الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
في الصميم

أريري: قطر والمغرب.. رهان المونديال!

أريري: قطر والمغرب.. رهان المونديال! عبد الرحيم أريري
رغم أن مساحة المغرب تصل إلى 71.085.000 هكتار، فإن العالم لن يسلط كشافات الضوء إلا على مساحة صغيرة جدا بالمغرب لا تتجاوز 100 هكتار.
 
فانطلاقا من اليوم وإلى غاية 2030، سيكون المغرب محط الأنظار لمعرفة هل سيربح رهان مونديال 2030 أم لا وهذا ما يفسر كيف أن العقل العام للدولة منشغل بالدرجة الأولى بإنجاح ورش الملعب الكبير للدار البيضاء الذي تبلغ مساحته 100 هكتار، أي بالكاد مايعادل 0.0001 % من المساحة العامة للبلاد. وهو ما يفرض على المغرب أن يبدع في تسويق صورته، لأن العالم كله ستكون أنظاره موجهة لهذه البقعة الصغيرة الموجودة بضواحي الدار البيضاء بجماعة المنصورية التابعة ترابيا لإقليم بنسليمان.
 
وإذا علمنا أن كلفة إنجاز الملعب الكبير تقارب 6 ملايير درهم (كلفة الملعب ومرافقه والطرق المؤدية إليه)، فمعنى ذلك أن كلفة التجهيز للمتر المربع الواحد ستصل إلى 6000 درهم. المغرب إذن سينفق 1000 درهم في السنة (بدءا من اليوم إلى عام 2030)، على كل متر مربع لإخراج الملعب الكبير لحيز الوجود، أي ما يعادل 2.7 دراهم في اليوم عن كل متر مربع (لم ندرج تكاليف البنية التحتية بالبلاد والتنظيم العام للمونديال). ومع ذلك فإن المغرب ربح سياسة تسويقية عالمية مهمة بمبلغ هزيل جدا. إذ لو أراد المغرب إنجاز حملة إشهارية في القنوات العالمية والصحف الدولية لكلفه الأمر الملايين من الدولارات في اليوم، مع احتمال أن يحصد المغرب الخيبة من خلال هذه الإعلانات المدفوعة الأجر. علما أن قطر التي تعد آخر دولة نظمت المونديال بالعالم، أنفقت 200 مليار دولار على هذا الحدث منذ أن تم الإعلان عن فوزها بشرف احتضان الحدث الدولي عام 2010 إلى غاية افتتاح المونديال عام 2022. بمعنى أن قطر أنفقت على المونديال 333 مرة ما سينفقه المغرب على الملعب الكبير، مما يجعل من مونديال قطر أغلى حدث دولي على مر العصور، ويفوق مجموع ماتم في كل البلدان التي احتضنت المونديال من قبل، بالنسبة لحجم قطر ولضعف حضور فرقها رياضيا. لكن ذلك الاستثمار سمح لقطر بأن تدخل للقرن 21 من بابه الواسع، خاصة وأن مدينة لوسيل (شمال الدوحة) التي بنيت حول الملعب الجديد الذي احتضن النهائي في مونديال 2022 تحولت إلى قطب سيساهم بدون شك في تخفيف الضغط على العاصمة الدوحة، خاصة وأنها (أي مدينة لوسيل) جهزت بكل المرافق التي يحتاجها المرء للعيش في محيط حضري بهي وجذاب.
 
أن تصرف قطر هذا المبلغ الباهض لاحتضان مونديال 2022، كان مبررا بحكم انتباه حكامها لهشاشة البلد عام 1990، تاريخ غزو العراق للكويت، بحيث تولدت القناعة لدى حكام قطر آنذاك من أن يستثمروا كل مالديهم من ثروات حتى تتجنب قطر ما حصل للكويت، وبالتالي الحرص على أن تكون قطر مرئية في الرادار العالمي، وأن تكون حاضرة في كل التظاهرات في الساحة الدولية. وهذا ما يفسر هذا الحرص من القطريين ليكونوا حاضرين في الوساطات الدولية في بؤر التوتر، والتحكم في الإعلام، شراء الأندية والشركات الرياضية، وتبني الديبلوماسية المتعددة الأطراف والحضور في مختلف المنظمات والوكالات الأممية، مع الحرص على أن يكون هذا الحضور الدولي يخدم مصالحها وتوجهاتها، إلخ... وهذا ماجسدته القولة الماثورة لأمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة، الذي قال: «من المهم أن يكون المرء في اللجنة الأولمبية الدولية بدل أن يكون في الأمم المتحدة»، بشكل جعلت قطر تحرص على أن يكون لها ممثلون دوما داخل اللجنة الأولمبية، بل وتم إدماج الأمير تميم آل ثاني عام 2002 كعضو في اللجنة، ثم استثمرت بقوة في شراء الأندية وحقوق البث التلفزي للبطولات، والتحكم في مسار إنتاج المعدات الرياضية، واحتضانها للتظاهرات الرياضية وبناء مراكز التكوين ومراكز الطب الرياضي العالي الجودة.
 
الوضع مختلف بالنسبة للمغرب، بحكم أن  المغرب مرئي في الرادار العالمي، والمغرب حاضر في معظم بؤر التوتر العالمي من خلال سفراء السلام الذين ترسلهم القوات المسلحة الملكية في إطار قوات حفظ السلام الأممية، والمغرب فاعل في معظم اللقاءات والمنتديات الدولية، بل وترأس العديد منها (المجلس الأممي لحقوق الإنسان، البرنامج الأممي لمكافحة الإرهاب، مؤتمر المناخ، لجنة القدس، إلخ...)، لكن بالمقابل على المغرب أن يستغل حدث مونديال 2030 لترميم وتقويم أعطاب التراب الوطني، وتشبيك المدن الكبرى بالبنية التحتية السككية والطرقية والجوية الملائمة، فضلا عن الانتقال من اعتبار الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، مجرد «أفيون لتخدير الشعب»، إلى اعتبار الرياضة صناعة ورافعة للاقتصاد الوطني مثلما هو عليه الحال في الدول المتمدنة، حيث يمثل قطاع الرياضة بين 2.5 و3 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
 
ثم وهذا الأهم، إن مونديال 2030 (المنظم بشراكة مع إسبانيا والبرتغال)، فرصة لتعزيز صورة المغرب وريادته في الواجهة الأطلسية، خاصة وأن الاستثمارات الضخمة المبرمجة بمناسبة المونديال لتطوير منظومة النقل واللوجستيك من طنجة إلى أكادير عبر البيضاء، موازاة مع تلك الاستثمارات الهائلة المقررة سلفا لبناء ميناء الداخلة الأطلسي، واستحضار الورش المعلق لربط أكادير بقطار «تيجيفي»، سيمنح المغرب موطئ قدم في نادي الأمم الصاعدة.
 
وآنذاك يحق لنا أن ننحث قولة خاصة بالمغرب مفادها: «من المهم أن يكون المرء قد نظم حدثا رياضيا عالميا مثل المونديال، بدل أن يكون جالسا في دكة الاحتياط العالمية»!