الجمعة 22 نوفمبر 2024
اقتصاد

عبد الحي الغربة: السياسات العمومية المائية في حاجة إلى مقاربة شمولية مندمجة متعددة الأبعاد

عبد الحي الغربة: السياسات العمومية المائية في حاجة إلى مقاربة شمولية مندمجة متعددة الأبعاد عبد الحي الغربة، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية
نظم‭ ‬مؤخرا‭ ‬مختبر‭ ‬الدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والحكامة‭ ‬الترابية‭ ‬التابع‭ ‬لكلية‭ ‬العلوم‭ ‬القانونية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المحمدية،‭ ‬ندوة‭ ‬وطنية‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬لهندسة‭ ‬المياه‭ - ‬وزارة‭ ‬التجهيز‭ ‬والماء،‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭: "‬التشريع‭ ‬المائي‭ ‬بالمغرب‭: ‬الواقع‭ ‬والتحديات‭".‬
استعرضت‭ ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬واقع‭ ‬التشريعات‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬شمل‭ ‬الجوانب‭ ‬القانونية،‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتاريخية،‭ ‬بهدف‭ ‬بلورة‭ ‬توصيات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬تحديات‭ ‬تدبير‭ ‬المياه‭.‬
على‭ ‬هامش‭ ‬هذه‭ ‬الندوة،‭ ‬أجرت‭ "‬الوطن‭ ‬الآن‭" ‬حوارا‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬الحي‭ ‬الغربة،‭ ‬أستاذ‭ ‬باحث‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬المحمدية‭.‬

 
لماذا‭ ‬الحاجة‭ ‬أصبحت‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬مائية‭ ‬مستعجلة؟
الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬مائية‭ ‬مستعجلة‭ ‬تجد‭ ‬سندها‭ ‬في‭ ‬السياقات‭ ‬والرهانات‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬وسيعرفها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬مائية‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬ترتكز‭  ‬على‭ ‬بعد‭ ‬الابتكار‭ ‬والاستشراف‭ ‬والتوقع‭ ‬ضمانا‭ ‬لحق‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬الماء‭. ‬باعتباره‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬وحيويا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬شكل‭ ‬توالي‭ ‬سنوات‭ ‬الجفاف‭ ‬وندرة‭ ‬المياه‭ ‬إشكالات‭ ‬كبيرة‭ ‬وآثارا‭ ‬خطيرا‭ ‬عنوانها‭ ‬البارز‭ ‬الاستمرار‭ ‬المضطرد‭ ‬والمتزايد‭ ‬للإجهاد‭ ‬المائي،‭ ‬وامتصاصا‭ ‬خطيرا‭ ‬للفرشة‭ ‬المائية‭ ‬واستنزافا‭ ‬لها‭.‬

وباعتبار‭ ‬الماء‭ ‬حقا‭ ‬وملكا‭ ‬مشتركا‭ ‬لعموم‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬فقد‭ ‬انتبهت‭ ‬الدول‭ ‬وتواترت‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬وإلى‭ ‬غاية‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬التمدن‭ ‬الماضي‭ ‬لأجل‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬وصناعي‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الاستغلال‭ ‬المفرط‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية‭. ‬على‭ ‬حساب‭ ‬البيئة،‭ ‬ومهددة‭ ‬بذلك‭ ‬عناصرها‭ ‬الاساسية‭ ‬ومنها‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬والثروة‭ ‬المائية‭.‬

كما‭ ‬أكدث‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬بما‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬الدفينة‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬الإنسان،‭ ‬أدت‭ ‬الى‭ ‬ارتفاع‭ ‬حصة‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬بدورها‭ ‬لارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض‭ ‬نتيجة‭ ‬لظاهرة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭.‬

وبالتالي،‭ ‬فموضوع‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬أصبح‭ ‬يسائل‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬برمتها،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬ومأمونة‭ ‬ومقبولة،‭ ‬لأجل‭ ‬العيش‭ ‬بكرامة‭ ‬زيادة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬الحيوية‭ ‬شرطا‭ ‬ضروريا‭ ‬للتمتع‭ ‬بكافة‭ ‬الحقوق‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والتشريعات‭ ‬المعتبرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬وبالتالي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬مقاربة‭ ‬شمولية‭ ‬ومندمجة‭ ‬تستحضر.

التجارب‭ ‬الفضلى‭ ‬والنماذج‭ ‬التنموية‭ ‬المثلى‭ ‬لأجل‭ ‬مواجهة‭ ‬إشكالية‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬فعلية‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭  ‬المداخيل‭ ‬الممكنة‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬وتبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وإجراءات‭ ‬عاجلة‭.‬
 
يعتبر‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬ظاهرة‭ ‬عالمية،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬جل‭ ‬الدول‭ ‬تقر‭ ‬بتداعياته‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬تشكل‭ ‬المرجعيات‭ ‬الدولية‭ ‬والوطنية‭ ‬مدخلا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬إشكالاته،‭ ‬وضمانا‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬الماء؟
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬أخذ‭ ‬مشروعيته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمواثيق‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وخصوصا‭ ‬ًالمادتان‭ ‬11‭ ‬و12 من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وكذا‭ ‬مقتضيات‭ ‬المادة‭ ‬14‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬وايضاً‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬5‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬رقم‭ ‬161‭ ‬المتعلقة‭ ‬بخدمات‭ ‬الصحة‭ ‬المهنية،‭ ‬وكذا‭ ‬اتفاقية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬لاسيما‭ ‬المادتين‭ ‬24‭ ‬و72،‭ ‬واتفاقية‭ ‬حقوق‭  ‬الأشخاص‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬في‭ ‬مادتها‭ .‬28‭‬

هذا‭ ‬زيادة‭ ‬على‭ ‬التقارير‭ ‬والقرارات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ولجانها،‭ ‬والتي‭ ‬تقر‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬y‭ ‬اعتبار‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬كما‭ ‬يعتبر‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬هدفا‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬خطة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لعام‭ ‬2030‭ ‬لتحقيقه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الهدف‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬المغرب‭ ‬منخرط‭ ‬وملتزم‭ ‬بتنزيل‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬2030،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الهدف‭ ‬السادس‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬التوافر‭ ‬والإدارة‭ ‬المستدامة‭ ‬للمياه‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬للجميع‭ .‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬عمد‭ ‬دستور‭ ‬المملكة‭ ‬لسنة‭ ‬2011‭ ‬على‭ ‬التنصيص‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬31‭ ‬على‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬على‭ ‬تهيئة‭ ‬وتيسير‭ ‬جميع‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬سليمة‭. ‬وأيضا‭ ‬الفصل‭ ‬35‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭  ‬تضمن‭ ‬حرية‭ ‬المبادرة‭ ‬والمقاولة‭ ‬والتنافس‭ ‬الحر،‭ ‬كما‭ ‬توصل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬بشرية‭ ‬مستدامة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تعزيز‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬الوطنية‭ ‬وعلى‭ ‬حقوق‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬التجربة‭ ‬التشريعية‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكريس‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬للماء‭. ‬آخرها‭ ‬القانون‭ ‬36.15‭ ‬المعدل‭ ‬للقانون‭ ‬12.99‭ ‬وكذا‭ ‬قوانين‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬كقانون‭ ‬17.03‭ ‬المتعلق‭ ‬بمحاربة‭ ‬التلوث‭ ‬والقانون‭ ‬22.07‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمناطق‭ ‬المحمية‭ ‬والقانون‭ ‬12.03‭ ‬المتعلق‭ ‬بدراسات‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬والقانون‭ ‬28.00‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتدبير‭ ‬النفايات‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭. ‬والقانون‭ ‬11.03‭ ‬المتعلق‭ ‬بحماية‭ ‬واستصلاح‭ ‬البيئة‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬والمقتضيات‭ ‬المتفرقة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القوانين‭ ‬الخاصة‭ ‬كالقانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬ومرسوم‭ ‬الصفقات‭ ‬العمومية‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬والدفاتر‭ ‬الملحقة‭ ‬به‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الماء‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬سن‭ ‬التشريعات‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬مجالس‭ ‬وهيآت‭ ‬دستورية‭ ‬تساهم‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بآرائها‭ ‬الاستشارية‭ ‬وتقاريرها‭ ‬الدورية‭ ‬والموضوعاتية‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬الحماية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬وصنع‭ ‬سیاسات‭ ‬عمومية‭ ‬مائية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬بشأن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬والسياسات‭ ‬ورغم‭ ‬أهميتها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إشكالية‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬قائمة،‭ ‬لأن‭ ‬إشکالیة‭ ‬تدبير‭ ‬الماء‭ ‬تكتسي‭ ‬طابع‭ ‬التعقد‭ ‬والتداخل‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬المعالجة‭ ‬التقنية‭ ‬الصرفة‭ ‬ولا‭ ‬تحل‭ ‬بمجرد‭ ‬انجازات‭ ‬جزئية‭ ‬منفصلة،‭ ‬وإنما‭ ‬تستدعي‭ ‬مقاربة‭ ‬شمولية‭ ‬قوامها‭ ‬التبصر‭ ‬والموازنة‭ ‬بین‭ ‬الإمكانات‭ ‬المتاحة‭ ‬للعرض‭ ‬دون‭ ‬تفريط‭ ‬والحدود‭ ‬المعقولة‭ ‬للطلب‭ ‬دون‭ ‬إفراط‭.‬
 
ما‭ ‬العمل‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬إشكالية‭ ‬استمرار‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬رغم‭ ‬السياسات‭ ‬والبرامج‭ ‬المعتمدة‭  ‬رسميا؟
برأيي،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إنجازه‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأصعدة‭ ‬تشريعياً‭ ‬ومؤسساتيا‭ ‬وماليا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الانتباه‭ ‬لبعض‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬بالنظر‭ ‬لطبيعة‭ ‬النقاش‭ ‬المطروح‭ ‬وراهنيته‭ ‬"المسألة‭ ‬المائية‭ ‬وإشكالية‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي"‭ ‬فالموضوع‭ ‬له‭ ‬امتدادات‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وحقوقية‭ ‬ومالية‭ ‬وتقنية،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الابعاد‭ ‬ترخي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬حاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬المائية‭.‬

إذ‭ ‬إن‭ ‬المفارقة‭ ‬الآن‭ ‬المسجلة‭ ‬هو‭ ‬أنه‭  ‬رغم‭ ‬الجفاف‭ ‬المتواصل‭ ‬والذي‭ ‬خيم‭ ‬على‭ ‬المملكة‭ ‬منذ‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬ورغم‭ ‬ازدياد‭ ‬المؤشرات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بندرة‭ ‬المياه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للماء‭ ‬والمناخ‭ ‬لم‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مهامه‭ ‬طبقا‭ ‬لمقتضيات‭ ‬المادة‭ ‬79‭ ‬من‭ ‬قانو‭ ‬36.15‭ ‬المتعلق‭ ‬بالماء،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬المحدث‭ ‬للمجلس‭ ‬حدد‭ ‬تركيبته‭ ‬واختصاصاته‭ ‬وعمل‭ ‬لجنته‭ ‬الدائمة‭.‬

زيادة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬الاقتراحي‭ ‬لهذا‭ ‬المجلس،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬وحتى‭ ‬التاريخية،‭ ‬حول‭ ‬الأسباب‭ ‬والدوافع‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬عدم‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬لحيز‭ ‬الوجود‭. ‬تكريسا‭ ‬للحماية‭ ‬المؤسساتية‭ ‬وضمانا‭ ‬للأمن‭ ‬المائي‭ ‬ومحاربة‭ ‬للإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬الذي‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬بلادنا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬واستمرار‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأصوات‭ ‬الاكاديمية‭ ‬والمدنية‭ ‬والحقوقية‭ ‬المطالبة‭ ‬بضرورة‭ ‬وقف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭ ‬وتمتيع‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬بالإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬واللوجيسيكية‭ ‬للاضطلاع‭ ‬بمهامه،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬لوبيات‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭.‬