استفاقت ساكنة مدينة مكناس على وقع صدمة كبيرة، ففي الوقت الذي رصد فيه مبلغ ضخما يصل الى 800 مليون درهم لتأهيل المدينة العتيقة انطلقت وبشكل مفاجئ أشغال الحفر لإقامة ملعب للقرب بساحة لالة عودة التاريخية التي تعود الى عهد المرينيين كما تعد من أهم الساحات الموجودة بالقصبة الإسماعيلية، فهي تقع خلف القصور السلطانية العديدة الى جانب كونها تشكل المدخل الرئيسي للقصر السلطاني، الأمر الذي أثار استنكار واستياء المكناسيين الذين اعتبروا أشغال الحفر لإقامة ملعب بالساحة التاريخية لالة عودة قمة العبث بالموروث الثقافي والتاريخي والحضاري للعاصمة الاسماعيلية من طرف مسؤولي جماعة المشور الستينية.
في هذا الإطار قال محمد البركة، أستاذ التاريخ بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس في تصريح لجريدة " أنفاس بريس " اذا كانت الساحة العمومية هي ذلك الفضاء الشاسع الذي يقع بين الدُّور أو بجانبها ليفصل بين الأحياء السكنية أو ليعلن عن نهايتها، أو هي المكان الواسع الذي يتم استغلاله لأداء وظائف محددة (سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية) أو ليفصل بين أوعية سكنية هي لعموم الناس وأخرى أميرية، أو ليفرض سلوك الاحترام اتجاه عدد من المرافق العمومية وغيرها، فإن ساحة للا عودة التاريخية التي أخذت اسمها من الجامع المجاور لها، هي أكثر من ذلك وزيادة، فهي ساحة فسيحة تقع على أنقاض القصبة المرينية التاريخية التي اختارها بنو مرين لتكون موضعا لقصور أمرائهم وولاتهم على مكناس، حيث إن اختيارها تم بعناية تام سنة 1275م، فهي تشرف على واد بوفكران وملتصقة بالمدينة العتيقة عبر حي الحمام الجديد.
-كما أنها – يضيف محاورنا - هي واحدة من أهم الساحات الموجودة بالقصبة الإسماعيلية، حيث تحيط بها أسوار إسماعيلية شاهقة الارتفاع، تعطي إحساسا بحالة من التناغم والسمو في الذوق، فهي تجمع بين رحابة الساحة وعلو الأسوار، وهذا يعني أن بعدها الوظيفي كان يجمع بين القوة والحزم في غير خشونة ولا عنف، وبين اللين والدعة في غير ترهل ولا ضعف.
وأضاف البركة أن ساحة أهميتها تكمن في كونها تقع عند المدخل الرئيس للقصر السلطاني، فمباشرة بعد الدخول إلى القصر عبر الباب التاريخي (باب المنصور) تجد ساحة للا عودة الأميرية تستقبل الزائر يسارا لتحضنه وتشعره أنه حقا بالقصر السلطاني أي القصبة الإسماعيلية التي ابتدأ بناؤها سنة 1674م، وهذا إحساس لا يستشعره معانيه إلا من عاش قريبا من أسوراها وفضائها.
كما أنها ساحة لالة عودة تقع خلف القصور السلطانية العديدة (مثل قصر الستينية وقصر للا باني)، وكأنها منتزه أميري تم إعداده ليكون فضاء للتنزه والترويح، ساحة ترتبط بضريح السلطان المولى إسماعيل وقبة الخياطين عبر باب فيلالة المندثر، وهي كلها فضاءات سلطانية.
وأضاف أنها تقع بين جامع للا عودة وجامع الأنوار، إذ لما ضيق جامع القصبة أمر السلطان المولى إسماعيل ببناء مسجد الأنوار المتصل به عبر ساحة للا عودة سنة 1698م، لتكون الساحة ببساطها وصلا بينهما، وكأنها ساحة تجمع كل شخصيات القصر بعد صلاة الجمعة من أمراء وقادة ووزراء ...
كما أن هذه الساحة كانت تطل على أروقة الخزانة المولوية الإسماعيلية، التي ضمت الآلاف من المخطوطة، عناية من السلطان المولى إسماعيل بالعلم والعلماء، بعد أن عين وزيره اليحمدي (ت.1720م) ليشرف عليها، وهي خزانة على ارتفاع من جامع الأنوار وبالقرب من خلف باب المنصور، وهذا ما يعطي راحة لطالب العلم وهدوء يجعله مقبلا غير مدبر.
إن هذا الزخم من التشريف الذي ظلت تعرفه ساحة للا عودة عبر تاريخها منذ القرن 17م وقبله أي منذ القرن 13م، يدل – بحسب الباحث البركة - على أنها لم تكن فضاء منسيا غير مهتم به، بل إنها من أكثر الفضاءات عناية واهتماما بعد ساحة الهديم.
وتساءل البركة قائلا : كيف تستباح حُرمة ساحة لالة عودة وتُشهوه معالمها أمام أعين المسؤولين وأنظار المكناسيين؟ وهي التي بالأمس كانت عرضة للإهمال: من مرأبا للسيارات وما زالت، ومأوى للتسكع عند السور الشرقي ومازال رغم إحداث مضاءات تم تجاهلها ومقر للحراسة تم نسيانه، ثم هي اليوم عرضة للتشويه: من فضاء للألعاب التي تنصبت عند الشمال الشرقي منها، إلى ملعب للقرب ...أو غيره، معتبرا ما يجري بساحة لالة عودة ب " التجاهل والاستخفاف وعدم تقدير التراث المادي للمدينة " .
وأكد الباحث البركة في الأخير أن ساحة للا عودة كفضاء تاريخي مفتوح، وجسر عبور حيوي، لا يلزم أن يشوه بإحداث أنشطة حتى ولو كانت ترفيهية، فهناك مساحات قريبة منه يمكن استغلالها ملاعب للقرب أو غيرها، سواء عند باب أبي العمائر أو عند منطقة زين العابدين أو عند البحراوية ... فبجانب ساحة للا عودة مساحات أخرى بديلة، إلا إذا كان هناك قصد يتطلع إلى مقابلة البرنامج الوطني لتأهيل مدينة مكناس بآخر تخريبي لساحات مدينة مكناس. فهل من وعي تاريخي أثناء التخطيط لحاضرة تاريخية أم هي العشوائية التي لا أظنها سوى غيرة عرجاء وعمياء.