السبت 29 مارس 2025
منبر أنفاس

منصف الادريسي الخمليشي : الحرية في الهندام وحرية المعتقد.. قراءة في واقعة منع الحجاب الشرعي بثانوية بسلا

منصف الادريسي الخمليشي : الحرية في الهندام وحرية المعتقد.. قراءة في واقعة منع الحجاب الشرعي بثانوية بسلا منصف الادريسي الخمليشي 
شهدت إحدى الثانويات الإعدادية بمدينة سلا واقعة مثيرة للجدل، حيث أقدم بعض الإداريين على وصف الحجاب الشرعي الذي ترتديه مجموعة من التلميذات بعبارات مسيئة مثل "لباس أفغانستان"، وهو أمر يتعارض مع القوانين الوطنية والدولية التي تكفل حرية المعتقد واللباس. هذا السلوك، إضافة إلى محاولات الضغط على التلميذات وإحراجهن بطرق قد تصل إلى الصراخ والتوبيخ، يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى احترام مبادئ الدستور المغربي والتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان.
 
الحرية في الهندام وحرية المعتقد في القانون المغربي
ينص الفصل الثالث من دستور المغرب لسنة 2011 على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". كما أن الفصل 25 من الدستور ذاته يؤكد أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها"، وهو ما يشمل حق الأفراد في اختيار ملابسهم وفق قناعاتهم الدينية.
 
إضافة إلى ذلك، لا يوجد أي نص قانوني في المنظومة التشريعية المغربية يمنع ارتداء الحجاب الشرعي أو يفرض نمطًا معينًا من اللباس داخل المؤسسات التعليمية. بل إن الدستور والتشريعات تؤكد على ضرورة احترام التعددية والحرية الفردية في إطار النظام العام.
 
التشريعات الدولية التي تحمي حرية اللباس والمعتقد:
على المستوى الدولي، تلتزم المملكة المغربية بعدد من الاتفاقيات التي تضمن حرية المعتقد واللباس، من بينها:
المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: تنص على أن "لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم".
المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: تؤكد أن "لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في إظهار دينه أو معتقده، سواء بمفرده أو مع جماعة، علانية أو سرًا، بممارسة الشعائر وإقامة الشعائر الدينية".
الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 9): تضمن حرية الفكر والضمير والدين، بما في ذلك الحق في ارتداء الرموز والملابس الدينية.
هذه النصوص تُلزم المغرب قانونيًا باحترام حرية المعتقد وحرية اللباس، ولا تترك مجالًا لممارسات تمييزية داخل المؤسسات التعليمية.
 
ازدواجية المعايير في التعامل مع الهندام داخل المؤسسات التعليمية
ما يثير التساؤلات في هذه الواقعة هو ازدواجية المعايير في التعامل مع حرية اللباس داخل المؤسسات التعليمية، حيث يُمارس الضغط على الفتيات المحجبات بسبب لباسهن الشرعي، بينما لا يتم اتخاذ أي موقف تجاه الفتيات اللواتي يعتمدن أنماط لباس أخرى مستوحاة من الثقافة الأوروبية. هذه الممارسات تطرح علامات استفهام حول مدى التزام بعض الإداريين بمبادئ الحياد والموضوعية، وحول فهمهم الحقيقي لدور المؤسسة التعليمية في غرس قيم المواطنة واحترام التنوع.
 
هل نحن أمام تضييق على حرية التدين؟
حينما تتحول المؤسسات التعليمية، التي يفترض أن تكون فضاءً للتربية والتعلم، إلى ساحة لممارسة الضغط على التلميذات بسبب لباسهن، فإن الأمر يتجاوز مجرد الاجتهاد الإداري، ليصبح تعديًا على الحقوق الدستورية والحريات الفردية. بل إن هذه التصرفات قد تدخل ضمن نطاق التمييز المبني على أساس الدين، وهو أمر تجرّمه المواثيق الدولية والمبادئ الحقوقية المعمول بها عالميًا.
 
دور وزارة التربية الوطنية في حماية الحقوق والحريات داخل المؤسسات التعليمية
من المفترض أن تلعب وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة دورًا مركزيًا في ضمان احترام الحريات الفردية داخل المؤسسات التعليمية، لا سيما تلك المتعلقة بالمعتقدات الدينية والهندام. وإذا كانت الوزارة قد تبنّت في مناسبات سابقة مواقف واضحة تجاه بعض السلوكيات غير القانونية داخل المؤسسات التعليمية، فمن واجبها اليوم أن تتخذ إجراءات حازمة ضد أي ممارسات تمييزية تُمارس ضد التلميذات المحجبات.

 
إن ما حدث في هذه الثانوية الإعدادية بسلا يجب أن يكون محل مساءلة ومحاسبة، لأن المساس بحرية التلميذات في ارتداء الحجاب ليس مجرد "اجتهاد إداري"، بل هو مخالفة صريحة للدستور المغربي والقوانين الدولية التي التزم بها المغرب. ويجب على المسؤولين التربويين اتخاذ موقف واضح وصريح لحماية حق التلميذات في اختيار لباسهن وفق قناعتهن الدينية، دون أي شكل من أشكال الضغط أو الإكراه.
 
إذا كان المغرب دولة تحترم الدستور والقوانين، فإن هذه الواقعة لا يجب أن تمر مرور الكرام. فهل ستتدخل الوزارة المعنية لوضع حدٍّ لمثل هذه الممارسات؟ أم أن هذه التصرفات ستستمر في ظل صمت الجهات الوصية؟