يمكن تصنيف ناشري الأخبار الزائفة إلى فئتين متباينتين تحيلان على طبيعة المستفيدين، أغلبية ذات أهداف مزدوجة منها التأثير السلبي وخلق بيئة مجتمعية محبطة مع الحصول على عائدات ربحية، وأقلية من مختلقي الأخبار الزائفة يمكن أن توصف ب ”المرضى المجتمعيين” هدفهم ودوافعهم ليست ربحية بل غرضهم بث الفوضى في المجتمع من خلال منطق انهزامي وتشاؤمي.
يمكن كذلك الإقرار أن المحدد الأساسي في استفادة مروجي الأخبار الزائفة (ماديا وتأثيرا) هي هيمنة السلوك والممارسة الطقوسية لتشارك المعلومة، لا سيما أننا في مجتمع ذو ثقافة شفوية في زمن التشارك و“ثقافة بارطجي” مع سطوة وجذوة، بل واشتعال كل ما هو نفسي وانفعالي تجاه كل ما هو سلبي وزائف، والتعاطي العاطفي وغير العقلاني معه في أزمنة الكوارث والمحن والحروب. لهذا يمكن اعتبار المنخرطين في ترويج الأخبار الزائفة تجار حرب يتاجرون في سذاجة وعفوية بعض المواطنين في زمن الأزمات.
كما أن هذا الصنف من الأخبار يساهم في تجذر بيئة من الهلع المجتمعي والتخمة المرضية في المعلومة ولا علاقة لهذه التخمة بهامش حرية التعبير، لأن هناك بونا شاسعا بين حرية التعبير والخبر الزائف.
ولأن الخبر الزائف يمس بالعيش المشترك وكذلك بالمصير المشترك للوطن، ويهوي بالنقاش العمومي إلى مستويات بئيسة تجعل المجتمع حبيس مسكنات وجهل وتيه، يصبح معه التطهير والتعقيم ضد هذه الأخبار ضرورة ملحة.
لهذا أصبح بديهيا التحول من التواصل العمومي إلى الاتصال العمومي لأن المتلقي يتواجد ويسكن عوالم رقمية متصلة (الفايسبوك والواتساب ويوتيوب …) وانتقل تباعا من مواطنة واقعية إلى مواطنة افتراضية التي تترصدها عدة مخاطر منها لا للحصر سرطان الأخبار الزائفة.
فالسلطات العمومية ليست أمام مواطنين واقعيين بل أمام مواطنين رقميين والحل الناجع لإيصال التحسيس والتوعية يمر أساسا بقناة البيئة الرقمية لا سيما أنها قناة مساعدة وفعالة في ظل تجذر ثقافة “بارطجي”.
بالموازاة يمكن للسلطات الحكومية وللصحافة الجادة والمجتمع المدني، استخراج السموم وغربلة الأخبار والتحقق من مصداقيتها باستخدام تقنية ” فاكت تشيكينغ” للتأكد والتحقق من المعلومة وتكذيب الأخبار الزائفة فهي سرطان ينخر المجتمع وجب التعامل معه بصرامة وجدة محينة. كما يمكن كذلك خلق مرصد وطني للتصدي للأخبار الزائفة على شاكلة بعض التجارب الدولية مثل تجربة كندا في محاربة ثقافة وخطاب الكراهية.
من خلال ما سبق تبدو وتتجلى أهمية وجدوى بل راهنية التربية على الاستقلالية والتوعية و القراءة النقدية ومنطق الفكر النقدي.
لذا يتوخى تحسيس الشباب والأطفال وجميع شرائح المجتمع بخطر الأخبار الزائفة لأن هذه الشرائح تشكل أداة ووسيلة بل ناقلا لانتشارها، لأن المواقع الاجتماعية تعد الجسر الأمثل لتلقي المعلومة لأن هذه الأخيرة هي التي تأتي عند الفرد وليس هو الذي يبحث عنها مما يجعله متلقي سلبي وحامل لثقافة عدم الثقة في المؤسسات. لهذا يمكن خلق وإبداع مواد تعليمية ومسارات في المدرسة المغربية لتكوين الناشئة على كيفية التعامل مع الأخبار الزائفة من خلال بيداغوجيا تمكنهم من اكتساب المهارات اللازمة للتعاطي مع هذا النوع من الأخبار.
من المحمود إذن في إطار تصويب مكونات المواطنة المغربية أن تنخرط وتنكب المنظومة التعليمية بجميع أسلاكها على اعتماد محترفات ومواد “التربية على الميديا”. فالمحترفات ستمكن من توعية التلاميذ بخطر الخبر الزائف وتحفيزهم على خلق محتويات مواطنة والتشجيع على موضوعية التلقي وإذكاء الفكر النقدي. لكن لا يمكن للمنظومة المجتمعية والتعليمية أن تنجح في وظيفتها وحربها على الأخبار الزائفة إلا إذا ما تمت توعية وتكوين الكبار وأولياء الأمور والمشتغلون في محاضن التربية والتنشئة بمخاطر وآفات هذا النوع من الأخبار.