الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

بنغموش: التوافق على القوانين خارج البرلمان.. بين العرف والمخاطرة الدستورية

بنغموش: التوافق على القوانين خارج البرلمان.. بين العرف والمخاطرة الدستورية تميم بنغموش
نشر الزميل بومدين عبد الصادقي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية على صفحته بالفيسبوك تدوينة بخصوص إصرار مكونات نقابية على التوافق القبْلي على محتويات قانون الإضراب قبل عرضه على البرلمان، حيث اعتبر أن ذلك الموقف يتماهى مع رغبة الحكومة في تحويل السلطة التشريعية إلى مجرد غرفة للتسجيل، وتساءل الأخ بومدين عن دور البرلمان، إذا كانت مناقشة مشروع قانون الإضراب - أو غيره من التشريعات - رهينة بحصول الاتفاق بين الأطراف المعنية والحكومة على كل بنوده؟

وقد أثارت تلك التدوينة حفيظة بعض المعلقين الذين عابوا على صاحبها - وهو ينتمي لليسار - قوله بأن اشتراط الاتفاق على كل شيء خارج البرلمان، ثم الإتيان به فقط للمصادقة والتسجيل أمر غير مقبول ديمقراطيا ومؤسساتيا، ويتعين على كل ديمقراطي متشبث ومقتنع بالمؤسسات الدفاع عن البرلمان وعن صلاحياته في المناقشة والتعديل والمصادقة.

والواقع أن التدوينة كانت واضحة وصريحة بهذا الخصوص حيث أكد صاحبها أن "البرلمان مهما تكن طبيعة تشكيلته ورغم كل عيوبه الأكيدة، فإنه يبقى مؤسسة دستورية يتعين على كل الأطراف احترامه واحترام دوره كسلطة تشريعية، في إطاره تتم المناقشة وضمن مسطرة التشريع المعمول بها تقدم التعديلات من كل الأطراف والمسطرة تبيح للبرلمان طلب رأي استشاري، استشاري فقط…"

إني إذ أشاطر الأستاذ بومدين عبد الصادقي ما جاء في تدوينته وردوده على التعليقات أعرف باليقين إيمانه بآليات الديموقراطية وميكانيزمات التفاوض السياسي، وقيمة اللجوء إلى أعراف التوافقات دون التفريط في القواعد الدستورية الصحيحة التي تضمن للمؤسسات حرمتها وصلاحياتها، فالديمقراطية كل لا يتجزأ، وأما حال المؤسسات فلا يكون تصحيحه بهدم كيانها أو تبخيس دورها، نعم إن الأغلبيات وجدت لتمرير مشاريع الحكومات والمعارضة تتحمل عبء تسليط الأضواء على مثالب ونقائص تلك المشاريع وتقديم بدائلها، ومن الصالح العام أن يحصل التوافق ولكنه ليس قدرا منزلا فليس من الصالح العام إطلاقا عرقلة التشريع بدعوى الوصول إلى التوافق إذا كان ذلك غير ممكن، وتبقى المسؤولية عن النتائج ثابتة في عنق هؤلاء وأولئك، ذلك هو مصير التنافس السياسي في النظام الديمقراطي. ومع الأستاذ بومدين - الذي خبر عن قرب الممارسات البرلمانية من موقع الأغلبية والمعارضة - أقول بحتمية التمسك بالمساطر والتقاليد البرلمانية التي يجب أن تبقى سارية على الجميع. وليس من الديمقراطية إطلاقا المخاطرة بتحويل البرلمان إلى مجرد غرفة للتسجيل، ونحن نقصد المؤسسة الدستورية بغض النظر عن مكوناتها، ونقصد بجهة المخاطرة الحكومة التي كثيرا ما تسعى إلى تمرير ما تريد بالهاجس نفسه، كما نقصد من لا يرون البرلمان بعين الرضى ولا يمنحون الثقة لمؤسسة قائمة الذات دستوريا وسياسيا فيتطلعون إلى تجاوزها بحثا عن توافقات في غرف التفاوض ودوائر الكولسة فيسيؤون للديمقراطية من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

نحن نؤمن بدور المجتمع المدني وبسلطة الرأي العام وبالديمقراطية التشاركية وبأهمية اللجوء إلى وسائل الضغط السياسي والاجتماعي التي يحق لكل الفئات أو الهيئات توظيفها للدفاع عن مصالحها وحقوقها وصيانة مكتسباتها، ولكننا نؤمن قبل ذلك بدولة المؤسسات التي من خلالها يتم تصريف التدافع السياسي والاجتماعي.
 
تميم بنغموش، إطار برلماني وخبير في الشؤون البرلمانية