تزداد حرارة المشهد السياسي في جهة كلميم واد نون، مع ظهور مؤشرات قوية على إعادة تشكيل الخريطة الحزبية، لا سيما في إقليم آسا.
وفي هذا الإطار، يأتي انضمام الحسين أحريش إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وظهوره في صورة تجمعه بأسماء وازنة كأحمد المتوكل والمصطفى عماي خلال مؤتمر "مسار الإنجازات" بجهة كلميم واد نون. وهذا ليس مجرد خبر عابر، بل هو إعلان صريح عن معركة انتخابية محتدمة قادمة تنتظر إقليم آسا.
ما يثير الانتباه حقًّا هو تواجد الثلاثي: أحريش، المتوكل، وعماي، في قائمة "حزب الحمامة". فهذا التكتل الجديد ينذر بـ"كلاسيكو سياسي" كبير في الاستحقاقات القادمة بإقليم آسا، حيث سيواجه "الأحرار" غريمهم التقليدي، حزب الأصالة والمعاصرة (البام)، بقيادة رشيد التامك، والمدعوم بتحالف حزب الوردة الذي يقوده محمود عبا.
وهذا النزال السياسي والانتخابي لا يبدو أنه سيقتصر على إقليم آسا فحسب، بل قد يمتد تأثيره ليشمل الجهة بأكملها، معلنًا عن بوادر تغيير شامل يلوح في الأفق.
وفي سياق متصل، يتأكد هذا التحول من خلال الصراع المحموم حول استضافة مؤتمر التجمع الوطني للأحرار بين قطبي الحزب: محمد بايتاس، ومباركة بوعيدة.
فقد استعملت الأخيرة "فيتو" التقسيم الترابي والإداري الذي يمنح صفة عاصمة الجهة لإقليم كلميم، وبذلك تكون قد حسمت أحقية الإقليم في تنظيم المؤتمر، مما أفشل محاولات بايتاس نقل المؤتمر إلى إقليم سيدي إفني.
هذا الصراع لا يؤكد فقط حجم المنافسة الداخلية والخارجية، بل يشير كذلك إلى أهمية كلميم كمركز ثقل سياسي وتنموي للجهة.
لكن يظل السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: هل ستتغير الخريطة السياسية لجهة كلميم واد نون بالفعل؟ فالتكتلات الجديدة، والصراعات الحزبية المحتدمة، والحسابات الانتخابية، كلها تصب في هذا الاتجاه.
في المقابل، يبقى السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا هو: هل سيخدم هذا التغيير ساكنة الجهة التي ما زالت تنتظر تعويضها عن سنوات من هدر الزمن التنموي؟
ففي خضم هذه التحركات السياسية، يجب ألا تغيب الأولويات الحقيقية عن الأجندة.
فساكنة جهة كلميم واد نون تتطلع إلى تحولات حقيقية تلامس حياتها اليومية، وتجيب عن سؤال التنمية المستدامة، خاصة ما يتعلق بتوفير فرص الشغل، وتحسين الخدمات الأساسية، إلى جانب تعويض ما فات من فرص.
فالتنافس السياسي، وإن كان ضروريًا للديمقراطية، ينبغي أن يترجمه أصحابه إلى برامج واضحة وواقعية تلبي احتياجات الساكنة، لا أن يبقى مجرد صراع على المقاعد.
كما أن أي تغيير في الخريطة السياسية للجهة يمكن أن يكون فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وضخ دماء جديدة في مسار التنمية.
لكن هذا الأمر يتطلب من الفاعلين السياسيين، بمختلف تعبيراتهم السياسية والحزبية، إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيقة.
ختامًا، لا بد من التنبيه إلى أن ساكنة الجهة تنتظر الأفعال لا الأقوال، والإنجازات لا الوعود، لتعويض سنوات وسنوات من "هدر الزمن التنموي" التي طال انتظار تعويضها.