الثلاثاء 1 إبريل 2025
كتاب الرأي

جلال كندالي: من التغول إلى التفرقيش.. كيف تحولت السياسة إلى مزاد علني؟!

جلال كندالي: من التغول إلى التفرقيش.. كيف تحولت السياسة إلى مزاد علني؟! جلال كندالي
في ذروة جائحة كورونا، جرت الاستحقاقات الانتخابية التي أفرزت على ضوء نتائجها ثلاثة أحزاب رئيسية تصدرت نتائج هذه الانتخابات. بعد سلسلة من المفاوضات، لم يقتصر تحالفها على تشكيل الحكومة فقط، بل امتد ليشمل المؤسسات الدستورية على المستويات المحلية، الإقليمية، والجهوية.
وهكذا، أحكم المتحالفون قبضتهم على مختلف الهياكل، وكأن البلاد إرث ورثوه عن الأجداد، مما أدى إلى حالة من التغلغل والتغول السياسي، وهو مصطلح ابتكره الاتحاد الاشتراكي وأضافه إلى القاموس السياسي المغربي، كما هو الحال مع المنهجية الديمقراطية وغيرها من "الابتكارات" التي أضافت رونقا خاصا للمشهد السياسي.
أصبح هذا المصطلح اليوم متداولا بين الفاعلين السياسيين والأكاديميين وحتى خصوم الحزب ذاته، الذين لم يخفوا إعجابهم بابتكار المصطلح رغم أنه يصف حالهم.
خلال تلك الفترة، وزعت هذه الأحزاب وعودا بالجملة، بعضها كان أقرب إلى التعاويذ السحرية منه إلى البرامج الانتخابية،بل إن أحد المرشحين بلغ به الحماس حد مطالبة الناخبين برميه بالحجر إن لم يوف بوعوده، وكأنه يستلهم روح الرجم في مشهد سياسي كوميدي، وربما صدق بعض المواطنين هذه العهود، متأثرين بالظرف الصحي الحرج الذي أودى بحياة الآلاف، معتقدين أن السياسيين لن يجرؤوا على الكذب في زمن الموت.
لكن الواقع كان أكثر قسوة من الوباء نفسه، حيث لعبت الأموال دورا حاسما، فتم إنفاق مبالغ طائلة تفوق ثروات قارون، وجرى توزيعها علنا أمام أعين الرقابة التي كانت، على ما يبدو، قد أخذت إجازة غير مدفوعة الأجر.
وهكذا، تسلل بعض المفسدين إلى المؤسسات الدستورية كأنهم يلعبون لعبة "الغميضة" مع العدالة، التي أدانت بعضهم، بينما لا يزال آخرون ينتظرون دورهم في الصف، دون أن يغيروا من عاداتهم "السرية والعلنية" قيد أنملة.
في ظل الحكومة الحالية، ازداد ثراء بعض المحظوظين بوتيرة أسرع من ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، فانتفخت أرصدتهم البنكية بالملايير، بينما ارتفعت الاحتجاجات في مختلف المدن والأسواق بسبب غلاء الأسعار، حتى أن المغاربة لم يعودوا قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية كما اعتادوا، وكان عيد الأضحى أبرز مثال على ذلك.
لم يسبق للمغرب منذ عقود أن شهد وضعا يجبر فيه المواطن على التضحية بعيد الأضحى، في ظل ما بات يعرف بـ"مخطط المغرب الأخطر" بدلا من "مخطط المغرب الأخضر"، حيث تم تخصيص ميزانيات ضخمة دون تحقيق النتائج المرجوة، مما أدى إلى استنزاف الفرشة المائية، وارتفاع أسعار اللحوم، الخضر، البيض، والأسماك، ناهيك عن أسعار المحروقات التي تتصرف وكأنها في سباق ماراطوني، بغض النظر عن تقلباتها في السوق العالمية.
في هذا السياق، شهدنا إفلاس العديد من المؤسسات، مما فتح الباب للاستحواذ عليها فيما بعد، تماما كما يفعل هواة المزادات العلنية الذين ينتظرون سقوط الضحية لشراء ممتلكاتها بثمن بخس.
أبرز مثال على ذلك هو مصفاة "سامير"، التي كانت من نتائج المخطط الخماسي لحكومة عبد الله إبراهيم، وحملت اسم نجل الفقيد محمد الحبابي القيادي الاتحادي، الذي كان آنذاك مديرا لديوان الفقيد سي عبد الرحيم بوعبيد وزير المالية والاقتصاد في حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1959، الذي أرسي نواة الاقتصاد الوطني، التي أصبحت "مصفاة سمير" هدفا لبعض المستفيدين، غير آبهين بالأمن الطاقي للبلاد ومعاناة المواطنين، وكأن المغرب بلد مترف لا يحتاج إلى سيادة طاقية.
واليوم، ونحن على أعتاب انتخابات جديدة، نشهد كيف يستغل المتغولون شهر رمضان للمتاجرة في معاناة الناس بعد أن تم تفقيرهم، بهدف استمالتهم وإعادتهم إلى ما أصبح يعرف بحكومة "المونديال"، وهو ما دفع التحالف الثلاثي إلى الخروج من صمته، ولكن ليس من أجل الاعتذار أو التراجع، بل لتبادل الاتهامات بشراء الذمم وإهدار الملايير، وكأننا نشاهد مباراة ملاكمة سياسية حيث يسعى كل طرف إلى إسقاط الآخر بالضربة القاضية.
ولم يكتفوا بذلك، بل لجأ بعضهم إلى استخدام مصطلحات مأخوذة من المعجم القروي، مثل "الفراقشية"، وهم لصوص المواشي الذين كانوا في الماضي " يضربون النقب "، يحفرون الجدران الترابية للإسطبلات لسرقة الأغنام والأبقار.
لكن الفارق بين فراقشية الأمس وفراقشية اليوم، أن هؤلاء الأخيرين لا يحتاجون إلى الحفر أو "ضريب النقب "، فقد أصبح القانون نفسه هو المعول، والمؤسسات هي الإسطبل، والغنائم لم تعد تقتصر على الأغنام والأبقار، بل امتدت إلى الصفقات والميزانيات والعقود السمينة.
ومع ذلك، يبقى القاسم المشترك بين الفئتين هو الحاجة إلى وسيط، أو ما يعرف في القرى بـ"الخرارجي"، الذي كان قديمًا يظل متخفيا بعيدا عن الأنظار، أما اليوم فهو يعيش في الفلل الفاخرة، يلبس الكرافاطات، ويركب السيارات الفارهة، ويتناول الكافيار وأطباقا لا يعرف المواطن أسماءها، بينما الأخير يبحث عن سمكة بسعر لا يجعله يشعر وكأنه يشتري مجوهرات البحر الأبيض المتوسط.