في هذا الشأن، أما إقناع سكان المهيمات بالعودة  فتلك قصة أخرى...
فهل يمكن القول إن أحداث كديم ازيك وأدت مجلس كوركاس؟
فحتى تحويل محاكمة متهمي كديم ازيك من محاكمة عسكرية إلى محاكمة مدنية، جاء ثمرة لرأي استشاري تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان. 
أليست هذه الملفات والقضايا كلها من صميم الشؤون الصحراوية.

 
ألا يمكن التسليم أن المهمة الوحيدةالتي أحدث من أجلها المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية؛ هي التصويت على مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لدى الأمم المتحدة كحل للنزاع؟
أما المستوى الثاني من التساؤل والمتعلق بالتساؤل عن اتجاه رياح التغيير، وهل يمكن أن تشمل كوركاس؟
 لا بد من الإشارة  للعديد من المستجدات التي شهدتها البلاد عقب إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وفي طليعتها اعتماد دستور جديد للبلاد في الفاتح من يوليوز 2011، وبعده تم اعتماد تقسيم جهوي جديد، جاء نتيجة تقرير أشغال اللجنة الاستشارية حول الجهوية الموسعة، وتم بموجبه تقليص جهات البلاد من خمس عشرة جهة إلى اثنتي عشرة جهة فقط، ورغم أن جهات الصحراء بقيت ثلاثة كما كانت في السابق؛ إلا أن أهم تغيير شهده التقسيم الجهوي الجديد على مستوى جهات الصحراء، هو ضم إقليم سيدي إفني المحدث سنة 2009 إلى جهة كلميم وادنون، والتحاق إقليم السمارة بجهة العيون الساقية الحمراء، وإلحاق إقليم طاطا بجهة سوس ماسة؛ مع ما يعنيه ذلك من تغييرات مجالية وإثنية وثقافية واقتصادية فضلا عن تأثيراتها السياسية على الوضع العام بمنطقة الصحراء عموما بجهاتها الثلاث من حيث التركيبة السكانية والبرامج التنموية والسياسات العمومية وغيرها. 

 
لذلك، نتساءل إزاء الطبيعة المؤسساتية للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية بعد عقدين من الزمن على إحداثه، وموقعه من المهام التي أنشئ من أجلها.
 
فمنذ حوالي عقد ونصف على توقف دوراته وأنشطته المنصوص عليها في الظهير المنظم للمجلس، وبعد عقد ونيف على اعتماد الدستور الجديد للمملكة، وهنا لابد من القول إن المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية مؤسسة غير دستورية، حيث لم يتم التنصيص عليه في قائمة المؤسسات الدستورية، وهو ليس من مؤسسات الحكامة التي جاء بها الدستور الحالي.
 
وبالعودة إلى تركيبته نجد أن بعض أعضائه قد أصبحوا مسؤولين سامين  ورؤساء مؤسسات رسمية، كما أن بعض أعضائه قد فارقوا الحياة رحمة الله عليهم.
 
أما على مستوى الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري والميداني على مستوى تطورات  ملف الصحراء في العالم، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر؛ تبعا لمتغيرات دولية وإقليمية ومحلية، شملت على الخصوص تغييرات بارزة في مواقف عديد القوى الدولية،  كالولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا، وكذا تغيير الأنظمة السياسية في دول الجوار، بل وحتى قيادة جبهة البوليساريو عرفت تغييرا هي كذلك، فضلا عن التغيير المتعلق بمستجدات المعابر البرية، وتحديات الوضع الأمني والجيوسياسي بدول إفريقيا جنوب الصحراء، وتحديات الإرهاب وأنشطة التهريب وغيرها من التحديات والمتغيرات الاقتصادية والحقوقية التي تشهدها المنطقة عموما.
 
لذلك فكل هذه المتغيرات التي أعقبت إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بعد تسعة عشر عاما، كلها معطيات ينبغي أن تكون ذات شأن فيما يتعلق بطبيعة هذه المؤسسة الملكية الاستشارية للشؤون الصحراوية، التي أُعلن أكثر من مرة، عن توجه جديد لتحيينها وإعطائها نفَسا آخر ودينامية جديدة تماشيا مع ما يستجد من متغيرات.
خلاصات:

 
رغم أن بعض المؤسسات الدستورية شهدت تغييرات، إلا أن للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية طبيعة خاصة، بالنظر لطبيعته الاستشارية لدى ملك البلاد من جهة، وطبيعة الملف الحساس المتعلق بالشؤون الصحراوية.
فتوقيف المجلس بالمرة سيطرح الأسئلة قطعا.
واستمراره بعد كل هذا التوقف لن يكون مجديا في شيء، بل لن يكون بنفس الصيغة طبعا.
 كما أن تحيين تركيبته في الظروف الراهنة بالإبقاء على البعض وتغيير البعض الآخر قد يزيد الطين بلة في ملف حساس يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي بالقبلي بالوطني والدولي والإقليمي وغيرها...
لذلك فالأسلم من وجهة نظرنا أن يتم التفكير في صيغة جديدة وبديلة كليا، تنطلق بعد تقييم شامل وموضوعي للتجربتين السابقتين للمجلس، وتكون أكثر فعالية وإجرائية، وبصيغة مؤسساتية تستجيب لرهانات المرحلة.
وإلا فسيكون الدواء قبل الأخير هو العمل بمقولة كم حاجة قضيناها بتركها.
لأن آخر الدواء الكي.
د.بشري إكدر، حقوقي ومتتبع للشؤون الصحراوية.