الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

بوشعيب حمراوي: قراءة في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء المظفرة

بوشعيب حمراوي: قراءة في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء المظفرة بوشعيب حمراوي
خطاب (انتهى الكلام) قبل السقوط الأخير لمحور الشر
 
انتهى الكلام وطوي ملف المناورات المفضوحة والمخططات الواهية لخصوم الوطن، بانتهاء نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه الملك محمد السادس أمس الخميس للأمة والرأي العام الدولي، بمناسبة الذكرى ال 49 للمسيرة الخضراء المظفرة.
 
انتهى الكلام، ولم يعد لهيئة الأمم المتحدة، وممثليها الدائمين سوى الإسراع بطي ملف الصحراء المغربية. والإعلان عن مرحلة بداية الإعداد لإخراج مقترح الحكم الذاتي المغربي إلى الوجود. و إنهاء معاناة الصحراويين المغاربة المحتجزين داخل سجون العار من طرف عصابات ما يسمى بالبوليساريو وصنيعتها الجزائر.
 
انتهى الكلام ولم يعد هناك ما يمكن إضافته من توضيحات وقناعات راسخة وإشارات دالة بخصوص ملف الصحراء المغربية، أكثر مما جاد به الملك محمد السادس في خطابه السامي الأخير. بعد أن فضح الخطاب الملكي بوضوح نوايا هؤلاء وأهدافهم الحقيقية، وراء عرقلة مسار التسوية والإنصاف، وكشف بالأدلة والبراهين عن الأسباب والدوافع الخفية، التي لا علاقة لها بما يدعون.
 
ففي الوقت الذي تتوالى فيه المكاسب الدبلوماسية ، التي انطلقت بالمسيرة الخضراء المظفرة. تلك المسيرة السلمية والشعبية التي مكنت من استرجاع الصحراء المغربية، وعززت ارتباط سكانها، بالوطن الأم. ومكنت المغرب كما يقول جلالته من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية.
 
مبرزا من خلالها تبث الصحراويين المغاربة بمغربيتهم وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة القائمة عبر التاريخ بين سكان الصحراء وملوك المغرب. وهي حقيقة أقرت بها محكمة لاهاي قبل أن يبادر الملك الحسن الثاني رحمه الله، إلى الإعلان عن المسيرة الخضراء يوم 16 أكتوبر 1975.
 
وفي الوقت الذي تعرف الأقاليم الجنوبية المغربية نهضة تنموية غير مسبوقة، وتعيش أمنا واستقرارا ملحوظا. أدى إلى تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. واتسعت مع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي. يأسف ملك البلاد لأوهام الماضي التي تعشش في عقول وأذهان من يتشبثون بأطروحات تجاوزها الزمن. ويعيشون في عالم منفصل عن الحقيقة. عالم لا يؤمن بالشرعية والواقع الحتمي. وطبعا فالملك الكبير بخصاله الحميدة ودبلوماسيته الجادة والمبنية على الثقة والمصداقية، تفادى تسمية الأشياء بمسمياتها. لأن الكل في العالم يدرك من يناور في الخفاء ضدا مسار ملف صحرائنا. من يجوع شعبه، ويبدد أمواله من أجل صناعة العداء للمغرب، واحتضان الإرهاب داخل أراضيه. من يحمل شعار (النفط والغاز مقابل العداء للمغرب).
 
واكتفى جلالته بذكر نوعية العداء، حتى يتسنى للمنصت لخطابه السامي، اكتشاف هذا خصم المريض بالمغرب والمغاربة.
 
وذكر ملك البلاد، بمن يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه. بل إن هذا الخصم الواهم، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق.
 
فقائد الأمة، يدرك جيدا ومعه كل العالم وهيئة الأمم المتحدة، عدد الصحراويين المزيفين الذين تم استقدامهم من عدة أجناس، مستغلين ما عاشته عدة دول من فقر وحروب. وتم تدريبهم على استعمال (اللغة الحسانية) في التواصل، وإعطائهم معلومات عن مناطق وقبائل صحراوية مغربية. كما تم ابتزاز الصحراويين المغاربة، باختطاف وإبعاد أطفالهم عنهم. مقابل الاعتراف بجمهورية الوهم.
 
كما لم يفت جلالته بالتذكير بتذكير الخصوم الذين يستغلون قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي. ويقول لهؤلاء بصريح العبارة (نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة). والكلام هنا واضح وفصيح. المغرب فاتح أبوابه الجنوبية لكل الدول التي تحترم سيادته ووحدته الترابية.
 
وتطمح في أن يكون لها علاقات وشراكات جادة بمنطق (رابح/ رابح). كما لم يفته فضح هؤلاء الذين يستعملون (ملف الصحراء المغربية) من أجل إلهاء شعوبهم. والتغطية على مشاكلها الداخلية التي تفاقمت، ومطالب شعوبها المتضررة من أبسط حاجيات العيش الكريم. هؤلاء الذين يريدون قضاء مصالحهم بالانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة. ونصح هاته الفئة بأن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية وسيادته الوطنية. وليست المرة الأولى التي يذكر فيها جلالته بأن لا تفاوض بخصوص سيادة المغرب على أراضيه.
 
بل إن هناك عبارات الحزم والعزم توحي فعلا بأنه (خطاب انتهى الكلام). عبارات بعث بها الملك محمد السادس في خطابه الأخير، إلى هيئة الأمم المتحدة. وكان بلكنة الغاضب من وضع غير صحيح طال أمده. ولا بد من تدخل تلك الهيئة الأممية من أجل وقف مهازله. قال إنه حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته.
 
رسائل واضحة وصريحة، تؤكد أنه لا مفاوضات بشأن أرض هي في الأصل والهوية مغربية. ولا مبادلات تجارية ولا اتفاقيات ولا شراكات استثمارية مع من يتكتمون عن حقيقة مغربية الصحراء. أو تلك الدول التي ترفض الاستثمار بأقاليمنا الصحراوية.
 
رسائل تبرز بجلاء أنه حان الوقت لطي ملف عمر طويلا. كما تبرز رقي وسمو وشهامة زعيم عربي يدرك جيدا فن الخطابة واللياقة، وقادر على تحصين بلده. وحمايتها من كل شر أو سوء. يسعى جاهدا لتوحيد الشعوب المغاربية الخمسة ومحو الخلافات الواهية التي تختلقها أنظمة السوء.
 
وعاد جلالته لتذكير المغاربة في الجزء الثاني من خطابه السامي بأنه رغم المكاسب وتوالي فشل مخططات الخصوم من طرف الدبلوماسية الرسمية للبلاد. فإن قضية وحدتنا الترابية، تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع. بمعنى يجب تكثيف عمل الدبلوماسية الموازية بكل أنواعها وتجلياتها حتى يكون كل المغاربة سفراء دائمين يتقنون فنون الدفاع والترافع على وحدتهم الترابية وهويتهم المغربية. وأشاد على الخصوص بروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته. وأكد أنه قرر إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، تعزيزا لارتباطها بالوطن. من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة.
 
مضيفا أنه وجه الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيأتين رئيسيتين. ويتعلق الأمر بمجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية. حيث دعا إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال. كما يتم إحداث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”. أكد جلالته أنها ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال. وسيتم تخويل المؤسسة الجديدة، مهمة تجميع الصلاحيات، المتفرقة حاليا بين العديد من الفاعلين، وتنسيق وإعداد الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها. كما ستقوم المؤسسة الجديدة كذلك، بتدبير “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”، التي دعونا لإحداثها، وجعلها في صدارة مهامها.لفتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع. وينتظر جلالته أن من هذه المؤسسة، من خلال انخراط القطاعات الوزارية المعنية، ومختلف الفاعلين، أن تعطي دفعة قوية، للتأطير اللغوي والثقافي والديني، لأفراد الجالية، على اختلاف أجيالهم. كما يأمل أن تحقق أهم التحديات، التي حددها في تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم الجالية المغربية بالخارج. مجددا حرصه على فتح آفاق جديدة، أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم . مشيرا أنه من غير المعقول أن تظل مساهمتهم في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة، في حدود عشرة في المائة .
 
وبهذا يكون جلالته قد لخص كل الكلام عن ملف الصحراء. ولم يبقى سوى الإعلان عن القرار الأممي بإنهاء هذا الصراع الوهمي، وإنهاء ما يجري ويدور من قبل محور الشر الذي يقوده النظام الجزائري. وطبعا الإعلان عن السقوط الأخير لهؤلاء الخصوم ومعهم الخونة والانفصاليين المتواطئين.