الأربعاء 5 فبراير 2025
خارج الحدود

حسن عبد الخالق: الأزمة المتجددة بين الجزائر ومالي.. هوس نظام العسكر بالتدخل فـي شؤون دول الجوار

حسن عبد الخالق: الأزمة المتجددة بين الجزائر ومالي.. هوس نظام العسكر بالتدخل فـي شؤون دول الجوار حسن عبد الخالق، سفير سابق
سلطت‭ ‬الأزمة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬مالي‭ ‬والجزائر‭ ‬أخيرا‭ ‬الضوء‭ ‬مجددا‭ ‬على‭ ‬عقيدة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدول‭ ‬الجوار‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭  ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬إضعاف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وتمكين‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بوهم‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬المحورية‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬مجرد‭ ‬أجرام‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭. ‬

ويزعم‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافل‭ ‬والمنتديات‭ ‬أن‭ ‬سياسته‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬جيرانه‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭  ‬وبلدان‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬يسلموا‭ ‬من‭  ‬تدخلاته‭ ‬ومن‭ ‬مخططاته‭ ‬لمحاولة‭ ‬ضرب‭ ‬استقرارهم‭  ‬وإخضاعهم‭ ‬للفتن‭. ‬
 
اعتبار‭ ‬مالي‭ ‬ملحقة‭ ‬بالجزائر
‭ ‬لقد‭ ‬سعى‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬جمهورية‭ ‬مالي‭ ‬وكأنها‭ ‬ملحقة‭ ‬به،‭ ‬يبيح‭ ‬لنفسه‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندته‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الطوارق‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري‭  ‬وتوجيه‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬،بما‭ ‬يخدم‭ ‬توجهاته‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬خصوصا‭ ‬عداءه‭ ‬لوحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية‭ ‬واتخذ‭  ‬من‭ ‬رئاسته‭ ‬لجنة‭ ‬متابعة‭ ‬تنفيذ‭ ‬اتفاق‭ ‬مسار‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام‭ ‬والمصالحة‭  ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬مطية‭ ‬لتصريف‭ ‬مخططاته،‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬أنها‭ ‬ضد‭ ‬مصلحة‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬وحدتها‭ ‬واستقرارها‭ ‬وستجعلها‭ ‬دائما‭ ‬تحت‭ ‬وصاية‭ ‬الجزائر‭.‬

وقبل‭ ‬سنة،‭ ‬انتفضت‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وقررت‭ ‬إنهاء‭ ‬العمل‭ ‬بشكل‭ ‬فوري‭ ‬باتفاق‭  ‬مسار‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام،‭ ‬متهمة‭ ‬الجزائر‭ ‬بالقيام‭ ‬بـ‭ ‬«أعمال‭ ‬عدائية»‭ ‬ضدها‭ ‬وعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭  ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الفصائل‭ ‬الأزوادية‭ ‬المسلحة،التي‭ ‬وصفتها‭ ‬بأنها‭ ‬إرهابية‭.‬

ورفض‭ ‬النظام‭  ‬الجزائري‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬وزير‭ ‬خارجيته‭ ‬أحمد‭ ‬عطاف،‭ ‬مجددا‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬القرار‭ ‬السيادي‭ ‬لجمهورية‭ ‬مالي‭ ‬بعدم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬اتفاق‭ ‬2015‭ ‬ووساطته،‭ ‬مؤكدا‭ ‬سعيه‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية‭ ‬بأن‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬وساطته‭ ‬والفصائل‭ ‬التي‭ ‬تتفاوض‭ ‬معها‭. ‬

وإزاء‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬،اتهمت‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬«الجزائر‮ ‬بالتواطؤ‭ ‬والقرب‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تزعزع‭ ‬استقرار‭ ‬مالي،‭ ‬والتي‭ ‬وفّرت‭ ‬لها‭ ‬الجزائر‭ ‬الملاذ‭ ‬والدعم،‭ ‬مع‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أنشطتها‭ ‬الإجرامية‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الماليين‭ ‬وسكان‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل»،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أن‭ ‬«النجاحات‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والأمنية‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬والضغط‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬على‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬لبعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الجزائريين،‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يتحسرون‭ ‬على‭ ‬ماضٍ‭ ‬ولّى»،‭ ‬معربة‭ ‬عن‭ ‬«قلقها‭ ‬البالغ‭ ‬إزاء‭ ‬استمرار‭ ‬بعض‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لمالي،‭ ‬بأسلوب‭ ‬يتسم‭ ‬بالوصاية‭ ‬والتعالي‭ ‬والاستخفاف»‭.‬

ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬سيغير‭ ‬نهجه‭ ‬ويحترم‭ ‬سيادة‭ ‬مالي،‭ ‬بل‭ ‬سيتمادى‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الفصائل‭ ‬الأزوادية‭ ‬التي‭ ‬يدعمها‭ ‬لتأزيم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المجاورله،‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬هيمنته‭ ‬عليه‭.‬
 
العدوان‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬المغرب
واكتوى‭ ‬المغرب‭ ‬أيضا‭ ‬بنار‭ ‬العدوان‭ ‬عليه‭ ‬ومحاولات‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬،منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭.‬

فقد‭ ‬استفاق‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أكتوبر‭ ‬1963‭ ‬على‭ ‬خبر‭ ‬اعتداء‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬مركزين‭ ‬في‭ ‬حاسي‭ ‬البيضا‭ ‬وتينجوب‭ ‬المغربيين،‭ ‬ووجد‭ ‬المغرب‭  ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استنفذ‭ ‬سبل‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬بن‭ ‬بلة،‭ ‬أمام‭ ‬خيار‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أرضه‭ ‬وصد‭ ‬عدوان‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬مما‭ ‬شكل‭ ‬عقدة‭ ‬للنظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬البادئ‭ ‬بتلك‭ ‬الحرب،‭ ‬ليغطي‭ ‬على‭ ‬الانقسامات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعانيها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬ويتهرب‭ ‬من‭ ‬تسوية‭ ‬مشكلة‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭.‬

وعبر‭ ‬المغرب‭ ‬عن‭ ‬أمله‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬البلدين‭ ‬معاهدة‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يونيو‭ ‬1972،‭ ‬لكن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬كان‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬أخرى‭ ‬عليه،‭ ‬بمحاولة‭ ‬الإضرار‭ ‬باستقرار‭ ‬مؤسساته‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬أقاليمه‭ ‬الصحراوية‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسباني‭  ‬ومحاولته‭ ‬بدون‭ ‬جدوى‭ ‬محاصرته‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬وحرمانه‭ ‬من‭ ‬امتداده‭ ‬الإفريقي‭. ‬

وتدخل‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للمغرب‭ ‬باحتضانه‭ ‬مجموعة‭ ‬مغربية‭ ‬مسلحة‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬أحداث‭ ‬مولاي‭ ‬بوعزة‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مارس‭ ‬1973،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إفشال‭ ‬هدفها‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬استقرار‭ ‬البلاد‭ ‬،علما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬بومدين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يخفي‭ ‬عداءه‭ ‬للمغرب‭ ‬ولنظامه‭ ‬الملكي‭. ‬

وأقدم‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭  ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭  ‬ومحاولة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬الداخلية،‭ ‬بوقوفه‭ ‬وراء‭ ‬تأسيس‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬«الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الريفي»‭ ‬وفتح‭ ‬تمثيلية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الجزائر،‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬«مكتب‭ ‬تمثيلية‭ ‬الريف‭ ‬بالجزائر»‭.‬

وقبل‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الفاشلة،‭ ‬حاول‭ ‬النظام،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهاز‭ ‬مخابراته‭ ‬الخارجية،‭  ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2017‭ ‬بدون‭ ‬جدوى‭ ‬توظيف‭ ‬حراك‭ ‬الريف‭ ‬بإعطائه‭ ‬بعدا‭ ‬سياسيا‭ ‬،لخدمة‭ ‬أجندته‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬المغرب‭ ‬وضرب‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭.‬

وبموازاة‭ ‬دعمه‭ ‬تفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية،‭ ‬اعتبر‭ ‬النظام‭ ‬حركة‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬«حركة‭ ‬الماك»‭ ‬تنظيما‭ ‬إرهابيا،‭ ‬مما‭ ‬فضح‭ ‬ازدواجية‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭  ‬مبدأ‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭. ‬

وقابل‭ ‬المغرب‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬العدواني،‭ ‬ملتزما‭ ‬بفضيلة‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭ ‬وبعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للجزائر‭. ‬وتجلى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬النبيل‭ ‬في‭ ‬خطاب‭   ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬عيد‭ ‬العرش‭ ‬لسنة‭ ‬2021،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬«أنا‭ ‬أؤكد‭ ‬هنا‭ ‬لأشقائنا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬بأن‭ ‬الشر‭ ‬والمشاكل‭ ‬لن‭ ‬تأتيكم‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬يأتيكم‭ ‬منه‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬أو‭ ‬تهديد؛‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يمسكم‭ ‬يمسنا،‭ ‬وما‭ ‬يصيبكم‭ ‬يضرنا»‭.‬

وكشفت‭ ‬التصريحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للرئيس‭ ‬تبون‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬أحمد‭ ‬عطاف‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬للعزلة‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬الإقليمي‭ ‬،لا‭ ‬يزال‭ ‬يمني‭ ‬نفسه‭ ‬بمواصلة‭ ‬محاولاته‭ ‬اليائسة‭ ‬للمس‭ ‬بحق‭ ‬المغرب‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬بسط‭ ‬سيادته‭ ‬على‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية‭.‬
 
التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬موريتانيا
وتدخل‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬موريتانيا،‭ ‬لتطويع‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تنفيذ‭ ‬أجندته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لمحاولة‭ ‬منع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬استكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭ ‬وحرمانه‭ ‬من‭ ‬امتداده‭ ‬الإفريقي‭ ‬وتمكين‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬منفذ‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭.‬

ولم‭ ‬يستسغ‭ ‬النظام‭ ‬اللقاء‭ ‬الأخير‭ ‬بين‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬والرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني،‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬ثمنا‭ ‬التطور‭ ‬الإيجابي‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬الشراكة‭ ‬المغربية‭  ‬الموريتانية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬وأكدا‭ ‬حرصهما‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مشاريع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للربط‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الجارين،‭ ‬وتنسيق‭ ‬مساهمتهما‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬الإفريقي‭ ‬–‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ومبادرة‭ ‬تسهيل‭ ‬ولوج‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭.‬

وربطت‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مبادرة‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬المغرب،‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬قيادات‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬باكتشاف‭ ‬مخطط‭ ‬جزائري‭ ‬لزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬موريتانيا،‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬سوابق‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬تعمد‭ ‬فيها‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬استخدام‭  ‬لغة‭ ‬التهديد‭ ‬والقوة‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭  ‬تنفيذ‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬الأسبق‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭  ‬في‭ ‬1974‭  ‬تهديده‭ ‬ضيفه‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬الراحل‭ ‬المختار‭ ‬ولد‭ ‬داده‭ ‬في‭ ‬بشار،‭ ‬بشن‭ ‬عدوان‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬بلاده‭ ‬،إذا‭ ‬ما‭ ‬واصل‭  ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء،‭  ‬بإرساله‭ ‬في‭  ‬يونيو‭ ‬1976‭ ‬الألاف‭ ‬من‭ ‬جنوده‭ ‬ومقاتلي‭ ‬البوليساريو‭ ‬لشن‭ ‬هجمات‭ ‬برية‭ ‬على‭ ‬موريتانيا‭ ‬،مواصلا‭  ‬الاعتداءات‭ ‬العسكرية‭ ‬عليها‭ ‬،إلى‭ ‬غاية‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬ولد‭ ‬داداه‭ ‬في‮ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‮ ‬في‭ ‬1978،‭ ‬وحمل‭ ‬قادة‭ ‬الانقلاب‭  ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بجمهورية‭ ‬الوهم‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬غشت‭ ‬1979.‬

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬تدخل‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الموريتاني،‭ ‬أن‭ ‬سفارته‭ ‬في‭ ‬نواكشوط‭ ‬طالبت‭ ‬أخيرا‭ ‬الحكومة‭ ‬بإغلاق‭ ‬صحيفة‭ ‬إلكترونية‭ ‬لا‭ ‬يرضيها‭ ‬خطها‭ ‬التحريري‭.‬

وسبق‭  ‬للصحفيين‭ ‬الموريتانيين‭  ‬أن‭ ‬نددوا‭ ‬بتدخل‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬نواكشوط‭  ‬في‭  ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬،في‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي‭ ‬الموريتاني‭ ‬بعد‭ ‬اتهامها‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لها‭  ‬مواقع‭ ‬إعلامية‭ ‬بالارتزاق‭ ‬،مدعية‭ ‬أنها‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬محاباة‭ ‬بلد‭ ‬«معاد»‭ ‬«أي‭ ‬المغرب»‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التعاون‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬نواكشوط‭ ‬والجزائر‭.‬

وانتفض‭ ‬الصحفيون‭ ‬الموريتانيون‭ ‬لكرامتهم،‭ ‬معتبرين‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لرابطتهم‭ ‬إن‭ ‬«محاولة‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الموريتانية‭ ‬واحتقارها‭ ‬واستعبادها‭ ‬لتخدم‭ ‬أجندتها‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬كونها‭ ‬محاولة‭ ‬مضحكة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للسخرية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تكشف‭ ‬وجهًا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬السفارة،‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق،‭ ‬ويستدعي‭ ‬منا‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر»‭.‬

واستحضر‭ ‬الصحفيون‭ ‬الموريتانيون:‭ ‬في‭ ‬بيانهم‭ ‬الأذى‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬بلادهم‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬بقولهم‭ ‬«إننا‭ ‬كموريتانيين‭ ‬نحترم‭ ‬الجزائر‭ ‬ونحب‭ ‬شعبها‭ ‬الطيب‭ ‬والأبي،‭ ‬لما‭ ‬يجمعنا‭ ‬من‭ ‬روابط‭ ‬الدم‭ ‬والقربى‭ ‬والتاريخ‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬حافل‭ ‬بالطعنات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬حكامها‭ ‬وعسكرها،‭ ‬وتنظيماتها‭ ‬العابرة‭ ‬للصحراء»‭.‬

وعبرت‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬في‭ ‬نواكشوط‭ ‬عن‭ ‬قلقها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬التدخل‭ ‬الجزائري‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬خطير‭ ‬بتفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني‭ ‬،علما‭ ‬أن‭ ‬سبق‭ ‬لرئيس‭ ‬حزب‭ ‬التحالف‭ ‬الشعبي‭ ‬التقدمي‭ ‬الموريتاني‭ ‬مسعود‭ ‬ولد‭ ‬بولخير‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬للبرلمان،‭ ‬أن‭ ‬حذر‭  ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لوكالة‭ ‬«الأخبار»‭ ‬المستقلة‭ ‬الموريتانية‭ ‬،في‭ ‬غشت‭ ‬2021،‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬البوليساريو‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬فى‭ ‬موريتانيا‭ ‬،لإعلانه‭ ‬انفصال‭ ‬الشمال‭ .‬

ولوحظ‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الجزائري‭  ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬الاتهام‭ ‬الموجه‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬الموريتاني،‭ ‬في‭  ‬موضوع‭ ‬حساس‭ ‬يهم‭ ‬نواياه‭ ‬إزاء‭ ‬موريتانيا‭ ‬ووحدتها‭ ‬الترابية‭.‬
 
أجندة‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬تونس
وسعى‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬التونسي،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬2011،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإضعاف‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬ومنع‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬،قد‭ ‬يشكل‭ ‬نقيضا‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الاستبداد‭ ‬وعلى‭ ‬تحكم‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬فيه‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬أحمد‭ ‬نجيب‭ ‬الشابّي،‭ ‬رئيس‭ ‬جبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬«أكبر‭ ‬تكتّل‭ ‬معارض‭ ‬في‭ ‬تونس»،‭ ‬دعا‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبّون‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬التونسي،‭ ‬قائلا‭ ‬لوسائل‭ ‬إعلام‭ ‬محلية‭ ‬«نطلب‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬أن‭ ‬تراعي‭ ‬قواعد‭ ‬الأخوة‭ ‬وأن‭ ‬تحترم‭ ‬مشاعر‭ ‬التونسيين‭ ‬وألا‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬شأنهم‭ ‬الداخلي»‭.‬

كما‭ ‬هاجم‭ ‬منصف‭ ‬المرزوقي،‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬الأسبق،‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ ‬«دائما‭ ‬وأبدا‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬تونس‭ ‬ويسعى‭ ‬لدوام‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬فيها،‭ ‬وهو‭ ‬يحميها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬في‭ ‬الجزائر»‭.‬

وحاول‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لتونس‭ ‬مسايرة‭ ‬لتوجهاته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وفي‭ ‬صلبها‭ ‬محاولة‭ ‬الإضرار‭ ‬بالمغرب‭ ‬ووحدته‭ ‬الترابية‭. ‬وتجلى‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الانفصالي‭ ‬إبراهيم‭ ‬غالي‭ ‬في‭ ‬غشت‭ ‬2022،‭ ‬بمناسبة‭ ‬احتضان‭ ‬تونس‭ ‬قمة‭ ‬تيكاد‭ ‬للتعاون‭ ‬الياباني‭ ‬الإفريقي‭ ‬،مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وتونس‭ ‬،سعى‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬لها،‭ ‬لضرب‭ ‬أواصر‭ ‬الأخوة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وخدمة‭ ‬سياسته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬،القائمة‭ ‬على‭ ‬زرع‭ ‬التفرقة،‭ ‬لبسط‭ ‬هيمنته‭. ‬
 
التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬ليبيا
وعلى‭ ‬حدود‭ ‬الجزائر‭ ‬الشرقية‭ ‬أيضا،‭ ‬تدخل‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لليبيا،‭ ‬بدعمه‭ ‬أحد‭ ‬طرفي‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية،‭ ‬ملوحا‭ ‬قبل‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭  ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬لمنع‭ ‬سقوط‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس،‭ ‬ووصف‭ ‬المشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬،بقائد‭ ‬مليشيات،‭ ‬ساعيا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬وساطة‭ ‬المغرب‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬لتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬فرقاء‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬لقاءات‭ ‬الصخيرات‭ ‬وبوزنيقة،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مصلحة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬ليبيا‭ ‬عافيتها‭ ‬ووحدتها‭ ‬وقيام‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬توجهاته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

ومما‭ ‬سبق،‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬مهووس‭ ‬بنزعة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدول‭ ‬الجوار‭ ‬ويرفض‭ ‬قيام‭ ‬علاقات‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬احترام‭ ‬سيادتها‭ ‬والتكافؤ‭ ‬والمساواة‭ ‬وخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬وتحويل‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والساحل‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬للتعاون‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭. ‬