الأربعاء 15 يناير 2025
كتاب الرأي

مراد علمي: زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى المغرب.. رمز الشراكة الاستراتيجية الناجحة (2)

مراد علمي: زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى المغرب.. رمز الشراكة الاستراتيجية الناجحة (2) مراد علمي
أما الرئيس شي جين بينغ، فهو ليس غريبا على المغرب، عندما كان مسؤولا كبيرا في حكومة الجهة الشرقية الساحلية جيجيانغ (64 مليون نسمة، الناتج المحلي الإجمالي: 1,2 تريليون دولار أمريكي، دخل الفرد: 17 ألف دولار أمريكي) التي شهدت نموا اقتصاديا مبهرا بلغ حوالي 14% تحت قيادته، قاد وفداً رفيع المستوى إلى المغرب عام 2006؛ وهي الزيارة التي تركت انطباعا إيجابيا وكبيرا عليه. وهذا ليس بالغريب بتاتا حيث تسمى المملكة المغربية ب "حديقة شمال إفريقيا". وجميع الصينيين لهم علاقة حميمية بالحدائق والزهور، يمكن ذكر مدينة "سوجو" التي ظهرت فيها الحدائق خلال القرن السادس قبل الميلاد، ولا توجد أي مدينة في الصين بدون حديقة أو حدائق ومساحات خضراء، وهذه الثقافة ضاربة في القدم.  
 
رغبة إنشاء شراكة استراتيجية للعاهل المغربي مع الصين الشعبية ليست بجديدة. حيث شهدت سنة 2013 انطلاق أولى اللقاءات لهذا التعاون المتقدم، الذي استلهمه جلالة الملك، معربا عن رغبته في تفعيل هذه المبادرة خلال لقائه مع وزير الشؤون الخارجية الصيني، السيد وانغ يي بالرباط. وفي هذا السياق بالذات، أراد السيد شي جين بينغ أن يشكر المغرب خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك في عام 2016 على تثمين ودعم القضايا الرئيسية المتعلقة بالمصالح الأساسية للصين. 

وبالأخص سياسة الصين الواحدة التي تشدد على أنه لا توجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تحمل اسم الصين، كما هو الحال بالنسبة للمملكة المغربية ووحدته الترابية وسيادته على كامل أراضيه. وزيارة الرئيس شي جين بينغ، مهما كانت قصيرة، تندرج في إطار الصداقة والتضامن والاحترام المتبادل الذي يربط البلدين.
 
لم يفت ولي العهد مولاي الحسن أن يشكر الصين التي دعمت جهود المملكة للتخفيف من المشاكل المرتبطة بكوفيد مع إرسال المعدات الطبية اللازمة واللقاحات المناسبة؛ إنها لحظة حاسمة اكتشف فيها المغرب حقا التضامن الحقيقي وفعالية المسؤولين الصينيين. لن ينسى المغاربة أبدًا ذهاب وعودة طائرات الخطوط الجوية الملكية المغربية المتوجهة إلى الصين، والتي تم تعبئتها بموجب التعليمات السامية لجلالة الملك من أجل ملئها بالمعدات الطبية بغية الحد من الأزمة الصحية.
 
وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب الجلالة محمد السادس عام 2016، أشار شي جين بينغ أيضا إلى تعزيز التبادلات الثقافية والتعليم والسياحة، معربا عن أمله في رؤية إنشاء المركز الثقافي الصيني في المغرب يوما ما؛ وهو ما حدث بالفعل في الرباط والذي عزز للتو معاهد كونفوشيوس الثلاثة الموجودة على الأراضي المغربية (الرباط والدار البيضاء وطنجة). ويجب أن نتذكر أن التعاون الثنائي الصيني المغربي يغطي مجموعة واسعة من القطاعات: السيارات، السياحة، الثقافة، الاقتصاد، الاتصالات، الطاقات المتجددة، الصناعة، الاستثمارات، المناجم، الأمن الغذائي. ويواصل شي جين بينغ إيلاء أهمية كبيرة للعلاقات مع رؤساء الدول العربية والأفريقية، التي يصفهم باستمرار بأنهم "أصدقاء وشركاء جيدون للصين" كما يسلط الضوء باستمرار على التبادلات الثقافية، هذه القوة الناعمة التي تلعب بجانب الاقتصاد والاستثمارات دورا استراتيجيا مهما قصد تنمية وتطوير وتعميق العلاقات بين البلدين.   
 
حيث يُنظر إلى الثقافة في الصين كمحفز، وأداة وناقل أساسي للسلام والوئام، وهذا هو حال الرئيس شي جين بينغ الذي لا يتوقف أبدًا عن الحديث عن تكثيف التبادلات الثقافية، لأنها هي التي تعزز أواصر الصداقة والتعاون والتضامن بين البلدين والشعوب. والتعاون بين المملكة المغربية والصين الشعبية جلي، حيث أسفرت هذا الشراكة الإستراتيجية عن مشاريع ملموسة وواقعية. على سبيل المثال يمكن لنا أن نذكر بعض المشاريع الرائدة: في قطاع النسيج لشركة "سان رايز"، الشركة العملاقة "كوتيون" التي ستستثمر تقريبا 13 مليار درهم في صناعة بطاريات كهربائية في القنيطرة، ونفس الشيء بالنسبة للمجموعتين "هاليانج" و"شينزوم" اللتان ستقومان بتصنيع بطاريات كهربائية مع شركاء مغاربية في شمال المغرب، حيث ستصل الاستثمارات 9.1 مليار درهم، ناهيك عن المجموعة الصينية "سيتيك ديكاستال"، الرائدة عالميا في مجال قولبة الألمنيوم وقطاع الغيار من الألمنيوم، والتي افتتحت المصنع الثالث بالقنيطرة، بينما ستبلغ الاستثمارات الاجمالية 3.5 مليار درهم. كما تساهم مجموعة صينية في بناء "مدينة محمد السادس ـ طنجة تيك" بحصة بلغت %30، يضاف إلى ذلك مختلف المشاريع التي تم تنفيذها أو في طور التنفيذ في مجال البنية التحتية وخطوط السكك الحديدية والطاقات المتجددة ومحطة تحلية مياه البحر والاتصالات وغيرها. إن التعاون الصيني المغربي متعدد القطاعات والأبعاد، غني ومتنوع، وكل ما يخدم هذه الشراكة الاستراتيجية والتبادل والتعاون فهو أمر مرغوب فيه والحل النموذجي قصد الازدهار الاقتصادي، الصناعي والثقافي للبلدين.