الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: تباشير صبح إنصاف الأسرة

إدريس الأندلسي: تباشير صبح إنصاف الأسرة إدريس الأندلسي
طغى العنف القانوني على توازن الأسرة لعقود ولقرون مضت. يعود البعل الذكر والمسمى، في كثير من الأحيان مغالطة بالرجل، إلى البيت كما دخل هتلر على كثير من دول أوروبا وهو في حالة غير عادية. يصب جام غضبه على من وصفها، البعض، بأنها ناقصة عقل ودين، ونسبوها إلى نبي قيل أنه أوصى صحابته وأمته بأن يأخذوا نصف دينهم عن زوجته عائشة التي وصفها بالحميراء. تشرد أطفال ودمرت نساء وتضرر مجتمع بسبب غياب إنصاف لدور المرأة. بارك كبار القوم سلطة الذكر ونسوا أنهم أبناء لأم وإخوان لسيدة وآباء لبنات.
 
وضع المغرب قانونا للأحوال الشخصية في السنوات الأولى للاستقلال. حاول منتجو هذا القانون تنظيم العلاقات الزوجية في ظل منظومة فقهية لم تأخذ بعين الاعتبار أي انفتاح مجتمعي وثقافي واقتصادي قبل عقود من حاضرنا في القرن الواحد والعشرين. وقد ساهم في صياغة هذا القانون غير المنصف رجال دولة متفقهون من أمثال علال الفاسي وغيره ممن لهم مشروع مجتمع جديد منعتق من نير الاستعمار. وهكذا استمر الظلم مستشريًا في بناء وهدم الأسرة بسهولة دنيئة وبإرادة لا دور فيها للمرأة الأم ولأبنائها. يقرر الذكر ما يشاء ويبعث بورقة إلى الزوجة معلنًا نهاية عهد وعقد وحياة أسرية. تصل تلك "الورقة" إلى الزوجة دون تفعيل لأي مبدأ يضمن العدالة والإنصاف. وفي نفس اليوم يدخل الذكر، المسمى تجاوزًا رجلاً، بامرأة أخرى بينما يفرض على الضحية المطلقة انتظار شهور قبل أن يتم السماح لها، إن استطاعت، بناء أسرة جديدة مع بعل جديد.
 
وظل قانون الأحوال الشخصية مهيمنا على إعادة إنتاج كل أنواع الظلم الأسري إلى غاية سنة 2004. لا يمكن فصل تفاقم الظلم المجتمعي ووضعية هشاشة النساء ومظاهر أخرى تخص تمدرس الأطفال والولوج إلى المرافق العمومية وإلى العدالة وأشياء مهمة وكثيرة تؤثر في سيكولوجية كل مكوناتها، عن وضعية قانونية غير منصفة لأكثر من نصف المجتمع. تزاحمت الحركات الحقوقية والنسائية لتوصل صوت النساء إلى ملك يؤمن بالقيم الإنسانية ويشجب كل ظلم يعطل إيقاع وصول المغرب إلى مصاف الدول الصاعدة المؤمنة بحقوق الإنسان وبالعدالة الانتقالية وببناء مجتمع العدالة الاجتماعية والإنسانية.
 
وخرج القانون المؤطر لمدونة الأسرة في حلة جديدة حاولت أن تغطي كل أوجه غياب العدالة داخل الأسرة. تم تضمين هذا القانون كثيرًا من المبادئ التي تضمن مساواة في التعامل بين دور الرجل والمرأة داخل مؤسسة الأسرة. ورغم أن التطبيق المرغوب للمقتضيات القانونية حصل في القرن الواحد والعشرين، إلا أن الواقع حكم على توازن الأسرة بإلقائها في مستنقع الهشاشة. يقرر "الذكر" الطلاق ويجد في مدونة الأسرة كل الوسائل التي تسهل عليه فك الارتباط بأقل "الخسائر".
 
لم تحسم مدونة الأسرة في التكلفة المالية للطلاق والتطليق. لم تضع المدونة أي مقاييس لتنفيذ مقررات القاضي في مجال النفقة ولا في تدقيق وضعية الرجل الذكر. تجد النساء كثيرًا من العراقيل للولوج إلى المرفق العمومي المكلف بالعدالة. يقرر القاضي، بعد جلسات التصالح، النطق بالطلاق دون أية ضمانات حقيقية وأية مقاييس لتحديد حجم ومستوى النفقة في ارتباطها مع المستوى المالي والاجتماعي لمن قرر إنهاء صلاحية عقد الزواج.
 
ظهر بالملموس أن أحكام القضاء في قضايا الأسرة تبنى على السلطة التقديرية للقاضي. وهكذا تجد المرأة نفسها أمام حائط صلب وكبير اسمه "الولوج إلى المعلومة". يصبح ذلك الميليادير، أو ميسور الحال، مجرد إنسان لا يمتلك شيئًا ولا قدرة له على تحمل نفقة لتغطية تكلفة استمرار تمدرس الأطفال. وحين تريد الزوجة البحث عن ثروة زوجها السابق تصطدم بالمساطر المعقدة وبضرورة الحصول على أمر قضائي للإتيان بالبينة للتدليل على ثروات الزوج الذكر. وهكذا تصبح بنود القانون سدا أمام تحقيق العدل. وهكذا ظهرت معيقات لصيانة حقوق المرأة في عدة مجالات.
 
لا يمكن لعاقل أن ينفي تراجع بنية الأسرة كموكن مجتمعي. وقد بين إحصاء السكان والسكنى الذي تم قبل شهور أن معدل الخصوبة في تراجع، وأن بنية الأسرة تحتاج إلى سياسة عمومية تضمن استمراريتها. تبين بالملموس أن المحاكم لم تعد مؤسسة لضمان تصفية عادلة لحفظ مستقبل أطفال وأم. من لا يربط مؤسسة الأسرة بالاقتصاد وبالتنمية المجتمع، لا يفقه شيئا فيما يتعلق بدور الأسرة في بناء المجتمع. تسلل المتربصون بحقوق المرأة داخل مؤسسة الأسرة إلى النقاش المجتمعي لكي ينفثوا سمومهم لتدمير كل ما ينتج عن الزواج من ذوي حقوق وواجبات في مجالات المتمدرس والتكوين وبناء مستقبل أطفال لا ذنب لهم في نتائج سلوك غير مسؤول من قرر الزواج وقرر الطلاق واستعان بكل الوسائل للرمي بضحاياه في مستنقع الهشاشة.
 
قبل سنتين، كلف ملك البلاد لجنة للعمل على إصلاح مدونة الأسرة. وقد كانت الإرادة الملكية عاملاً أساسيًا في الاستجابة العادلة والمسؤولة لإطلاق مسلسل إصلاح الإطار القانوني للحفاظ على الأسرة بكافة مكوناتها. يتذكر كل المتابعين ذلك الزخم الفكري الذي خلقه مسلسل إخراج المدونة سنة 2004. كلف صاحب الجلالة الأمين العام السابق لحزب الاستقلال الأستاذ امحمد بوستة لصنع توافق حول الإصلاحات القمينة بتغيير واقع تطبعه مظاهر لا تليق بمغرب تواق إلى مراتب أعلى في التنمية والتقدم المجتمعي المنصف للمرأة والرجل. ولكن الواقع لا يرتفع. وهكذا تدحرج واقع الأسرة لكي يقع في مستنقع مسارات معقدة لإنصاف الأسرة.
 
تحول البحث على الحلول القضائية إلى رحلة طويلة ومكلفة. يقرر الزوج الزج بأسرته في مسار طويل من الإجراءات، ولا يوجد أي مسار سهل يريح الزوجة من صعوبة مسار التقاضي الطويل والمجهد. ويتم الطلاق ولا ينتهي السبيل إلى الحق في تحديد مستوى نفقة عادل. لا يضمن القضاء أية وسيلة لتحديد النفقة اللازمة وتظل المطلقة مثقلة بالإتيان بكل وسائل إثبات مستوى دخل الزوج. وهكذا نجد عدة حالات يحدد فيها القضاء شروطًا غير مقنعة لتحديد مستوى دخل ملياردير أو ميسور وتقرير مبلغ النفقة لا يخضع لأي مقياس موضوعي. الأمر يزداد استفحالًا حين تكون الزوجة لا تمتلك القدرة على سلك درجات وتكلفة التقاضي. وهكذا ضاعت حقوق الأسرة وتوقف أطفال عن التمدرس وعن السكن في ظروف تضمن لهم كرامة وعيشًا كريمًا.
 
تكاثرت حالات الظلم الناتج عن تطبيق غبي لمقتضيات مدونة الأسرة خلال عشرين سنة. استمر تزويج القاصرات وتزايدت حالات الطلاق بشكل كبير. وظل الإطار القانوني لتقنين ما بعد الطلاق بعيدًا عن المقاييس الموضوعية لضمان توازن تفكك الرابطة الأسرية. يقرر الزوج، في أغلب الحالات، فك الروابط الأسرية ولا تحد من رغباته أية قوانين ولا أنظمة يطبقها، في الأغلب، القاضي في ظل فراغ يعطيه سلطة تقديرية ذات آثار كبيرة على مستقبل زوجة وأطفالها. عاشت كثير من النساء تجارب إنسانية صعبة. تزوج الرجل غداة النطق بالحكم بالطلاق وخضعت الزوجة لحكم يمنعها من الزواج إن هي أرادت إعادة بناء مستقبلها. فليتزوج الذكر مثنى وثلاث ورباع وليهنئ بإعادة الحضانة له بعد زواج مطلقته بواحد فقط. إنه ظلم لا يقبله أي إنسان حيثما وجد.
 
قبل شهور تحرك المحامي الأكبر عن الأسرة في مغرب اليوم. حركته القيم الإنسانية التي تسكن أعماقه منذ طفولته وشبابه، وصولا الى تقلده أعباء الأمانة الكبرى. إنه الملك محمد السادس الذي يريد أن يسود العدل بناء الأسرة وبناء المجتمع وبناء مغرب الأجيال المقبلة في ظل مبادئ وطموح وتقاليد ومرجعية دينية منفتحة تبني ولا تهدم.