يعد كتاب الباحث عبد العزيز المنتاج "ظلال الموجة الزرقاء: أبحاث ودراسات"، الصادر حديثا عن منشورات النورس بالرباط من بين الكتب التي تحاول مفاجأة القارئ وإدهاشه بالكشف عما يدور حوله، وما يتشكل بجانبه، وتوضيح التحولات التي يعيشها ويساهم فيها دون أن يدرك خفاياها وأسرارها، التي أدت إليها. ليجد القارئ نفسها بعد الكتاب متسائلا، هل هكذا تمشي الأمور؟ فالظلال ليست سوى انعكاسات وارتدادات لموجة تقنية وثورة رقمية زرقاء، قدر لها أن تقلب العالم رأسا على عقب، بدءا ببداية عصر النهايات، ومرورا بنبوءة ماكلوهان، وانتهاء ببداية حضارة الموجة الثالثة كما قال إلفين توفلر...
يتألف كتاب "ظلال الموجة الزرقاء" من مجموعة دراسات وأبحاث للدكتور عبد العزيز المنتاج في مجلات ودوريات وطنية ودولية، يوحدها نفس الخيط الناظم، المرتبط بالثورة التقنية والانتقال نحو المجتمع ما بعد الصناعي أو مجتمع المعرفة، حيث التدفق اللانهائي للمعلومات، وسيادة عصر التواصل، وبالتالي رصد التحولات التي يشهدها العالم، وتسهم التقنية في تغيير الكثير من معالم نظمها التقليدية، وإعادة بناء حضارة بنظم جديدة. ذلك أن الوسيلة كما قال ماكلوهان تلعب دورا كبيرا في تغيير المحيط الاجتماعي حولها، وبالتالي فإن إنسان الإنترنيت أبدا لن يكون مثل إنسان ما قبله.
بدأ الكاتب كتابه بمقال حول التلفزيون، متتبعا قراءة بيير بورديو لدوره والأشكال المتحكمة في اشتغاله، خاصة أن التلفزيون رغم كل ذلك يبقى واحدا من أنجح الوسائل الإعلامية على الإطلاق، ومن هنا تكمن أهميته وخطورته في الوقت نفسه. ليتناول بعدها الاحتجاجات الشعبية التي يعرفها العالم ومنها المغرب، مسقطا عليها تحليل غوستاف لوبون ورؤيته الجماهيرية، مستدلا ببعض الأحداث التي عرفتها الساحة الوطنية كالمقاطعة وكنز سرغينة. كما تحدث عبدالعزيز المنتاج عن الثورة التقنية ودورها في التغيير الحضاري وتفكيك البنى والنظم التقليدية، وانعكاس ذلك على البنية الاتصالية والإعلامية وظهور الإعلام الرقمي، ومساهمتها في تجاوز الفضاء العام الهابرماسي، وتشكيل الرأي العام، ودور هذه الثورة التقنية في خلق وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت فضاء عالميا للحوار والنقاش والاحتجاج وتشويش الثقافة، وكأنها استمرار للحركات الاحتجاجية التي عرفتها بداية القرن العشرين، وأن تشويش الثقافة الذي يسعى للهدم والرفض والتقويض، قد انتقل فقط من الشوارع والجدران إلى الشاشة، مع ما في الأمر من خطورة، خاصة في ظل الإمكانيات التي توفرها التقنية والانترنيت، بتعدد الوسائط والسرعة والأنية والتفاعلية والقدرة الهائلة على الانتشار والإقناع.
إن هذه التغيرات كما يقول المؤلف ليست فجائية، وإنما هي تطور تراكمي بدأ منذ اختراع المطبعة، مرورا بظهور الصحافة الجماهيرية والتلغراف والهاتف والمذياع والتلفزيون والحاسوب، وأن التطور في مجال الاتصال لم يتوقف حتى يومنا، بل يعد بمفاجآت كبيرة بظهور الواقع الافتراضي والمعزز والميتافيرس والذكاء الاصطناعي، ما يعني أن باب التغيرات لايزال مشرعا على مصراعية، وينبئ يتحولات مرعبة وكثيرة.
لقد انعكست هذه التحولات على كل مناحي الحياة، فظهرت المجتمعات الشبكية كما يقول دارين بارني، كما تغير شكل وواقع الكثير من المهن، كالتعليم الذي أصبح بشكله الحالي متجاوزا ، فهذا الواقع الموسوم بالتدفق الإعلامي والمعلوماتي يحتاج من المجتمعات كما يقول الكاتب إلى تربية إعلامية، تيسر للمتلقي حسن الاستفادة من مجتمع المعلومات، وعدم الوقوع ضحية للإشاعات والأخبار الكاذبة، ليتسنى لهذه الثورة المعلوماتية المساهمة الفعالة في تحقيق التنمية كما دعت إلى ذلك الأمم المتحدة، وهي المواضيع التي ختم بها الباحث كتابه الواعد، والذي يستحق الاهتمام والقراءة.