تساءل العديد من المراقبين والمهتمين بقضية الصحراء عن الدور الذي يلعبه بعض الأشخاص الذين تمردوا على جبهة البوليساريو في فترات سابقة، وأعلنوا تشكيل تيارات أو مبادرات أو حركات معارضة لقيادة الجبهة، بعد أن خدموها لسنوات طويلة. البعض يرى أن هذه الخطوات ربما تكون مجرد محاولات لإثارة الرأي العام أو تطبيقًا لمقولة "خالف تُعرف"، لكن المطلعين على خبايا البوليساريو يؤكدون أن أهم هزة كادت أن تعصف بالجبهة وتنسف كيانها كانت أحداث 1988، التي لولا تدخل الراعي الرسمي للجبهة، نظام الجزائر، لكان مصيرها مختلفًا تماما . هذه الأحداث ترسخت في أذهان غالبية الصحراويين كدليل واضح على أن التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من داخل مخيمات الصحراويين وليس من خارجها .
1988 الزلزال الذي هز كيان البوليساريو الانفصالي
ووفقًا للمهتمين بالشأن الصحراوي، فإن أحداث 1988 التي شهدتها مخيمات اللاجئين كانت بمثابة أكبر زلزال هز كيان البوليساريو، وكشفت عن جبروت وتسلط قيادتها التي مارست أبشع أشكال التنكيل والتصفيات الجسدية والتعذيب ضد مئات الصحراويين داخل سجون مثل "الرشيد" و"بيلا" وسجن الذهيبية . الواقع المأساوي ساهم في ظهوره تيارات ومبادرات وحركات خارج المخيمات، تنادي بالحرية والتغيير والانعتاق من قبضة القيادة التي ارتكبت جرائم إنسانية فظيعة لا زالت لم تكشف لائحة ضحاياها على الرغم من معرفة الجناة .
تيار خط الشهيد: صرخة في وجه الطغمة
يرى المحللون أن أحداث 1988 كانت بداية لفك منظومة البوليساريو، حيث فرت بعض القيادات من المخيمات معلنة انشقاقها عن الجبهة. ومن بين هذه الأصوات المعارضة، برز "تيار خط الشهيد"، الذي كان بمثابة صرخة في وجه الطغمة الحاكمة للبوليساريو. هذا التيار، الذي ظهر خارج المخيمات عام 2004، عمل بين موريتانيا وإسبانيا، وتمكن من التحرر من مخالب الجبهة التي نكلت بأعضائه وعذبتهم في سجونها.
حركة 5 مارس .. ورياح الربيع العربي
مع اندلاع الربيع العربي عام 2011، تلقى الشباب الصحراوي في المخيمات جرعة من الأمل والحرية، مما دفعهم إلى التظاهر ضد قيادة البوليساريو تحت مظلة "حركة 5 مارس". رفع المتظاهرون شعارات من أبرزها "ارحل من أجل القضية"، واعتصموا من خلال بناء خيام أمام المكتب العام للمطالبة بالعدالة والديمقراطية والإصلاح داخل الجبهة، بما في ذلك إنهاء الفساد والحد من سلطة القبلية التي شكل عصب القيادة الفاسدة .
المبادرة الصحراوية من أجل التغيير: محاولة فكرية
بعد كل هذه السنوات الطويلة ، ظهر تيار آخر أطلق على نفسه "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير"، والتي اعتُبرت صوتًا يدعو إلى قراءة جديدة للواقع السياسي ويسعى لإحداث تغيير إيجابي داخل قيادة البوليساريو.
قاد هذه المبادرة ثلاثي مكون من الحاج أحمد برك الله، ولاد ولد موسى، وحظية أبيهة، الذين شغلوا مناصب قيادية سابقة في الجبهة. لكن المبادرة فقدت زخمها بعد وفاة ولد موسى، ليعلن بارك الله لاحقًا عن تشكيل قوة سياسية جديدة تحت اسم "صحراويون من أجل السلام"، مؤكدًا أن أي محاولة للإصلاح من داخل البوليساريو هي مجرد مضيعة للوقت.
قاد هذه المبادرة ثلاثي مكون من الحاج أحمد برك الله، ولاد ولد موسى، وحظية أبيهة، الذين شغلوا مناصب قيادية سابقة في الجبهة. لكن المبادرة فقدت زخمها بعد وفاة ولد موسى، ليعلن بارك الله لاحقًا عن تشكيل قوة سياسية جديدة تحت اسم "صحراويون من أجل السلام"، مؤكدًا أن أي محاولة للإصلاح من داخل البوليساريو هي مجرد مضيعة للوقت.
الطريق إلى التغيير الحقيقي
على ضوء هذه التطورات، يرى المهتمون بقضية الصحراء أن كل المحاولات التي قام بها المنشقون عن البوليساريو لم تثمر عن تغيير حقيقي، وأن المراهنة عليها لم تعد مجدية. الأحداث التاريخية التي شهدها عام 1988 كانت هي التي خلخلت قيادة البوليساريو، وأكدت أن أي مبادرة أو تيار أو حركة مستقبلية يجب أن تساهم في تفكيك الأسطورة والإيديولوجية الوهمية التي تبنتها الجبهة على مدى خمسة عقود.
التغيير الحقيقي يتطلب تعبئة طاقات واعية ومعرفة تامة بواقع المخيمات، لنشر الوعي السياسي الذي يساهم في محو تلك العقيدة التي رسختها البوليساريو في عقول الصحراويين الذين تم تضليلهم لسنوات طويلة وفق سياسة دعائية سطالينية لا تؤمن باي راي مخالف ، وتخفي كل الحقائق في ظل تحول جيوسياسي كبير.
يبدي العديد من المتابعين لملف الصحراء ان التغيير من داخل المخيمات يعدُّ خطوةً جريئةً وضرورية لتحقيق تحوُّل حقيقي ومستدام في حياة الأفراد الذين يعيشون فيها. بدلاً من انتظار مبادرات خارجية أو مساعدات دولية، حيث يمكن لسكان مخيم تندوف أن يكونوا محرِّكًا رئيسيًّا للتغيير من خلال رفع الوعي ، وتغيير العقليات وتبيان حقيقة قيادة الجبهة الانفصالية .
ان بانخراط الشباب والنساء في التغيير من داخل المخيمات، فإنهم يكتسبون الأدوات اللازمة لتحسين ظروفهم المعيشية وخلق فرص جديدة لأنفسهم في تغيير تفاصيل وارقام معادلة الانفصال التي عمرت لعقود عديدة دون جدوى.
محمد سالم الشافعي/ كاتب وصحفي