السبت 22 فبراير 2025
مجتمع

محكمة الاستئناف الإدارية تلغي حكم التعويض عن مضاعفات لقاح كورونا

محكمة الاستئناف الإدارية تلغي حكم التعويض عن مضاعفات لقاح كورونا
ألغت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في تاريخ 24 يوليوز 2024  الحكم الابتدائي الذي قضى بالتعويض لفائدة مدعية عن أضرار لقاح كورونا عملا بنظرية المخاطر. 

القرار القضائي لمحكمة الاستئناف الإدارية يعيد إلى الواجهة إشكالية التعويض عن الأضرار الناجمة عن استعمال لقاحات كورونا، ومدى كفاية القواعد العامّة للمسؤولية عن الخطأ للوصول إلى سبل الانتصاف القضائية. 

ملخّص القضية 
تعود فصول القضيّة إلى تاريخ 23 يونيو 2022 حينما تقدّمت المدعية بمقال افتتاحيّ أمام المحكمة الإداريّة بالرباط تعرض فيه بأنها تعمل كأستاذة جامعية، وأن الكلية التي تعمل بها نظّمت عملية تلقيح لفائدة العاملين فيها، بتاريخ 05 فبراير2021، حيث تلقت جرعة من لقاح أسترازينيكا، إلا أنها تعرضت جرّاء ذلك لمضاعفات خطيرة لا زالت تعاني من تبعاتها. وقد اعترف لها مركز مراقبة السّموم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة بكونها مصابة بمتلازمة غيلان باري GHILLAIN BARRE، التي تصنّف كمرض يصيب الأعصاب الطرفية ويتسبب في ضعفها أو حتى بشللها تدريجيا. وأضافت أن طبيبها الخاصّ عاين التهاب واعتلال الأعصاب متعدّد الجذور من نوع المتلازمة المذكورة وشللا على مستوى عضلات الوجه والطرفين السفليين، وأعدّ تقريرين في الموضوع، كما خضعت لخبراتٍ طبيّة من لدن أخصائيّين تابعين لوزارة الصحّة، خلصت لعدم خضوعها مستقبلًا لأيّ جرعة إضافية تتعلق بلقاح من اللقاحات المرصودة لفيروس كورونا. وأكدت أن مسؤولية الإدارة عن نشاطها الرامي إلى تعميم اللقاح لا تستلزم تحقّق أي خطأ من جانبها، وأن هذه المسؤولية تتأسس بناء على المخاطر التي يمكن أن تنجم عن أخذ اللقاح تنفيذًا لسيّاسة الدولة في مواجهة كورونا، ملتمسةً الحكم لها بتعويض مسبق مع إجراء خبرة طبية. 

وأدلى دفاع “الدولة” بمذكرة جوابية يلتمس رفض الطلب، موضحا بأن الحكومة وضعت بروتوكولا صحيا قبل انطلاق حملة التلقيح، يتضمّن مجموعة من الإجراءات التي يتعيّن اتّخاذها من طرف مراكز التلقيح قبل تطعيم المواطنين. كما وضعت رهن إشارتهم رقمًا أخضر من أجل طلب المساعدة في حالة ظهور أيّ أعراض عليهم بعد تلقّيهم جرعة التلقيح، ومن أجل تحميل الدولة المسؤوليّة عن أيّ تقصير لا بدّ من إثبات المدعية لاحترامها لكافة التدابير المذكورة في البروتوكول، وإثبات إخلال الإدارة بالالتزامات الملقاة على عاتقها، وأنّ ما تمسّكت به المدعية من إجبارية التلقيح لإثارة مسؤولية الدولة يعدّ مرفوضا لأنّ الأمر يتعلق بتدابير احترازيّة اتّخذتها الدولة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية. 

وقد استجابت المحكمة الإدارية الابتدائية لطلب المدعية وقضت بأداء الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ووزارة الصحة في شخص ممثلها القانوني تعويضا لها قدره 250 ألف درهم. 

أسباب الاستئناف 
استأنفت الدولة الحكم الابتدائي حيث أعابت عليه عدم مصادفته للصواب، لكون المحكمة استندتْ على نظرية المخاطر لإقرار مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن التلقيح بالرغم من عدم توفّر شروط هذه النظرية في القضية المرفوعة. كما أنّ الحكم الابتدائي استند للقول بوجود العلاقة السببيّة على تقرير خبرة جاءت معيبة. 

من جهتها استأنفت المدعية أيضا الحكم الابتدائي في شقه المتعلق بالتعويض حيث اعتبرته هزيلا بالنظر الى حالة الوهن الجسماني والإعياء التامّ الذي تعرّضت له منذ أبريل 2022، ملتمسةً رفع المبلغ الى 1.5 مليون درهم. 

موقف محكمة الاستئناف 
انطلقت محكمة الاستئناف في مناقشتها للقضية من تحليل الأساس الذي اعتمدته المحكمة الابتدائية في الحكم بالتعويض لفائدة المدعية عن الأضرار اللاحقة بها مضاعفات اللقاح، والذي انبنى على أساس نظرية المخاطر حيث ناقشت أركان المسؤولية الإدارية بناء على هذه النظرية ومدى صحة تطبيقها على القضية. 

أكدت المحكمة أن نظام المسؤولية الإدارية من دون خطأ يقوم على ثلاثة أسس وهي إما نظرية المخاطر، ومبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، ومبدأ التضامن الوطني، واعتبرت أنه لطالما تمّ تأطير الدعوى من طرف المدّعية في إطار نظرية المخاطر فإن المحكمة ملزمة بالبتّ في حدود طلبات الأطراف، ولا يجوز لها أن تغيّر تلقائيا موضوع أو سبب الطلبات، كما أنها تبت طبقا للقوانين المطبقة على القضية حتى لو لم يطلب الأطراف ذلك. وأوضحت المحكمة في هذا السياق أنّه “لا مجال لتطبيق نظرية المخاطر على القضية المرفوعة، لأن نشاط الدولة المتمثّل في تقديم اللقاحات لا يمكن وصفه بالأشياء الخطيرة”. وهو ما أكده الفقه الإداري الذي عرّف مسؤولية الإدارة بدون خطأ، في “الحالة التي تقوم المسؤولية غير التعاقدية على عنصر الضرر وبدون خطأ وترتبط بالأعمال المادية الخطرة والمشروعة للإدارة كالأشغال العمومية والأشياء الخطرة والتي لا مجال لتطبيقها على الأعمال القانونية للإدارة والتي قد تتسبب في حدوث أضرار لبعض المواطنين في سبيل تحقيق المصلحة”. 

من جهة أخرى، استندتْ المحكمة في مناقشة تقرير الخبرة الذي اعتمد عليها الحكم الابتدائي على: 
- تقارير منظمة الصحة العالمية التي “لم تجزم بصفة قطعية بأن مرض متلازمة غيلان سببه لقاح أسترازينيكا”، وإنما من أسبابه إما الإصابة بفيروس كوفيد أو تلقّي لقاح أسترازينيكا. وبالتالي ليس هناك قاعدة علميّة قارّة تؤكد نسبة متلازمة غيلان باري إلى هذا اللقاح، ما دام أن أعراض أيّ لقاح جديد ومن بينها اللقاحات التي أوصتْ منظّمة الصحّة العالميّة لا يمكن الحسم في أعراضها الجانبية بنسبة 100% إلا بعد مرور سنوات من التجارب وتتبّع الأشخاص الملقحين، كما أن “نتيجة التلقيح مرتبطة بحالة المريض ودرجة مناعة جسمه وتفاعله مع التلقيح”. 

- تقارير منظمة الصحّة العالمية حول لقاح أسترازينيكا والتي أكّدت أنّ هذا اللقاح “يعتبر فعّالا في حماية الأفراد من المخاطر بالغة الشدة لمرض كوفيد 19”. 

- الدراسة المعمّقة التي أنجزتها مديرية الأدوية التابعة لوزارة الصحة حول الآثار الجانبية للقاح المذكور والتي خلصت فيه إلى أنّ: “متلازمة غيلان باري غير واردة ضمن الأعراض الناجمة عن لقاح أسترازينيكا ولا ضمن موانع استعماله، كما أكدت أن هذه المتلازمة غير معروفة ولكن غالبا ما يسببها مرض معدي فيروسي أو بكتيري من قبيل عدوى الجهاز التنفسي أو الهضمي”. 

- الخبرة الطبية المنجزة بناء على أمر المحكمة خلال المرحلة الابتدائية تبين أنها لم تحسم بشكل قطعي في نسبة المرض اللاحق بالمدعية الى لقاح أسترازينيكا، إذ اقتصر دور الخبير على الاطلاع على الملف الطبي للمدعية وسرد حالتها الصحية منذ تاريخ تلقّيها اللقاح، وتفصيل آراء الأطباء الذين عالجوها، كما قام أيضا بفحصها سريريا وتوصيف حالتها بفقدان عضلة الوجه لقوتها واسترجاع ردّة الفعل وهي أعراض ما تزال تعاني منها، وأن الخلاصة التي انتهى اليها من نسبة الأعراض الى اللقاح المذكور استندتْ على البحوث العلمية من دون بيان مراجع هذه البحوث وما إذا كانت معتمدة من طرف منظمة الصحة، ممّا تبقى معه العلاقة السببية بين الضرر واللقاح منعدمة. 

وعليه خلصت محكمة الاستئناف إلى أن الحكم القضائي الذي استند على تقرير الخبرة الذي أكد بعد دراسته لعدد من الأبحاث العلمية أن ما أصيبت به المدعية كان نتاجا لتلقّيها لقاح أسترازينيكا يبقى غير صائب مما يتعيّن رفضه، لأن ” الأحكام القضائية يجب أن تبنى على اليقين وليس على الظنّ والتخمين”.