الأحد 16 مارس 2025
كتاب الرأي

عبد الرحيم التوراني: اليوم العالمي للشخير

عبد الرحيم التوراني: اليوم العالمي للشخير عبد الرحيم التوراني

في خضم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، واليوم العالمي للشعر، واليوم العالمي للسعادة، واليوم العالمي للأشجار والغابات، وغيرها من الأيام العالمية التي يشملها الشهر الثالث، فاتنا أن نهتم البارحة بـ”اليوم العالمي للنوم”. حيث يحدد سنويا في الـ الخامس عشر من شهر مارس، وصادف هذه السنة يوم أمس السبت.

 

في الأول، ذهب الظن بي إلى أن الأمر قد ينطوي على مجرد مزحة عابرة أو سخرية قاتمة، قبل أن أتأكد من الحقيقة الناصعة، التي تفيد بأن هناك منظمة عالمية تدعى “الفيدرالية الدولية للنوم” دأبت على تنظيم هذا اليوم العالمي للنوم منذ سنة 2008.

بل إن هذا اليوم بات يحظى بمواكبة إعلامية كبرى تهتم بالحديث عن فوائد النوم، وأعراض قلته والأضرار المباشرة وغير المباشرة للنوم غير المنتظم. وذلك في غياب شبه تام للإعلام العربي.

 

لعله كان جديرا بنا كمغاربة، وكعرب، أن نولي لليوم العالمي للنوم كل ما يليق به من حفاوة واستقبال واهتمام. إذ لن تسبقنا أي أمة من الأمم في النوم بكل أشكاله وأوضاعه، سواء في الاستمتاع بملذاته وأحلامه، أو الاسترخاء لكوابيسه وأضغاثه. نحن الذين طال نومنا دهورا ونعتز ونسعد بذلك كل الفخر، وكأننا في نومنا نترقب حلول اليوم الكبير، الأشبه بيوم القيامة، والذي لن يختلف عن يوم يقظة “أصحاب الكهف والرقيم”. فالنوم لدينا هو بمثابة غيبوبة وفقدان للوعي، وليس نشاطا إنسانيا تتم فيه كل العمليات الحيوية.

 

وعذرنا معنا إذا لم نسمع بهذا اليوم العالمي، لكوننا نغط في نوم عميق، ونملأ العالم شخيرا. طبعا فمن يشخر لا يسمع حتى شخيره، بقدر ما يتسبب في إزعاج الآخرين.

وعلى سبيل التذكر فقط، في مثل هذا الشهر، قبل أعوام (29 مارس2017)، شهدت أعمال القمة العربية المنعقدة في منطقة البحر الميت بالأردن، نوم عدد من الزعماء خلال إلقاء كلمة بعض القادة.

أولهم، التقطت الكاميرات في الجلسة الافتتاحية للقمة، الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، نائماً خلال إلقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط، كلمته.

وعلى غرار الرئيس اليمني، التقطت كاميرات الجلسة الأولى للقمة، أمير الكويت الشيخ، وهو نائم أثناء إلقاء أمير دولة قطر كلمته أمام الحضور.

وأخيراً، لم يجد الرئيس الجيبوتي هو الآخر سوى النوم العميق، بينما يتحدث أمين عام الجامعة العربية، عن القضية الفلسطينية. وهو ما جعل القمة تنال عن استحقاق وصف “قمة النوم”.

 

كما تشهد البرلمانات العربية، لجوء النواب المحترمين إلى النوم فوق الكراسي. وهو ما جعل بعض الساخرين يطلقون عليهم “النوام” بدل النواب.

هل العرب أمة نائمة؟ كما سمتهم غولدا مائيير (رابع رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية) إثر إحراق المسجد الأقصى، لما قالت: “إنها تصورت أن العرب سيدخلون القدس انتقاما من حرق الأقصى”، وعندما أشرقت الشمس أدركت مائير أن بإمكان إسرائيل فعل ما تريده لأنها أمام “أمة نائمة”.

 

مما يذكر أيضا إن الداهية هنري كيسنجر (وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق) همس في أذن الصهيوني مناحن بيغن عام 1977، عقب توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد، قائلا له: “إنني أسلمك أمة نائمة، أمة تنام ولكن مشكلتها أنها لا تموت، استثمر نومها فإنها إن استيقظت أعادت خلال سنوات ما أُخذ منها في قرون”.

 

لسنا هنا بصدد التحقق من صحة هذا القول من عدمه، لكن ما نعرفه ويعرفه العالم بأجمعه هو أن العرب ما تزال أُمّة غارقة في الكوابيس وفي السبات العميق.

ولا يهمنا اليوم التساؤل ترى ماذا سيقوله أو قاله دونالد ترامب للمجرم بنيامين نتنياهو.. لأن كل ما يدور في رأس ترامب يضعه فورا على لسانه. فهو يسمي الأشياء بمسمياتها، و”يسمي القط قطًّا” كما يقول التعبير الفرنسي، بل إنه يسمي المهزوم الخانع بالميت الذي من غير روح. فإن لم يكن الآخر الخانع المستسلم أمامه ميتا بالنسبة له، فهو “مشروع ميت جاهز” على منصة قراراته القاتلة. ولكم أنتم الخيار في شكل هذا الموت الفعلي أو المجازي..

 

لكن نومنا مصحوب بشخير، وبذلك لا يعده المختصون من النوم، إذ أن الشخير هو عامل من عوامل الحرمان من النوم.

إذن، هل “العرب ظاهرة صوتية” كما وصفهم ذات يوم المفكر السعودي عبد الله القصيمي؟

 

نعم، لم يعد العرب ظاهرة صوتية، بسبب كثرة الكلام واللغو، بل بسبب أصوات شخيرهم. لذلك على الأمم المتحدة الاستجابة لملتمس عاجل بتخصيص “يوم عالمي للشخير” نتباهى به بين الأمم، أيهم أقوى شخيرا منَّا. وإذا لم تستجب المنظمة الأممية، فعلينا اللجوء إلى حبلنا المتين: جامعتنا العربية العتيدة، ولنعلن “اليوم العربي للنوم والشخير”. وليكن شهرا كاملا بدل يوم واحد، ولن نجد أحسن من رمضان، الشهر الذي لن ينافسنا فيه أي عجمي كافر.

 

كان شعار اليوم العالمي للنوم لهذه السنة هو: “جعل صحة النوم أولوية”، تأسيسا على الدعوة إلى “نشر الوعي بصحة النوم في يوم النوم العالمي، والمساهمة في تعزيز الحوار حول النوم”! والدعوة الصريحة بـ الانضمام إلى عالم النوم، والمحافظة على إيقاعاتك، لتستمتع بالحياة”.

 

إذن، على الجامعة العربية أن تعتمد القصيدة الشهيرة للشاعر العربي معروف الرصافي نشيدا لأيامنا المشخرة:

يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم/

ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النّوّمُ/

وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا/

ودعوا التفهم جانبا فالخير ألا تفهموا…”

 

لكن، لست أدري السبب الذي جعل المشرفين على هذا اليوم المبارك واللذيذ، لا يفكرون في تخصيص أكثر من يوم احتفالي للنوم.

لا شك أنهم سيفعلون ذلك لاحقا.. لذلك نقول: “لا زربة على فياق.. الليل طويل“.

لنحافظ على إيقاع الشخير المموسق ونحوله إلى تراث لا مادِّي.. ونستمتع بالنوم العميق.

 

ولنبق أوفياء للشعار الأممي لـ”الفيدرالية الدولية للنوم”، فنحن خير أمة نجحت في الإخلاص والوفاء للنوم!

 

وليكن شعارنا الخالد: “الاستيقاظ للنوم”، وفقا لتعاليم منظمتنا العتيدة، طبعا: الفرع المغربي لـ”الفيدرالية الدولية للنوم”.

وكل أيام الله وأنتم من الشاخرين الحامدين...

وشُخرًا للجميع.