عاد داء السل ليطرح نفسه كأحد التحديات الصحية الكبرى في المغرب، مدفوعًا بأرقام مقلقة وتحوّلات غير مسبوقة في أنماط انتشاره. وبينما تتجه بعض الخطابات إلى تحميل الحليب غير المبستر أو "الحليب النيء" مسؤولية انتشار العدوى، تكشف المعطيات الحديثة أن الصورة أكثر تعقيدًا، وتشمل سلوكيات حضرية وعادات شبابية جديدة تسهم بشكل خفي في تفشي هذا الداء التنفسي الخطير.
انتشار غير تقليدي: داء الفقراء يصيب النشيطين في المدن
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2023، سجّل المغرب ما يقارب 29,000 حالة إصابة جديدة بداء السل، بمعدل يبلغ 78 حالة لكل 100,000 نسمة.
لكن المثير في هذه الأرقام هو أن أكثر من 70% من الحالات سُجّلت لدى الفئة العمرية بين 15 و44 سنة، أي فئة الشباب والنشيطين اقتصاديًا، وهي الفئة التي لم تكن سابقًا ضمن المستهدفين التقليديين للمرض.
كما تشير معطيات وزارة الصحة إلى أن أكثر من 60% من الإصابات تأتي من المدن الكبرى، وعلى رأسها الدار البيضاء، فاس، مراكش، وطنجة، مما يعكس تراجع النمط القروي التقليدي لانتشار المرض، مقابل بروز مصادر عدوى حضرية جديدة.
الشيشة… عامل خطر يُغفَل
ضمن هذه العوامل المستجدة، تبرز محلات الشيشة غير المرخصة كفضاءات مثالية لانتقال العدوى. تدخين الشيشة بشكل جماعي، وتداول نفس الخرطوم بين الأصدقاء دون تعقيم، يُعتبر سلوكًا محفوفًا بالمخاطر.
دراسات علمية أثبتت أن هذا النوع من الاستهلاك الجماعي للشيشة قد يسهم في نقل البكتيريا المسببة للسل (Mycobacterium tuberculosis)، خاصة في الأماكن المغلقة ذات التهوية السيئة.
قاعات الرياضة... بيئة غير مرئية لانتقال السل
عامل آخر لا يقل خطورة يتمثل في قاعات الرياضة، التي تفتقر إلى التهوية السليمة، ما يجعلها مكانًا مثاليًا لانتقال الأمراض التنفسية.
الازدحام، وتشارك المعدات، والتنفس العميق في أماكن مغلقة كلها ظروف ترفع احتمالية الإصابة بالعدوى، خاصة إذا كان أحد الحضور حاملًا غير معلن للمرض.
الحليب غير المبستر... خطر تقليدي يمكن تجاوزه
ورغم كل ما سبق، تواصل بعض وسائل الإعلام تركيزها على الحليب غير المبستر كسبب رئيسي للعدوى.
صحيح أن السل الحيواني (Mycobacterium bovis) يمكن أن ينتقل عبر استهلاك الحليب النيء، لكن هذا الخطر يمكن تجاوزه بسهولة من خلال البسترة أو الغلي الجيد، وهي ممارسة شائعة في البيوت المغربية.
هل نقارب السل بمنطق جديد؟
الواضح أن السل لم يعد مرض حصري لدى الفئات الهشة من مجتمعنا و فقط، بل أصبح مرضًا ينتقل عبر أنماط حياة جديدة وسلوكيات حضرية منتشرة، وعلى رأسها تدخين الشيشة و ضعف تهوية الأماكن العامة وغياب الوعي بمصادر العدوى غير التقليدية.
ولمواجهة هذا الواقع، تقتضي الضرورة الصحية:
1. إطلاق حملات توعية بخطورة الشيشة بشكل عام و الشيشة الجماعية بشكل خاص؛
2. فرض معايير تهوية في القاعات الرياضية والأماكن المغلقة؛
3. مواصلة التحسيس حول خطر الحليب النيء، دون تضخيمه؛
4. توسيع قاعدة الفحص المبكر خاصة لدى الشباب في المدن؛
5. تقوية البنية التحتية الصحية لمواكبة التحديات الجديدة.
خلاصة
داء السل لم يعد فقط انعكاسًا للفقر، بل أصبح مرآة لعادات حضرية غير صحية تتطلب منا تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير والوقاية. فـ"المتهم" اليوم ليس فقط الحليب، بل السلوكيات اليومية التي نمارسها دون وعي بعواقبها.
انتشار غير تقليدي: داء الفقراء يصيب النشيطين في المدن
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2023، سجّل المغرب ما يقارب 29,000 حالة إصابة جديدة بداء السل، بمعدل يبلغ 78 حالة لكل 100,000 نسمة.
لكن المثير في هذه الأرقام هو أن أكثر من 70% من الحالات سُجّلت لدى الفئة العمرية بين 15 و44 سنة، أي فئة الشباب والنشيطين اقتصاديًا، وهي الفئة التي لم تكن سابقًا ضمن المستهدفين التقليديين للمرض.
كما تشير معطيات وزارة الصحة إلى أن أكثر من 60% من الإصابات تأتي من المدن الكبرى، وعلى رأسها الدار البيضاء، فاس، مراكش، وطنجة، مما يعكس تراجع النمط القروي التقليدي لانتشار المرض، مقابل بروز مصادر عدوى حضرية جديدة.
الشيشة… عامل خطر يُغفَل
ضمن هذه العوامل المستجدة، تبرز محلات الشيشة غير المرخصة كفضاءات مثالية لانتقال العدوى. تدخين الشيشة بشكل جماعي، وتداول نفس الخرطوم بين الأصدقاء دون تعقيم، يُعتبر سلوكًا محفوفًا بالمخاطر.
دراسات علمية أثبتت أن هذا النوع من الاستهلاك الجماعي للشيشة قد يسهم في نقل البكتيريا المسببة للسل (Mycobacterium tuberculosis)، خاصة في الأماكن المغلقة ذات التهوية السيئة.
قاعات الرياضة... بيئة غير مرئية لانتقال السل
عامل آخر لا يقل خطورة يتمثل في قاعات الرياضة، التي تفتقر إلى التهوية السليمة، ما يجعلها مكانًا مثاليًا لانتقال الأمراض التنفسية.
الازدحام، وتشارك المعدات، والتنفس العميق في أماكن مغلقة كلها ظروف ترفع احتمالية الإصابة بالعدوى، خاصة إذا كان أحد الحضور حاملًا غير معلن للمرض.
الحليب غير المبستر... خطر تقليدي يمكن تجاوزه
ورغم كل ما سبق، تواصل بعض وسائل الإعلام تركيزها على الحليب غير المبستر كسبب رئيسي للعدوى.
صحيح أن السل الحيواني (Mycobacterium bovis) يمكن أن ينتقل عبر استهلاك الحليب النيء، لكن هذا الخطر يمكن تجاوزه بسهولة من خلال البسترة أو الغلي الجيد، وهي ممارسة شائعة في البيوت المغربية.
هل نقارب السل بمنطق جديد؟
الواضح أن السل لم يعد مرض حصري لدى الفئات الهشة من مجتمعنا و فقط، بل أصبح مرضًا ينتقل عبر أنماط حياة جديدة وسلوكيات حضرية منتشرة، وعلى رأسها تدخين الشيشة و ضعف تهوية الأماكن العامة وغياب الوعي بمصادر العدوى غير التقليدية.
ولمواجهة هذا الواقع، تقتضي الضرورة الصحية:
1. إطلاق حملات توعية بخطورة الشيشة بشكل عام و الشيشة الجماعية بشكل خاص؛
2. فرض معايير تهوية في القاعات الرياضية والأماكن المغلقة؛
3. مواصلة التحسيس حول خطر الحليب النيء، دون تضخيمه؛
4. توسيع قاعدة الفحص المبكر خاصة لدى الشباب في المدن؛
5. تقوية البنية التحتية الصحية لمواكبة التحديات الجديدة.
خلاصة
داء السل لم يعد فقط انعكاسًا للفقر، بل أصبح مرآة لعادات حضرية غير صحية تتطلب منا تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير والوقاية. فـ"المتهم" اليوم ليس فقط الحليب، بل السلوكيات اليومية التي نمارسها دون وعي بعواقبها.