أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، يوم 8 غشت 2024 عن نتائج الدعم المسرحي بميزانية بلغت 7,522 مليون درهم. ورغم أن هذه الميزانية تبدو زهيدة بالنسبة لقطاع حيوي كالمسرح، فإن الإشكالية الحقيقية لا تكمن فقط في ضعف التمويل، وإنما أيضًا في آليات التدبير والتنفيذ التي تثير العديد من التساؤلات حول كفاءة التخطيط والاستراتيجية المتبعة للنهوض بهذا الفن الراقي.
ميزانية متواضعة لقطاع يحتاج إلى رؤية استراتيجية:
إن تخصيص 7.522 مليون درهم لدعم المسرح يبدو وكأنه إشارة رمزية أكثر من كونه دعماً حقيقياً للقطاع. فالمسرح ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو فضاء يعبر فيه المجتمع عن قضاياه ويعكس تطلعاته الثقافية والاجتماعية. ورغم أهمية الدعم المالي، إلا أن الوزارة تغفل عن أن المسرح يحتاج أكثر إلى بيئة عمل داعمة وتخطيط استراتيجي بعيد المدى، وهو ما يفتقده القطاع حاليًا.
موعد ضاغط وعشوائية في التنفيذ:
بعد إعلان نتائج الدعم، حددت الوزارة يوم 15 نونبر كآخر أجل لتقديم العرض ما قبل الأول أمام لجنة الدعم المسرحي. هذا الإطار الزمني القصير، والذي لا يتجاوز ثلاثة أشهر، يعد قراراً مجحفاً وغير مسؤول بحق الفنانين والمبدعين. فالمسرح ليس عملاً ميكانيكياً يمكن إنتاجه تحت ضغط زمني؛ بل هو فن إبداعي يتطلب وقتاً كافياً للتأمل والتحضير والتمرين.
قرار الوزارة هذا يعكس فهماً سطحياً لطبيعة العمل المسرحي، وكأنها تطالب الفنانين بصنع "طنجرة ضغط من الفول أو اللوبيا"، في إشارة إلى الاستعجال والتسرع في تقديم أعمال إبداعية مكتملة.
إشكالية التنسيق بين الهيئات: ارتباك لا يخدم القطاع
من الواضح أن هناك ارتباكاً وعشوائية في التنسيق بين مختلف الهيئات المعنية، بدءاً من لجنة الدعم المسرحي مروراً بمديرية الفنون وصولاً إلى الوزارة نفسها. هذا الارتباك ظهر جلياً في التأخير الذي شهدته العروض المسرحية بمركب التنشيط الفني والثقافي تابريكت بسلا، حيث تأجل أحد العروض لمدة 45 دقيقة بسبب تأخر لجنة الدعم.
مثل هذه الممارسات لا تعكس إلا غياب المهنية والانضباط من جانب الهيئات المسؤولة، وتضع الفنانين في موقف حرج أمام جمهورهم.
ما الغاية من الضغط على الفنانين؟
يبدو أن الوزارة، ومن ورائها الهيئات المكلفة بتدبير ملف الدعم المسرحي، تمارس ضغوطاً لا مبرر لها على الفنانين والإداريين العاملين في القطاع. يُطرح هنا سؤال جوهري: ما الغاية من هذا الضغط؟ هل هو محاولة لإنقاذ المسرح من "سكتة قلبية" كما يروج البعض؟ أم أنه مجرد غياب رؤية واضحة لإدارة هذا القطاع الحيوي؟
مهما كانت الإجابة، فإن النتيجة واحدة: قرارات متخبطة وسياسات غير مدروسة تزيد من تهميش المسرح وتضعف مكانته في المشهد الثقافي الوطني.
رسالة إلى والسيد وزير الثقافة و الشباب و التواصل:
إن المسرح ليس ترفاً، بل هو ضرورة مجتمعية وثقافية. على وزارة الثقافة أن تعي أن دعم المسرح لا يعني فقط توفير ميزانية رمزية، بل يتطلب العمل على:
- توفير بيئة تنظيمية واضحة: وضع جدول زمني واقعي يراعي طبيعة العمل المسرحي ويمنح الفنانين الوقت الكافي للإبداع.
- تعزيز الكفاءة الإدارية: تحسين التنسيق بين مختلف الهيئات المعنية بالدعم المسرحي لتجنب الارتباك والتأخير.
- زيادة الدعم المالي: رفع الميزانية المخصصة للمسرح بما يوازي أهمية هذا الفن ودوره في بناء الوعي الثقافي والاجتماعي.
- إشراك الفنانين في القرار: الإنصات إلى أصوات المبدعين وفهم احتياجاتهم الحقيقية بدلاً من اتخاذ قرارات بيروقراطية لا تخدم المصلحة العامة.
المسرح المغربي يستحق أن يكون في صدارة المشهد الثقافي الوطني، لكنه بحاجة إلى وزارة تؤمن بقيمته وتعمل على دعمه بجدية ومسؤولية. كما قال عدنان إبراهيم: "يمكن قتل البشر، لكن قتل الأفكار غير ممكن بالمرة." لذا، فإن أي محاولة لتهميش المسرح أو قمع إبداع الفنانين ستتحول إلى أصوات ضاجة تطالب بالعدالة والاعتراف بمكانة هذا الفن النبيل.