Thursday 26 June 2025
مجتمع

العزوزي: العرض الوطني للتخييم في أزمة.. والدولة تتجاهل الجمعيات التربوية الجادة

العزوزي: العرض الوطني للتخييم في أزمة.. والدولة تتجاهل الجمعيات التربوية الجادة سعيد العزوزي، نائب رئيس اتحاد المنظمات التربوية
يسلّط‭ ‬سعيد‭ ‬العزوزي،‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الشعلة‭ ‬ونائب رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬التربوية،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أعطاب‭ ‬المنظومة‭ ‬التخييمية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬موجهًا‭ ‬نقدًا‭ ‬صريحًا‭ ‬لسياسات‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب‭ ‬التي‭ "‬أغلقت‭ ‬باب‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الجمعيات‭ ‬الجادة‭"‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬
العزوزي‭ ‬يكشف‭ ‬بالأرقام‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬مقلق‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين،‭ ‬ويحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬لما‭ ‬يعتبره‭ "‬غياب‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬وشراكة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬عادلة‭"‬،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمخيمات‭ ‬كرافعة‭ ‬للتنشئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لا‭ ‬كخدمة‭ ‬موسمية‭ ‬هامشية‭. ‬كما‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إصلاح‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬مساءلة‭ ‬شفافة،‭ ‬وإخراج‭ ‬تقرير‭ ‬المهمة‭ ‬البرلمانية‭ ‬من‭ ‬الأدراج،‭ ‬وتطهير‭ ‬الحقل‭ ‬الجمعوي‭ ‬من‭ "‬المتحولين‭ ‬والانتهازيين‭" ‬الذين‭ ‬يسيئون‭ ‬لصورة‭ ‬الفاعل‭ ‬التربوي‭ ‬الحقيقي‭.‬
 
 
كيف‭ ‬تقيم‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬لموسم‭ ‬2025؟‭ ‬هل‭ ‬لبّى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬انتظارات‭ ‬الجمعيات‭ ‬والفاعلين‭ ‬التربويين؟
من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تقييم‭  ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬لهذا‭ ‬الموسم‭  ‬يبقى‭ ‬كسابقه‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التطلعات‭ ‬والرهانات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬الجمعيات‭ ‬التربوية‭ ‬ولا‭ ‬يستجيب‭ ‬حتى‭ ‬للحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬انتظارات‭ ‬الفاعلين‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬التربوي‭. ‬فالمعطيات‭ ‬الميدانية‭ ‬تؤكد‭ ‬تراجعا‭ ‬مقلقا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العرض،‭ ‬حيث‭ ‬انخفض‭ ‬الحصيص‭ ‬المخصص‭ ‬للجمعيات‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2400‭ ‬مستفيد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭  ‬قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭  ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬800‭‬فقط‭ ‬داخل‭ ‬فضاءات‭ ‬وزارة‭ ‬الشباب،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬لا‭ ‬حجم‭ ‬العمل‭ ‬القاعدي‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬ولا‭ ‬الطموح‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬استفادة‭ ‬أوسع‭ ‬لأطفال‭ ‬ويافعي‭ ‬وشباب‭ ‬الجمعية،‭ ‬الذين‭ ‬لهم‭ ‬كامل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بعطلة‭ ‬تربوية‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الفئات‭ ‬التي‭ ‬نشتغل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬وأطفال‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬يعيشون‭ ‬ظروفا‭ ‬اجتماعية‭ ‬قاسة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يعرفه‭ ‬مغرب‭ ‬اليوم‭.‬
 
‬في‭ ‬نظرك‭ ‬ماهي‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬لهذا‭ ‬التراجع؟
هذا‭ ‬التراجع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬أوسع‭ ‬و‭ ‬رؤية‭ ‬شمولية‭ ‬للسياسات‭ ‬القطاعية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬التي‭  ‬تعكس‭ ‬اختلالا‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬القطاعية‭ ‬تجاه‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬ومشتقاته،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعديد‭ ‬البرامج‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬أتبت‭ ‬الواقع‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬فرقعات‭ ‬إعلامية‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التربوي‭ ‬ببلادنا‭  ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬إغلاق‭ ‬السيد‭ ‬الوزير‭  ‬لباب‭ ‬الحوار‭ ‬الجاد‭ ‬والمسؤول‭ ‬مع‭ ‬الجمعيات‭ ‬التربوية‭ ‬الجادة‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬تنهج‭ ‬سياسة‭ ‬الأذن‭ ‬الصماء‭ ‬متجاهلة‭ ‬صوت‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬صمام‭ ‬أمان‭ ‬لاستمرار‭ ‬فضاءات‭ ‬التخييم‭ ‬ومراكز‭ ‬الاستقبال‭ ‬ودور‭ ‬الشباب‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الاستقلال‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭... ‬وهي‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬طيلة‭ ‬السنة‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬ومندمج‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الفضاءات‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬ومن‭ ‬الفضاءات‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬الفضاءات‭ ‬السوسيوتربوية‭ ‬لتتوج‭ ‬موسمها‭ ‬التربوي‭ ‬بتنظيم‭ ‬مخيمات‭ ‬الأطفال‭ ‬وملتقيات‭ ‬اليافعين‭ ‬والجامعات‭ ‬الشبابية‭  ‬وهي‭ ‬جمعيات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬وظيفتها‭ ‬على‭ ‬التنشيط‭ ‬المناسباتي،‭ ‬بل‭ ‬تلتزم‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬تربوي‭ ‬متكامل،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬قيم‭ ‬الحرية،‭ ‬والإبداع،‭ ‬والتعايش،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬والتضامن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنشطة‭ ‬فنية‭ ‬وتعبيرية‭ ‬وتربوية‭ ‬متنوعة:‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭ ‬والمسرح‭ ‬والسينما‭ ‬والتشكيل،‭ ‬إلى‭ ‬الرحلات‭ ‬والخرجات‭ ‬الاستكشافية،‭ ‬ومن‭ ‬الورشات‭ ‬اليدوية‭ ‬إلى‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية‭ ‬والحملات‭ ‬التحسيسية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البيئة‭ ‬والصحة‭ ‬وحقوق‭ ‬الطفل‭.‬
وما‭ ‬يعزز‭ ‬موقع‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬المجتمعي‭ ‬والتربوي،‭ ‬هو‭ ‬توفرها‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬مشرف‭ ‬ورأسمال‭ ‬بشري‭ ‬مؤهل،‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬مئات‭ ‬الأطر‭ ‬التربوية‭ ‬المتواجدة‭ ‬عبر‭ ‬فروعها‭ ‬الجهوية‭ ‬والمحلية،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬تأهيلها‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬ومستمر‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬تكوينية‭ ‬داخلية‭ ‬وأخرى‭ ‬وطنية‭. ‬وهذه‭ ‬الكفاءات‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬خزانا‭ ‬للمعرفة‭ ‬البيداغوجية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬رافعة‭ ‬حقيقية‭ ‬للمشروع‭ ‬التربوي‭ ‬الجاد‭ ‬والهادف‭ ‬لخدمة‭ ‬قضايا‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مشروعها‭ ‬المجتمعي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬متكاملة‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حكامتها‭ ‬التنظيمية‭ ‬وشفافيتها‭ ‬المالية‭. ‬
إن‭ ‬الجمعيات‭ ‬التربوية،‭ ‬ومنها‭ ‬جمعيتنا،‭ ‬لا‭ ‬تطالب‭ ‬فقط‭ ‬بحصيص‭ ‬عادل‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم،‭ ‬بل‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬وشفافة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬(قطاع‭ ‬الشباب)،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدورها‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تربية‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب،‭ ‬وعلى‭ ‬مشاركتها‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬التربوية‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬التخييم‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬"خدمة"‭ ‬موسمية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬طبيعي‭ ‬لمشروع‭ ‬مجتمعي‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬التربية‭ ‬عبر‭ ‬القيم،‭ ‬والإبداع،‭ ‬والمواطنة‭.‬
لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هندسة‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم،‭ ‬وتوسيع‭ ‬فضاءاته‭ ‬العمومية،‭ ‬وضمان‭ ‬الإنصاف‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الحصص،‭ ‬أصبح‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لحماية‭ ‬حق‭ ‬الأطفال‭ ‬واليافعين‭ ‬في‭ ‬العطلة‭ ‬التربوية،‭ ‬ولتمكين‭ ‬الفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬أدوارهم‭ ‬التربوية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتنموية‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬
 
هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الحصص‭ ‬عادل‭ ‬وشفاف؟
‬قبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬نظام‭ ‬توزيع‭ ‬الحصص،‭ ‬ينبغي‭ ‬أولا‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬جوهر‭ ‬العرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم‭ ‬نفسه،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬أي‭ ‬تطوير‭ ‬نوعي‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬فالعرض‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يراوح‭ ‬مكانه،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبذل‭ ‬الوزارة‭ ‬الوصية‭ ‬أي‭ ‬مجهود‭ ‬حقيقي‭ ‬لتجويده‭ ‬أو‭ ‬توسيع‭ ‬فضاءاته‭ ‬وخلق‭ ‬فضاءات‭ ‬جديدة‭ ...‬وكذا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬فلسفة‭ ‬المشروع‭ ‬وانسجامه‭ ‬مع‭ ‬الخيارات‭ ‬الكبرى‭ ‬للدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ورهانات‭ ‬المستقبل‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬ازداد‭ ‬تراجعا‭ ‬مع‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬فضاءات‭ ‬التخييم‭ ‬التاريخية،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬وقيمة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬كمخيمات‭ ‬الهرهورة،‭ ‬والانبعاث،‭ ‬طماريس‭ ‬وسيدي‭ ‬رحال‭ ‬وتيومليلين‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬فضاءات‭ ‬الأطلس‭ ...‬وغيرها‭.‬
أما‭ ‬بخصوص‭ ‬معايير‭ ‬التوزيع‭ ‬والولوج،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬والشفافية‭ ‬يظل‭ ‬شعارات‭ ‬معلقة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقنن‭ ‬العملية‭ ‬بمعايير‭ ‬دقيقة،‭ ‬ويعلن‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬التربوي‭ ‬والوطني‭ ‬عن‭ ‬الحصيص‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وعدد‭ ‬الجمعيات‭ ‬المستفيدة،‭ ‬وكذا‭ ‬نصيب‭ ‬كل‭ ‬جمعية‭ ‬والمراكز‭ ‬المخصصة‭ ‬لها‭. ‬وحدها‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تقييم‭ ‬مدى‭ ‬احترام‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬وتسمح‭ ‬ببناء‭ ‬ثقة‭ ‬حقيقية‭ ‬بين‭ ‬الفاعلين‭ ‬التربويين‭ ‬والوزارة‭ ‬الوصية‭.‬
في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات،‭ ‬فإن‭ ‬الباب‭ ‬يظل‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمام‭ ‬اختلالات‭ ‬حقيقية،‭ ‬سبق‭ ‬تسجيلها‭ ‬مرارا،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬استفادة‭ ‬جمعيات‭ ‬محدودة‭ ‬الامتداد‭ ‬من‭ ‬حصص‭ ‬أكبر‭ ‬مقارنة‭ ‬بجمعيات‭ ‬وطنية‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬تنظيمي‭ ‬واسع‭ ‬وشبكة‭ ‬فروع‭ ‬كثيفة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬نجد‭ ‬جمعية‭ ‬محلية‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬مستفيد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬واحدة،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تحصل‭ ‬جمعية‭ ‬وطنية‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬فرعا‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬800‭ ‬مستفيد‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬تابعة‭ ‬للوزارة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬متوازن‭ ‬ولا‭ ‬يعكس‭ ‬معيار‭ ‬العدالة‭.‬
من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ ‬جاد‭ ‬حول‭ ‬"عدالة‭ ‬النظام"‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬شمولي‭ ‬للعرض‭ ‬الوطني‭ ‬للتخييم،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التوزيع‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬تشاركية،‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالوزن‭ ‬الحقيقي‭ ‬للجمعيات،‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬احتساب‭ ‬«الحصيص»‭ ‬وفق‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والامتداد‭ ‬والقدرة‭ ‬التأطيرية‭ ‬لكل‭ ‬جمعية‭.‬
لقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لإخراج‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬«الغرف‭ ‬المغلقة»،‭ ‬وجعله‭ ‬موضوع‭ ‬مساءلة‭ ‬عمومية‭ ‬مفتوحة،‭ ‬تضع‭ ‬نصب‭ ‬أعينها‭ ‬مصلحة‭ ‬الطفولة‭ ‬أولا،‭ ‬وتكرس‭ ‬احترام‭ ‬الجمعيات‭ ‬الجادة‭ ‬وذات‭ ‬المصداقية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬شريكا‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬«زبون»‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬موسمي‭ ‬غير‭ ‬عادل‭.‬
 
كيف‭ ‬تؤثر‭ ‬مشاكل‭ ‬النقل‭ ‬والتغذية‭ ‬والتأطير‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬البرنامج‭ ‬التربوي‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات؟
من‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬العملية‭ ‬التربوية‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭ ‬الصيفية‭ ‬رهين‭ ‬بتكامل‭ ‬عناصرها‭ ‬وضمان‭ ‬انسجام‭ ‬مكوناتها‭. ‬فالمخيم‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬منظومة‭ ‬مترابطة‭ ‬تتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬مختلف‭ ‬المتدخلين،‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬وصي‭ ‬إلى‭ ‬الجمعيات‭ ‬الشريكة،‭ ‬حتى‭ ‬تتحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬التربوية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المنشودة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإكراهات‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬فعالية‭ ‬البرنامج‭ ‬التربوي،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مشاكل‭ ‬النقل‭ ‬والتغذية‭ ‬والتأطير‭.‬
فعلى‭ ‬مستوى‭ ‬النقل،‭ ‬ورغم‭ ‬التحسن‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬خدمات‭ ‬القطارات‭ ‬وجودتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإشكال‭ ‬يظل‭ ‬قائما‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البرمجة‭ ‬وفرض‭ ‬أجل‭ ‬21‭ ‬يوما‭ ‬لتقديم‭ ‬برامج‭ ‬الفروع،‭ ‬ما‭ ‬يربك‭ ‬استعدادات‭ ‬الجمعيات‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬هامش‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬المستجدات‭ ‬الطارئة،‭ ‬وتزداد‭ ‬المعاناة‭ ‬حدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفروع‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬نائية،‭ ‬حيث‭ ‬تغيب‭ ‬شبكة‭ ‬السكك‭ ‬الحديدية،‭ ‬وتسجل‭ ‬محدودية‭ ‬دعم‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬هذه‭ ‬الفروع‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬نقل‭ ‬مكلفة،‭ ‬ككراء‭ ‬الحافلات‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النقل‭ ‬الخاص،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثقل‭ ‬كاهل‭ ‬أسر‭ ‬الأطفال،‭ ‬خاصة‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬معوزة‭.‬
أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التغذية،‭ ‬فرغم‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الوجبات‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬المخيمات،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكل‭ ‬المناولة‭ ‬التي‭ ‬تستنزف‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المخصصة‭ ‬للتغذية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الوسطاء‭...  ‬ومن‭ ‬جشع‭ ‬بعض‭ ‬الممونين‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬وجبات‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الغذائي،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكم‭ ‬والنوع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬حاجيات‭ ‬الطفولة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬النمو‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬البرنامج‭ ‬التربوي‭ ‬للمخيم‭ ‬
وقد‭ ‬زاد‭ ‬الوضع‭ ‬تفاقما‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬المطاعم‭ ‬الفرعية‭ ‬داخل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفضاءات‭ ‬التخييمية،‭ ‬واعتماد‭ ‬مطاعم‭ ‬مركزية‭ ‬تستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬طفل،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مخيمي‭ ‬بوزنيقة‭ ‬والحوزية‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬التنظيم،‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تأخر‭ ‬الوجبات‭ ‬وخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬داخل‭ ‬الجماعات‭ ‬التربوية‭.‬
ويرجع‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاختلالات‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬المقاربة‭ ‬التشاركية‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمخيمات‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يستأنس‭ ‬برأي‭ ‬الفاعلين‭ ‬الميدانيين‭ ‬ولا‭ ‬بأصحاب‭ ‬الخبرة‭ ‬والتجربة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تشييد‭ ‬فضاءات‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية‭ ‬تفتقر‭ ‬للفعالية‭ ‬الوظيفية،‭ ‬ولا‭ ‬تواكب‭ ‬الحاجيات‭ ‬الحقيقية‭ ‬للطفل‭ ‬والمربي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء
 
كيف‭ ‬تقيم‭ ‬العلاقة‭ ‬الحالية‭ ‬بين‭ ‬الجمعيات‭ ‬النشيطة‭ ‬والوزارة‭ ‬الوصية؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬حوار‭ ‬فعلي؟
‬تعيش‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الجمعيات‭ ‬التربوية‭ ‬النشيطة‭ ‬والوزارة‭ ‬الوصية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الشباب‭ ‬والطفولة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬والتوتر،‭ ‬تعكسها‭ ‬مؤشرات‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الحوار‭ ‬الجاد‭ ‬والمسؤول‭ ‬وتكريس‭ ‬سياسة‭ ‬الإقصاء‭ ‬التي‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬التقاليد‭ ‬التشاركية‭ ‬التي‭ ‬راكمها‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭. ‬فمنذ‭ ‬تنصيب‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬أغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬النقاش‭ ‬والتشاور،‭ ‬في‭ ‬تغييب‭ ‬متعمد‭ ‬لتعددية‭ ‬الفاعلين‭ ‬وللرؤى‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬غنى‭ ‬المشهد‭ ‬الجمعوي‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭ ‬بالمغرب‭.‬
وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬فيه‭ ‬الفصل‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬المغربي‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬الجمعيات‭ ‬شريكا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬وتفعيل‭ ‬وتقييم‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬اختار‭ ‬الوزير‭ ‬المعني‭ ‬أن‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬أحادي،‭ ‬يتخذ‭ ‬فيه‭ ‬قرارات‭ ‬مصيرية‭ ‬تهم‭ ‬القطاع‭ ‬وترصد‭ ‬لها‭ ‬ميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬إشراك‭ ‬فعلي‭ ‬للجمعيات‭ ‬ذات‭ ‬الخبرة‭ ‬والتجربة‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬الميدان‭. ‬هذا‭ ‬الإقصاء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دون‭ ‬نتائج،‭ ‬بل‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬ذريع‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬استنزفت‭ ‬موارد‭ ‬الدولة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬أثرا‭ ‬ملموسا‭ ‬على‭ ‬الواقع
‭‬أبرز‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مشروع‭ ‬«متطوع»‭ ‬الذي‭ ‬كلف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايير‭ ‬ونصف‭ ‬سنتيم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أي‭ ‬تحول‭ ‬نوعي‭ ‬داخل‭ ‬دور‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬الفضاءات‭ ‬التربوية‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬مشروع‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الذي‭ ‬خصصت‭ ‬له‭ ‬اعتمادات‭ ‬مالية‭ ‬هامة،‭ ‬بينما‭ ‬التجهيزات‭ ‬التي‭ ‬اقتنيت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مكدسة‭ ‬دون‭ ‬تأطير،‭ ‬ولا‭ ‬استثمار‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭.‬
واقع‭ ‬الأطر‭ ‬المساعدة‭ ‬بدوره‭ ‬يعكس‭ ‬حجم‭ ‬الاختلالات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬القطاع،‭ ‬حيث‭ ‬تشتغل‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬هشة،‭ ‬وتتقاضى‭ ‬أجورها‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬وسيطة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬فعلية‭ ‬للعمل‭ ‬التربوي‭ ‬أو‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تجويد‭ ‬خدمات‭ ‬المؤسسات‭ ‬التابعة‭ ‬للوزارة‭. ‬أما‭ ‬الشراكات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجمع‭ ‬الوزارة‭ ‬مع‭ ‬الجمعيات،‭ ‬فقد‭ ‬تراجعت‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬مما‭ ‬أضعف‭ ‬دينامية‭ ‬الميدان‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الجادة‭.‬
من‭ ‬الخطأ‭ ‬الكبير‭ ‬اختزال‭ ‬الجمعيات‭ ‬النشيطة‭ ‬في‭ ‬دورها‭ ‬الموسمي‭ ‬المرتبط‭ ‬بالمخيمات‭ ‬فقط،‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬حاملة‭ ‬لمشروع‭ ‬تربوي‭ ‬وثقافي‭ ‬وتنموي‭ ‬متكامل،‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬التطوع‭ ‬والمواطنة‭ ‬والتكوين‭ ‬المستمر،‭ ‬ويشتغل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬ربوع‭ ‬الوطن،‭ ‬ومع‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإن‭ ‬تجاهل‭ ‬صوت‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الانفراد‭ ‬بالتدبير‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬لمبدأ‭ ‬التعددية‭ ‬والشراكة،‭ ‬وتفويت‭ ‬لفرصة‭ ‬إصلاح‭ ‬قطاع‭ ‬حيوي‭ ‬وحساس‭ ‬بحجم‭ ‬قطاع‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭.‬
إن‭ ‬المرحلة‭ ‬تستدعي‭ ‬وقفة‭ ‬مسؤولة‭ ‬تعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للحوار‭ ‬الوطني،‭ ‬وتفتح‭ ‬قنوات‭ ‬تواصل‭ ‬فعلي‭ ‬بين‭ ‬الوزارة‭ ‬والجمعيات‭ ‬الجادة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬التهميش‭ ‬والانتقاء‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تقييم‭ ‬السياسات‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الوزارة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬عبر‭ ‬آليات‭ ‬شفافة،‭ ‬بمشاركة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬ربط‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة،‭ ‬ويعيد‭ ‬الثقة‭ ‬إلى‭ ‬فاعلين‭ ‬لطالما‭ ‬اعتبروا‭ ‬الشأن‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬بامتياز‭.‬
 
في‭ ‬رأيك،‭ ‬ما‭ ‬الأولويات‭ ‬العاجلة‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التخييم‭ ‬الوطنية؟
من‭ ‬بين‭ ‬الأولويات‭ ‬العاجلة‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التخييم،‭ ‬ضرورة‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬واضحة‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬الشفافية،‭ ‬وتستحضر‭ ‬الرؤية‭ ‬التشاركية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المتدخلين‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬التربوي‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬السيد‭ ‬الوزير‭ ‬قرر‭ ‬بشكل‭ ‬انفرادي‭ ‬تنظيم‭ ‬مناظرة‭ ‬وطنية‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬ومستقبل‭ ‬المخيمات،‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬الموسم،‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬نثمنه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الولاية‭ ‬الحكومية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الأجدر‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بدايتها،‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬للوزير‭ ‬تتبع‭ ‬تنفيذ‭ ‬توصيات‭ ‬ومخرجات‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الهامة‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬كافة‭ ‬الشركاء‭.‬
ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬نعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬فتح‭ ‬نقاش‭ ‬وطني‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬التخييم‭ ‬ببلادنا،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬شمولية‭ ‬تتجاوز‭ ‬التدبير‭ ‬الموسمي‭ ‬الظرفي،‭ ‬وتقطع‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الارتجال‭ ‬والانفرادية‭ ‬في‭ ‬القرار‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬النقاش‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جديا‭ ‬ومثمرا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬أولا‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ ‬نتائج‭ ‬المهمة‭ ‬الاستطلاعية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬اللجنة‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬شرعت‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬منذ‭ ‬27‭ ‬يونيو‭ ‬2022‭. ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬ننتظر‭ ‬صدور‭ ‬تقريرها‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬سيشكل‭ ‬لامحالة‭ ‬أرضية‭ ‬للنقاش‭ ‬العمومي‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬و‭ ‬آفاق‭ ‬المخيمات‭ ‬التربوية‭ ‬ببلادنا‭ .... ‬
لقد‭ ‬وقفت‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬التخييمية،‭ ‬ولامست‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬الإشكالات‭ ‬و‭ ‬الاختلالات‭  ‬المرتبطة‭ ‬بالبنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬والمضمون‭ ‬التربوي،‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل،‭ ‬والتغذية،‭ ‬والتأطير،‭ ‬وهي‭ ‬جوانب‭ ‬تشكل‭ ‬صلب‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التخييم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مصادر‭ ‬برلمانية‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬تواطؤات‭ ‬وضغوطات‭ ‬مورست‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة،‭ ‬بغرض‭ ‬إقبار‭ ‬التقرير‭ ‬وعدم‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬الجلسة‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬جدية‭ ‬حول‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬الخلل،‭ ‬خصوصًا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬استفادت‭ ‬لسنوات‭ ‬من‭ ‬صفقات‭ ‬المخيمات‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬معايير‭ ‬الشفافية‭ ‬والحكامة‭.‬
إن‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬باعتباره‭ ‬وثيقة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬دستورية‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬القوة‭ ‬والضعف‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التخييم،‭ ‬وأن‭ ‬يشكل‭ ‬أرضية‭ ‬صلبة‭ ‬لأي‭ ‬نقاش‭ ‬وطني‭ ‬جاد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المناظرة‭ ‬التي‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محطة‭ ‬تأسيسية‭ ‬لمقاربة‭ ‬جديدة‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬أعطاب‭ ‬الماضي،‭ ‬وتؤسس‭ ‬لمخيمات‭ ‬تليق‭ ‬بأطفال‭ ‬وشباب‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭.‬
وعلى‭ ‬السيد‭ ‬وزير‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬يعي‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الجمعيات‭ ‬الوطنية‭ ‬التربوية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مكونات‭ ‬ثانوية‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬المغرب‭ ‬النضالية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتربوية‭ ... ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬مسؤولية‭ ‬تأطير‭ ‬الأجيال،‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬والكرامة،‭ ‬وأدت‭ ‬أدوارا‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬المغربي،‭ ‬و‭ ‬تشكل‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭  ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتشكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحديثة‭ ‬للدولة‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬بامتداداتها‭ ‬التاريخية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬تابعة‭ ‬ولا‭ ‬طارئة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭  ‬هي‭ ‬سباقة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المعنى‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭ ‬والاجتماعي‭.‬
واليوم،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬حوار‭ ‬جاد‭ ‬ومسؤول‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات،‭ ‬تتعرض‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬برمتها‭ ‬لضربات‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬والعشوائية،‭ ‬ويفقد‭ ‬الفعل‭ ‬التربوي‭ ‬توازنه‭ ‬واتساقه‭. ‬فما‭ ‬يخطط‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬فوق،‭ ‬دون‭ ‬إشراك‭ ‬الفاعلين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬يظل‭ ‬حبيس‭ ‬الرؤى‭ ‬التقنية‭ ‬المجردة،‭ ‬وينتج‭ ‬مبادرات‭ ‬ظرفية‭ ‬موسمية،‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬والاستمرارية‭.‬
إن‭ ‬تغييب‭ ‬الجمعيات‭ ‬الوطنية‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬القرار‭ ‬والتشاور‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تجاهلا‭ ‬لتجربتها‭ ‬المتراكمة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬إضعاف‭ ‬لبنية‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬نفسها،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬رهينة‭ ‬للاحتفالية‭ ‬الجوفاء‭ ‬والقرارات‭ ‬الفجائية‭ ‬والرؤية‭ ‬التجزيئية‭. ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬خبروا‭ ‬خبايا‭ ‬الميدان‭ ‬وتفاعلوا‭ ‬لسنوات‭ ‬مع‭ ‬انتظارات‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬تصبح‭ ‬التربية‭ ‬فضاء‭ ‬للتجريب‭ ‬لا‭ ‬للبناء‭ ‬ويفقد‭ ‬العمل‭ ‬التربوي‭ ‬بوصلة‭ ‬التوجيه‭ ‬والتحصين‭.‬
لقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للجمعيات،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بما‭ ‬راكمته‭ ‬من‭ ‬تجربة،‭ ‬بل‭ ‬باعتبارها‭ ‬شريكا‭ ‬معرفيا‭ ‬ومجتمعيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضه‭ ‬أو‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه،‭ ‬ولإرساء‭ ‬حوار‭ ‬حقيقي‭ ‬يعيد‭ ‬للتربية‭ ‬معناها‭ ‬وللشباب‭ ‬أملهم‭.‬