خلال شهر من رئاسته في البيت الأبيض، اثار دونالد ترامب أيامه الأولى الجدل في مختلف نواحي السياسة الأميركية الداخلية والخارجية. وفي سياق الشرق الأوسط، يطرح ترامب مخططات تجارية تتصل بمرحلة ما بعد الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وفي المسار الأشمل للقضية الفلسطينية، التي لطالما فرضت نفسها كعقدة حرب أو سلام في المنطقة.
في هذا المجال، تتوالى عوامل القلق في الإقليم الذي لم يَنعم بفترات من الاستقرار، فضلًا عن الحديث عن سلام مُستدام، وتشي نيات ساكن البيت الأبيض بفرض مخططات التهجير تحت بنود مختلفة عما طرحته إدارته الأولى وحملت اسم "صفقة القرن"، ليتحول نحو منهج أكثر عدمية بمزيد من التجاهل والتهميش للحقوق الفلسطينية، وبما يحمل مزيداً من التهديدات التي تُقلق دول الجوار، وبطبيعة الحال الأردن ومصر اللتين سُرعان ما استشعرتا حجم المعضلات الكامنة في مخططات ترامب.
زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن، وما صاحبها من لغط إعلامي سببه سقطات لبعض المحطات ووكالات أنباء عربية ودولية، أكدت وجود خطة عربية بديلة مما طرحته الإدارة الأميركية، وهذه الخطة العربية التي لم تتكشف تفاصيلها بعد، تُركز على عدد من الثوابت الرئيسية، وخصوصا المتعلقة ببقاء الفلسطينيين على أرضهم ضمن أي سيناريو في المرحلة المقبلة. فالأردن ومصر يُدرجان مسألة تهجير الفلسطينيين ضمن مفهوم التهديد للأمن الوطني لكلٍ منهما، وإن يكن مستوى التهديد أكبر في التعريف الأردني، ويرقى إلى اعتباره تهديداً وجودياً نظرا إلى العديد من العوامل والاعتبارات.
فالأردن، بهويته الوطنية التي استقرت منذ سنة 1988، أي بعد قرار فك الارتباط بالضفة الغربية، أعاد تعريف موقفه الرسمي بما يتوافق مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أي بتشكيل الدولة الفلسطينية المنسجمة مع الرؤية العربية الأشمل ضمن المبادرة العربية 2002. وبأخذ المساحة والجغرافيا والاقتصاد في الاعتبار، متبوعة بقضايا الهوية الوطنية والديموغرافية، يتضح أن حجم المعضلة للأردن أمام سيناريوات التهجير لا يقارن بالحالة المصرية، وإن كانت الدولتان تنسجمان في المواقف الرافضة للتهجير.
في هذا السياق، يتضح أن الأردن ومصر في شكل خاص، والدول العربية مجتمعة، أمام اختبار حقيقي مع الإدارة الجديدة في واشنطن، وهو اختبار مصيري سيترتب عليه مسار العلاقات لأربع سنوات على أقل تقدير، بما يكشف أهمية الحراك الأردني - المصري ضمن إجماع مواقف الأطراف العربية، وهذا الحراك يشبه السباق الماراثوني، إذ لا يزال ترامب في أيامه الأولى، وهو ما يجعل الأردن ومصر والدول العربية عمومًا أمام سباق مع الزمن.
هنا تتضح أهمية إدراك حجم المعضلة المُقبلة، فقضية تهجير الفلسطينيين عن أرضهم لا تنحصر ضمن سياق الجوار المباشر لفلسطين المحتلة، بل تتجاوز ذلك ليُمهد لفوضى أكبر في عموم الإقليم. وبناء على ذلك، فإن الحراك العربي ينبغي تفعيله وفقا للمصلحة الذاتية للأطراف العربية، إذ إن تمرير المسؤولية في المشهد الحالي لا يترتب عليه سوى التمهيد لمعضلات أكبر ستكشف عنها الأيام.
يتكامل مع ما سبق، وجوب تفعيل دور السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبحث مسارات هذا الدور الذي بات ضرورة قصوى أمام المشهد الدولي ومخططات ترامب، إذ لا يمكن الحديث عن مبادرات عربية من دون دور فاعل ومقبول للسلطة الفلسطينية شعبياً في الضفة الغربية، وعربيا كدعامة للموقف العربي المنشود.
يظهر هذا الموقف العربي المنشود بتبني سياسات تكاملية داعمة للموقف الفلسطيني مباشرة، ولصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وبتبني موقف ديبلوماسي موحد، أي أن تتبنى الدول العربية موقفا تكامليا صلبا يرفض العبث بالحقائق الموضوعية المثبتة لحق الشعبي الفلسطيني على أرضه، ولدعم الدول العربية الأكثر تضررا كما يُتصور في المرحلة المقبلة، ولا سيما الأردن ومصر، وبالتعويل على عامل الوقت وتمريره بأقل الخسائر في المرحلة المقبلة، وتثبيت الوضع الراهن أمام التغيير الذي سينبثق من الخطط الأميركية والتحركات الإسرائيلية على أرض الواقع.
حسن جابر، باحث أردني في معهد السياسة والمجتمع
المصدر: النهار العربي