الأحد 16 مارس 2025
كتاب الرأي

عبد الصمد الشنتوف: كلاب "هكتور"

عبد الصمد الشنتوف: كلاب "هكتور" عبد الصمد الشنتوف
اتصلت بسوزان عبر الهاتف أتفقد أحوالها، خفق قلبي بشدة حين كلمتها، بدت لي في وضع سيئ ومحبط، صوتها رخيم يشوبه ألم عميق. كنت قد افتقدتها كثيرا، هي أيضا افتقدتني كما أسرت لي فيما بعد، لم نلتق منذ بضعة أسابيع، كان والداها قد قررا الانفصال بشكل رسمي. لفها الحزن والأسى من كل جانب، ذلك أن والدها غادر البيت ليعيش مع امرأة أخرى.
مازال هكتور يضغط عليها ويضايقها على أمل استعادة العلاقة الحميمة التي كانت تجمعهما سابقا. يتودد إليها ويستجديها لترميم علاقتهما من جديد لأنه يحبها كثيرا. سوزان لا تكن له أي ود وتصر على تجاهله لأنها تحبني. مازال المعتوه يسأل عني بين الفينة والأخرى. أظنه يريد أن يعرف هل غادرت بريطانيا أم لا. أخبرتني بأنه ازداد حقدا وحنقا على العرب والمسلمين أكثر من ذي مضى. ربما لأنني العربي الذي أتى على أحلامه سيما وأني استملت قلب امرأة استبدت بعقله وعشقها بجنون. لقد أخطأ هكتور في تقديره لما اعتقد أن سوزان ستعود إليه بعد طردي من الورشة، لم يكن يعلم مدى حبها وتعلقها بي، أحببنا بعضنا بجنون، حتى أنها أفصحت لي بوضوح أنها ستظل تحبني حتى لو رحلت إلى بلدي، ناهيك عن انتقالي إلى بلدة هورسماندن المجاورة للندن.

في الليل عندما أويت إلى فراشي اكتسحني حلم مرعب. وقف علي هكتور وأخذ يصرخ في وجهي، كان يتشاجر معي بشدة. أخذ يتوعدني ويهددني كي أبتعد عن سوزان. رأيت في منامي أنني أسير بين صفوف طويلة متراصة من أشجار التفاح. فجأة، اعترض هكتور طريقي ومعه ثلاثة كلاب ضخمة، انتابني جزع شديد فهربت منه، فما كان منه إلا أن أخذ في مطاردتي، كنت أركض بشدة وهو يركض ورائي. كلما أركض بقوة يركض بسرعة أقوى، لما ألوي خلفي أرى الكلاب تكشر عن أنيابها الحادة وتقترب مني. صرت أجهد على نفسي، هكتور يصرخ كالمسعور محرضا كلابه كي تعضني. لكني احتميت بشجرة تفاح باسقة صادفتها في طريقي. تسلقتها كقرد بخفة عالية، كنت أرتجف كعصفور مبلل من شدة الخوف، استويت فوقها وأنا ألهث. نظرت من حولي فأمسكت بتفاحة، قضمتها بشراهة، استطبتها ومضغتها ببطء. سرعان ما شرعت ألوح بها في وجه هكتور وأنا ألتهمها بتلذذ. تابعته بنظرات هازئة من أعلى الشجرة، أخرجت طرف لساني متهكما عليه، ظل واقفا قبالتي يرنو إلي، كان يشير لي بأصبعه وكأنه يتوعدني بمكروه. أخذ يسدد إلي نظرات حقودة، أحسستها تخترق جسدي مثل سهم قاتل. استشاط غضبا فأشار إلى كلابه كي تتسلق الشجرة وتهاجمني، أخذ يحفزهم ويدفعهم نحو الصعود إلى القمة لكي يفتكوا بي، لكنني تصديت لهم بشجاعة وبدأت أقذفهم بتفاح أحمر طازج. صارت عيناي منذرة بشر، أرعد وأزمجر في وجوههم بصوت خشن وكأني نمر محاصر، كنت أصدهم عني وأمنعهم من الصعود. قلت في نفسي: يا له من شخص حقود وحسود.
جدتي تعتقد أن الكلاب في الحلم هم الحساد. كلاب هكتور سوداء شرسة...