الجمعة 28 مارس 2025
منبر أنفاس

بنصديق: لم تفشل حكومة أخنوش في تحقيق الدولة الاجتماعية فحسب.. بل ساهمت في تغول الباطرونا

بنصديق: لم تفشل حكومة أخنوش في تحقيق الدولة الاجتماعية فحسب.. بل ساهمت في تغول الباطرونا محمد بنصديق
"منذ‭ ‬تعيينها،‭ ‬أثبتت‭ ‬حكومة‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش‭ ‬أنها‭ ‬حكومة‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬حيث‭ ‬يجمع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضائها‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬والمال،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬قراراتها‭ ‬منحازة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬لمصالح‭ ‬المستثمرين‭ ‬وكبار‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭. ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الدور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للدولة‭ ‬وإقصاء‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬الحكومي‭. ‬النتيجة‭ ‬كانت‭ ‬واضحة:‭ ‬حكومة‭ ‬تخدم‭ ‬لوبيات‭ ‬المال‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬وتعميق‭ ‬معاناة‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭.‬

ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وانهيار‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭: ‬شهد‭ ‬المغرب‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬موجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار،‭ ‬شملت‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬والمحروقات‭ ‬وتكاليف‭ ‬السكن‭. ‬ورغم‭ ‬وعود‭ ‬الحكومة‭ ‬بضبط‭ ‬الأسعار،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يثبت‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬أي‭ ‬إجراءات‭ ‬حقيقية‭ ‬لحماية‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التضخم‭ ‬القاتل‭. ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين 15% و30%،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬لوبيات‭ ‬الاحتكار‭ ‬وغياب‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬حكومي‭ ‬فعال‭ ‬لكبح‭ ‬الأسعار‭.‬

تراجع‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬وضرب‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬وعود‭ ‬حكومة‭ ‬أخنوش‭ ‬هي‭ ‬تعزيز‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬دعاية‭ ‬انتخابية‭ ‬زائفة،‭ ‬حيث‭ ‬تدهورت‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬الأساسية‭ ‬بشكل‭ ‬خطير،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭. ‬ورغم‭ ‬تعميم‭ ‬التغطية‭ ‬الصحية (AMO)،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ملايين‭ ‬المغاربة‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬بينما‭ ‬يظل‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬العمومي‭ ‬متدهورًا،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بأسعاره‭ ‬الباهظة‭. ‬أما‭ ‬التعليم،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬تراجعًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬الأسر‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬الخصوصي‭ ‬رغم‭ ‬تكاليفه‭ ‬المرتفعة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬واضحة‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭.‬

زلزال‭ ‬الحوز‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الحكومة‭:‬‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬زلزال‭ ‬الحوز،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬آلاف‭ ‬المتضررين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الخيام‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬إنسانية‭ ‬قاسية،‭ ‬دون‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطط‭ ‬استعجالية‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬وإيواء‭ ‬المتضررين‭. ‬غياب‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬جعل‭ ‬السكان‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬تخلت‭ ‬عنهم‭.‬

البطالة‭ ‬والاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭:‬‭ ‬وصل‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬21.4%‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فشل‭ ‬برامج‭ ‬حكومية‭ ‬مثل‭ ‬"فرصة"‭ ‬و"أوراش"‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬حقيقية‭. ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬البلاد‭ ‬موجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬إفلاس‭ ‬المقاولات،‭ ‬حيث‭ ‬أغلقت‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬مقاولة‭ ‬أبوابها‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬آلاف‭ ‬المغاربة‭ ‬لمصدر‭ ‬رزقهم‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭.‬

تفشي‭ ‬الفساد‭ ‬وإهدار‭ ‬المال‭ ‬العام:‭ ‬رغم‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬ترفعها‭ ‬الحكومة‭ ‬بشأن‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬فإن‭ ‬الرشوة‭ ‬والمحسوبية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬متفشية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬وغياب‭ ‬المحاسبة‭ ‬جعل‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬يتصرفون‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬تآكل‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬منح‭ ‬الصفقات‭ ‬الحكومية‭ ‬الكبرى‭ ‬لشركات‭ ‬معينة‭ ‬يكرس‭ ‬الاحتكار‭ ‬ويهدر‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬

قضية‭ ‬العمال‭ ‬العرضيين‭:‬‭ ‬نموذج‭ ‬صارخ‭ ‬لغياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية:‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تستعد‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬لاستضافة‭ ‬كأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬2025‭ ‬وكأس‭ ‬العالم‭ ‬2030،‭ ‬يعيش‭ ‬العمال‭ ‬العرضيون‭ ‬بالجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مأساوية،‭ ‬حيث‭ ‬يُحرمون‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجر‭ ‬ومن‭ ‬التغطية‭ ‬الصحية‭ ‬والتقاعد‭ ‬والتعويضات‭ ‬العائلية،‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭.‬

فشل‭ ‬الحوار‭ ‬القطاعي‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭:‬‭ ‬تعطل‭ ‬الحوار‭ ‬القطاعي‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬منذ‭ ‬2019،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬غياب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للموظفين‭. ‬رغم‭ ‬الشعارات‭ ‬الحكومية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬يظل‭ ‬ضحية‭ ‬للتهميش‭ ‬والمماطلة‭.‬

إنقاذ‭ ‬الوضع‭ ‬يتطلب‭ ‬قرارات‭ ‬حاسمة‭: ‬لإخراج‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتأزم،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حقيقية،‭ ‬تبدأ‭ ‬بإصلاح‭ ‬شامل‭ ‬للسياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لتحكم‭ ‬لوبيات‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الحكومية‭ ‬الفاشلة،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬اعتماد‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬تعزز‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتحمي‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة."
 
محمد بنصديق/ فاعل نقابي وفاعل حقوقي