الأربعاء 26 فبراير 2025
اقتصاد

قفة رمضان..  المغاربة فـي مواجهة طاحونة الغلاء

قفة رمضان..  المغاربة فـي مواجهة طاحونة الغلاء ‭ ‬96.4‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬سجلت‭ ‬ارتفاعا‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬12‭ ‬شهرا‭ ‬الماضية
كلما‭ ‬اقترب‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬يزداد‭ ‬المغاربة‭ ‬يقينا‭ ‬أن‭ ‬للأسعار‭ ‬أجنحة‭ ‬سريعة‭ ‬تحلق‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬نحو‭ ‬الأعلى،‭ ‬وأن‭ ‬الغلاء‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬السوق‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬والدُنُوَّ‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الرئيسية‭ ‬(خبز،‭ ‬سكر،‭ ‬زيت،‭ ‬شاي،‭ ‬حليب،‭ ‬خضر،‭ ‬فواكه،‭ ‬لحوم،‭ ‬بيض،‭ ‬أسماك‭.. ‬إلخ)‭ ‬مُهلك‭ ‬ولا‭ ‬قبل‭ ‬لهم‭ ‬بمواجهته،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭  ‬تحقق‭ ‬"انتصاراتها‭ ‬الكبيرة"‭ ‬على‭ ‬جيوبهم‭.‬
 
والحق‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬انحسار‭ ‬الغلاء،‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬أصبح‭ ‬عنوانا‭ ‬عريضا‭ ‬لـ‭ ‬«النكبة‭ ‬الاجتماعية»،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حزمة‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الحكومة‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بعيدة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬تبديد‭ ‬استياء‭ ‬المواطنين،‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬أسعار‭ ‬مواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الأساسية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلا‭ ‬اتجاها‭ ‬واحدا‭ ‬نحو‭ ‬الأعلى،‭ ‬يبرره‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة،‭ ‬في‭ ‬خرجاتهم،‭ ‬بإلقاء‭ ‬اللائمة‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬داخلية،‭ ‬وأخرى‭ ‬خارجية‭. ‬
 
فأما‭ ‬العوامل‭ ‬الداخلية،‭ ‬فيمكن‭ ‬إجمالها‭ ‬في‭ ‬الأسطوانة‭ ‬المشروخة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬نقص‭ ‬الأمطار‭ ‬وتأثيرات‭ ‬الجفاف‭ ‬وتقلص‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬المخزون‭ ‬المحلي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬زيادة‭ ‬تكاليف‭ ‬الإنتاج‭ ‬والنقل،‭ ‬إذ‭ ‬يؤثر‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬تكلفة‭ ‬نقل‭ ‬السلع،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعارها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الداخلية،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬المحروقات‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسه؛‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اضطراب‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬والتوزيع،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬وصول‭ ‬بعض‭ ‬المنتجات‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬بسبب‭ ‬مشاكل‭ ‬لوجستية‭ ‬عالمية،‭ ‬يؤدي‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مباشر‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬نتيجة‭ ‬قلة‭ ‬العرض‭ ‬وارتفاع‭ ‬الطلب‭.‬
 
أما‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية،‭ ‬فتحددها‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬التضخم‭ ‬العالمي‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأولية،‭ ‬وخاصة‭ ‬المواد‭ ‬الطاقية‭ ‬التي‭ ‬تنعكس‭ ‬أسعارها‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬انخفاضها،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية،‭ ‬مثل‭ ‬النزاعات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬«الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط»‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الشحن‭ ‬والاستيراد‭ ‬والتمويل‭. ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭ ‬تباطؤاً‭ ‬كبيرا،‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الصاعدة‭ ‬مثل‭ ‬المغرب‭.‬
 
لكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬يفسر‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬حكومة‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»،‭ ‬وحكومة‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬«حكومة‭ ‬كفاءات»؟‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬يفسر‭ ‬إطلاق‭ ‬«بهموث»‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬على‭ ‬مواطن‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بـ‭ ‬«الإكراهات‭ ‬الدولية»‭ ‬والمخططات‭ ‬الهيكلية‭ ‬وخطط‭ ‬الإقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومعدل‭ ‬النمو‭ ‬والتضخم‭ ‬والمديونية‭ ‬والأزمات‭ ‬الجيوسياسية؟
 
نعم،‭ ‬لقد‭ ‬اتخدت‭ ‬الحكومة‭  ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭ ‬مثل‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬أسعار‭ ‬الغاز‭ ‬والبوتان،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬حوالي‭ ‬13‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬لدعم‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء،‭ ‬بهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬أسعار‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ضريبية،‭ ‬مثل‭ ‬خفض‭ ‬ومراجعة‭ ‬الضريبة‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة،‭ ‬لتخفيف‭ ‬العبء‭ ‬الضريبي‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬مالي‭ ‬لمهنيي‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬والفلاحين‭ ‬لمواجهة‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الوقود‭ ‬والتحديات‭ ‬الزراعية،‭ ‬بهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬أسعار‭ ‬النقل‭ ‬والمنتجات‭ ‬الزراعية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لإنهاء‭ ‬استياء‭ ‬المواطنين،‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬أن‭ ‬42.1‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬الاستدانة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تلبية‭ ‬متطلباتها‭ ‬الحياتية،‭ ‬بينما‭  ‬أفادت‭ ‬82.6‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬بـ‭ ‬«تدهور»‭ ‬مستوى‭ ‬معيشتها‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬12‭ ‬شهرا‭ ‬السابقة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حوالي‭ ‬95.4‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬المستهلكين‭ ‬اضطروا‭ ‬لتقليل‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الكماليات،‭ ‬وأعادوا‭ ‬تقييم‭ ‬أولوياتهم‭ ‬المالية‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭  ‬98.8‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬المستجوبين‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بتدابير‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية،‭ ‬مثل‭ ‬تسقيف‭ ‬الأسعار‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬دعم‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة،‭  ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬96.4‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬سجلت‭ ‬ارتفاعا‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬12‭ ‬شهرا‭ ‬الماضية‭.‬
 
نستخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬التدابير‭ ‬الحكومية‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الغلاء‭ ‬ليست‭ ‬ناجعة‭ ‬أو‭ ‬كافية‭  ‬لامتصاص‭ ‬الارتفاع‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬هيمنة‭ ‬أسباب‭ ‬الأزمة‭ ‬واستمرارها،‭ ‬وهي‭ ‬أسباب،‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬العوامل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية،‭ ‬كما‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬الحكومية‭ ‬الفاشلة،‭ ‬ومنها‭ ‬التبعية‭ ‬الكبيرة‭ ‬للاستيراد،‭ ‬حيث‭ ‬يعتمد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬حاجياته‭ ‬الغذائية‭ ‬والطاقية‭ ‬«مثل‭ ‬القمح،‭ ‬السكر،‭ ‬والزيوت»،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬عرضة‭ ‬لتقلبات‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬زراعته‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الخارجية‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬المخطط‭ ‬الأخضر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الخاص‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الموجهة‭ ‬نحو‭ ‬التصدير‭ ‬«الحوامض،‭ ‬الدلاح،‭ ‬الأفوكا‭..‬إلخ»،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬المغاربة‭ ‬يلاحقون‭  ‬منتجات‭ ‬محلية‭ ‬الإنتاج‭ ‬«الطماطم،‭ ‬الفلفل‭ ‬الأحمر‭..‬»‭ ‬بأثمنة‭ ‬تفوق‭ ‬سعر‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭  ‬ودخلوا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬يومية‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها‭ ‬لتأمين‭ ‬سلتهم‭ ‬الغذائية‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها،‭ ‬وخاصة‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬وبعض‭ ‬المنتجات‭ ‬الزيتية‭ ‬والغذائية،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعارها‭ ‬فقط‭ ‬بالإشكالات‭ ‬المتصلة‭ ‬بسلاسل‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بإشكالية‭ ‬المراقبة‭ ‬وتأثير‭ ‬الوسطاء‭ ‬والاحتكار‭.‬
 
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بسعر‭ ‬الصرف‭ ‬أو‭ ‬مستوى‭ ‬التضخم‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬الدرهم‭ ‬وارتباطه‭ ‬بأسعار‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭.  ‬كما‭ ‬فشلت،‭ ‬باعتراف‭ ‬مجلس‭ ‬المنافسة،‭  ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬تحرير‭ ‬سوق‭ ‬المحروقات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقلبات‭ ‬السوق‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نزول‭ ‬شركات‭ ‬المحروقات‭ ‬بكل‭ ‬ثقلهم‭ ‬على‭ ‬جيوب‭ ‬المواطنين‭  ‬لتحقيق‭ ‬أرباح‭ ‬خيالية،‭ ‬فإن‭  ‬إلغاء‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة،‭ ‬دون‭ ‬فرض‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬المضاربين‭ ‬ودون‭ ‬تدخل‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬الحكومة،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تأجج‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭  ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬وتركها‭ ‬رهينة‭ ‬لقانون‭ ‬العرض‭ ‬والطلب،‭ ‬مما‭ ‬فسح‭ ‬المجال‭ ‬للمضاربة‭ ‬والاحتكار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوسطاء‭ ‬والتجار‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬لآليات‭ ‬ضبط‭ ‬الأسواق‭ ‬ومنع‭ ‬التلاعب‭ ‬بالأسعار،‭ ‬وفي‭ ‬تغييب‭ ‬شامل‭ ‬لمعطى‭ ‬ضعف‭ ‬الأجور‭ ‬وتفوق‭ ‬التضخم‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭.‬
 
تأسيسا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جديرة‭ ‬بشعار‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬التنزيل‭ ‬الإيجابي‭ ‬لورش‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد،‭ ‬بناء‭ ‬حلول‭ ‬قوية‭ ‬لخفض‭ ‬الأسعار،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها:
 
ـ‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬«النموذج‭ ‬الفلاحي»،‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬المغاربة،‭ ‬بدل‭ ‬توجيه‭ ‬الإنتاج‭ ‬نحو‭ ‬التصدير،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬قفة‭ ‬المغاربة،‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬مخزوننا‭ ‬المائي‭.‬
ـ‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تسقيف‭ ‬الأسعار‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬دعمها‭ ‬جزئيًا‭.‬
- تعزيز‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬المحلي،‭ ‬ودعم‭ ‬الفلاحين،‭  ‬لتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الاستيراد،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭.‬
ـ‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغيير‭ ‬نظام‭ ‬الإنتاج‭ ‬الوطني،‭ ‬والتحرك‭ ‬نحو‭ ‬السيادة‭ ‬الغذائية‭ ‬وإنتاج‭ ‬ما‭ ‬نستهلكه‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬مع‭ ‬الاعتماد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬التقني‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬لتحسين‭ ‬المردودية‭.‬
- تشديد‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬المغربية‭ ‬لمنع‭ ‬المضاربة‭ ‬والاحتكار،‭ ‬وذلك‭ ‬بإنزال‭ ‬أقسى‭ ‬العقوبات‭ ‬بالمتورطين‭.‬
ـ‭ ‬دعم‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬عبر‭ ‬تحويلات‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬قسائم‭ ‬غذائية،‭ ‬بدل‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬المستوردين‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬امتيازات‭ ‬ضريبية‭ ‬تجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬احتكارا‭.‬
ـ‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التضخم‭ ‬بوصفه‭ ‬حقيقة‭ ‬هيكلية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬ويجب‭ ‬التعايش‭ ‬معه،‭ ‬وبناء‭ ‬سياسات‭ ‬في‭ ‬ضوئه‭ ‬كمعطى‭ ‬أساس‭. ‬ألم‭ ‬تؤكد‭ ‬مندوبية‭ ‬التخطيط‭ ‬أن‭ ‬التضخم‭ ‬ليس‭ ‬مستوردا‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬محلي،‭ ‬وبأن‭ ‬سببه‭ ‬هو‭ ‬نقص‭ ‬الإنتاج‭ ‬أي‭ ‬العرض‭ ‬الداخلي‭ ‬وليس‭ ‬الطلب‭.‬
 
دون‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬سيظل‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حامية‭ ‬الوطيس‭ ‬مع‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار،‭ ‬وسيستمرون‭ ‬في‭ ‬ترديد‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشاعر‭ ‬حافظ‭ ‬ابراهيم:‭ ‬«عَزّتِ‭ ‬السِلْعةُ‭ ‬الذليلةُ‭ ‬حتى»‭ ‬باتَ‭ ‬مَسْحُ‭ ‬الحذاءِ‭ ‬خَطْبًا‭ ‬جُسامَا؛‭ ‬وغدا‭ ‬القوتُ‭ ‬في‭ ‬يدِ‭ ‬الناسِ‭ ‬كالياقوتِ/‭ ‬حتى‭ ‬نَوى‭ ‬الفقيرُ‭ ‬الصيامَا؛‭ ‬يَقْطَعُ‭ ‬اليومَ‭ ‬طاويًا‭ ‬ولديهِ/‭ ‬دُونَ‭ ‬رِيحِ‭ ‬القُتارِ‭ ‬رِيحُ‭ ‬الخُزامَى؛‭ ‬ويخالُ‭ ‬الرغيفَ‭ ‬في‭ ‬البُعْدِ‭ ‬بَدْرًا/‭ ‬ويَظُنُّ‭ ‬اللحومَ‭ ‬صيداً‭ ‬حرامَا؛‭ ‬إنْ‭ ‬أَصابَ‭ ‬الرغيفَ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعْدِ‭ ‬كَدٍّ/‭ ‬صاحَ:‭ ‬مَنْ‭ ‬لِي‭ ‬بأنْ‭ ‬أُصيبَ‭ ‬الإِدامَا)‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"