قبل أن نستغرق في الحديث عن التقرير الذي قدمه "ستافان ديمستورا" إلى الأمين العام للأمم المتحدة يجب أن نذكر وزارة الخارجية المغربية بخطورة ما قام به هذا المبعوث الشخصي للأمين العام في فبراير 2024، حين تحدى المملكة المغربية وقام بتلك الزيارة إلى جنوب إفريقيا، وهو البلد الذي يتبنى بدون تحفظ الأطروحة الانفصالية، ويعترف منذ 2005 بما يسمى “الجمهورية" المعلنة في تندوف من طرف واحد.. وهذا الاعتراف يعني من الناحية القانونية أن بريتوريا ضربت مسار الأمم المتحدة عرض الحائط، وقررت مصير الإقليم موضوع النزاع عوضا عن الساكنة، واختارت لهم الانفصال، وهذا يجعل من جنوب إفريقيا في تناقض مع الأمم المتحدة ومسلسل التسوية.
لقد ارتكب المبعوث الأممي "ديمستورا" خطأ مهنيا لا يُغتفر حين لم يخبر المغرب بزيارته لجنوب إفريقيا، وارتكب خطأ سياسيا حين تجاهل رفض المغرب إجراء تلك الزيارة، علماً أنّ المغرب هو المعني الأول بالنزاع. وللتذكير فقط فإنّ المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة السفير عمر هلال كان أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة عن اعتراض المغرب بشكل قاطع وحاسم على تلك الزيارة، ومع ذلك تحدى "ديمستورا" المملكة وقام بزيارته تلك.
لذلك على الخارجية أن تحيط المغاربة علماً بما اتخذته من إجراءات لسحب الثقة من هذا المبعوث الذي تجاوز حدود وظيفته، وتحدى الطرف الرئيس في النزاع الذي هو المغرب، وفوق ذلك أقحم بلداً ليس معنياً بالملف لا جغرافيا، فجنوب إفريقيا ليست في منطقة النزاع بل تبعد عنها آلاف الكلومترات، ولا هي عضو في مجموعة أصدقاء الصحراء، ولا هي معنية على مستوى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، لأنها لا تملك تفويضا من مجلس السلم والأمن الإفريقي صاحب الاختصاص إفريقيا في الوساطة لحل النزاعات داخل القارة. هذا هو الأساسي في هذه المرحلة من المشاورات حول التقرير. وعلى الخارجية ان تقلب الطاولة على ديمستورا وتطالب بإقالته حتى لا يتكرر سناريو سلفه المبعوث "كريستوفر روس".
أما التقرير في حد ذاته فهو لن يختلف عن سابقيه، وسنتطرق له بشكل مستقل، لأن الأمم المتحدة تمسك العصا من الوسط، ولذلك نجد في كل تقرير أشياء ترضي المغرب وأشياء ترضي أعداء المغرب، فأعضاء مجلس الأمن يشكلون "عصابة خماسية"، تستغل النزاعات عبر العالم من أجل تركيع الدول وإدخالها بيت الطاعة، وابتزازها للحصول على صفقات اقتصادية وأخرى للتسلح بمليارات الدولارات، والأعضاء الدائمون ليسوا أغبياء لذبح دجاجة تبيض ذهبا.
ويكفي أن ننظر إلى ميزانية الجيش الجزائري لهذه السنة 2024 التي بلغت حوالي 20 مليار دولار، وميزانية السنة المقبلة التي ستبلع 25 مليار دولار، ستذهب نسبة كبيرة منها للخزينة الروسية لشراء الأسلحة. وفي المقابل، المغرب مضطر للحفاظ على التوازن العسكري مع بلد يعلن انه عدو استراتيجي للمغرب، وقد تضاعفت ميزانيتنا العسكرية لتصل إلى 12 مليار دولار، سيذهب جزء مهم منها إلى خزائن عضوين أو ثلاثة في مجلس الأمن الدولي.
هذه هي حقيقة مجلس الأمن، أما الشرعية الدولية المُفترى عليها، فالعالم يشاهد كل يوم كيف ذبحها الأعضاء الخمسة الدائمون في عدة مواقع عبر العالم، منها الحرب الأوكرانية واستيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم بالقوة وخارج أي شرعية قانونية دولية، واستعملت "الفيتو" ضد أي محاولة لإدانتها، ومنها أيضاً حرب الإبادة في غزة المستمرة منذ أكثر من سنة، والتي استعملت فيها واشنطن هي الأخرى امتياز وليس حق "الفيتو" لإجهاض كل القرارات لوقف إطلاق النار، بل هي تشارك بقواتها الخاصة واسلحتها وأموالها في الحرب، بالإضافة إلى تهديدها واحتقارها للمحكمة الجنائية الدولية. وقائمة الانتهاكات طويلة في حق القانون الدولي وسيادة الدول بما يستغرق مجلدات وليس مقالات من الفيتنام إلى العراق مرورا بالشيلي ورواندا..
أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية متخصص في ملف الصحراء