لم يكن البوليساريو هو الذي ندد بزيارة وزيرة الثقافة الفرنسية إلى العيون. وفي كل الأحوال، إذا فعل ذلك، فسيظل الأمر محصورا في محيط مخيمات تندوف.
بل إن وكيله وعرابه ومحاميه هو الذي يتولى هذا الأمر: الجزائر. إن فرنسا، وهي دولة ذات سيادة تملك زمام سياستها الخارجية، ترفض ان تتلقى الدروس من اي كان وبالأحرى من بلد
قتل بلا رحمة ولا شفقة أكثر من 200 ألف جزائري من أجل استمرارية نظام عسكري مستبد، على الرغم من رفضه من طرف الشعب عن طريق صناديق الاقتراع.
اليوم، مثل الأمس – ونحن لا نستغرب أبدا- يتجرأ عساكر الجزائر التدخل في شؤون السياسة الخارجية لدولة عظمى، عضو دائم في مجلس الأمن، وهو ما لم تفعله الجزائر عندما اعترف الرئيس ترامب بسيادة المملكة على كامل الصحراء. وهو أمر لم يفعله كذلك عساكر الجزائر أيضا عندما أعلنت الأغلبية الساحقة من الدول العربية رسميا الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية.
ويتجلى غضب الجزائر بشكل خاص تجاه فرنسا، لأن جارنا الشرقي لا يزال يعتبر نفسه إقليما فرنسيا سابقا، ينبغي أن يتقاسم مصالحه, في رأيه, مع البلد الأم. ولقد عبر عن هذا الطرح بوتفليقة حيث أغضبه الرؤساء الفرنسيون ، الذين يختارون ,بمجرد انتخابهم، وجهة المغرب عموماً في أول زيارة لهم إلى الخارج، في حين يرى أن مقاطعة فرنسا سابقا أولى ، وهي التي ارتبطت عضوياً بفرنسا.
الجزائر تنصب نفسها، أكثر من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قاضيا ومحاميًا شرسًا ووصيا على القانون الدولي، على حق الشعوب في تقرير مصيرها – أي تقرير المصير الذي يؤدي إلى الاستقلال-. دعونا نقيم الوضعية الحقوقية في هذا البلد. لقد اختارت الجزائر، عند استقلالها، الحزب الواحد الذي حظر على مدى ثلاثة عقود أية معارضة أو أي تعبير مخالف لرأي السلطة. وفي عام 1988، اختارت الجزائر، رغما عنها ، نظام التعددية الحزبية، الذي سرعان ما تم حظره، مما أدى اليوم إلى ظهور نظام الحزب الواحد في شكل جديد ، يرفض أي معارضة أو انتقاد. وبالتالي فإن الصحافة تتحدث بصوت واحد، مثل صحيفة برافدا (الحقيقة) السوفييتية ثم الروسية الشهيرة.
لقد قام "بطل حقوق الشعوب" بطرد 450 ألف مغربي من الجزائر عام 1975، الذين كانوا يعيشون سابقا في هذا البلد، للانتقام من الملك الحسن الثاني بعد الإعلان عن المسيرة الخضراء. ولم تعتذر الجزائر حتى الآن للضحايا ولم تقم بإصلاح الضرر. تم تنفيذ العملية ليلاً، وبالتالي تم إيقاظ عدة مئات منهم قسراً ونقلهم إلى الحدود، لمجرد كونهم مغاربة. وكما هو الحال اليوم، أغرقت الجزائر المنطقة المغاربية بالشعارات الشعبوية والشبه تقدمية، مثل "مغرب الشعوب"، التي دفع آلاف المغاربة ثمنها باهضا. لقد كان الجزائريون أنفسهم ضحايا هذا النظام الاستبدادي الذي قرر, بعد أن أغضبته نتائج انتخابات حرة وشفافة، تصفية أكثر من 200 ألف جزائري، من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خلال عشر سنوات، في ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب. إنه نفس النظام الذي وصفه الحراك الشعبي بـ ”القاتل والمجرم” الذي يحمل اليوم راية الدفاع عن الشعوب المضطهدة في العالم وعن حق الشعوب في تقرير مصيرها.
سياسة
الطيب دكار: الجزائر تنصب نفسها قاضيا وصيا على القانون الدولي
الطيب دكار، صحفي وكاتب