الأربعاء 27 نوفمبر 2024
سياسة

أحمد نور الدين: زيارة ماكرون للمغرب تطور استثنائي وافتتاح قنصلية فرنسية بإحدى مدن الصحراء تحصيل حاصل

أحمد نور الدين: زيارة ماكرون للمغرب تطور استثنائي وافتتاح قنصلية فرنسية بإحدى مدن الصحراء تحصيل حاصل أحمد نور الدين، عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية
قال أحمد نور الدين، عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، إن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للمغرب في آخر شهر أكتوبر  2024 تأتي مباشرة بعد الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأضاف، في حوار مع الوكالة الدولية "سبوتنيك عربي" أن العلاقات المغربية - الروسية تتجه إلى مستويات هامة من الشراكة والتعاون، في ظل رغبة متبادلة للتعاون، مذكرا بأن أول بعثة دبلوماسية روسية تم افتتاحها في القارة الإفريقية كانت في مدينة طنجة المغربية سنة 1897.
وتناول أحمد  نور الدين في حواره مع "سبوتنيك"، العديد من القضايا التي تهم المغرب، منها الأزمة المفتعلة بين الرباط والجزائر وإصرار هذه الأخيرة على العداء مع المغرب.
 
برأيك ما الذي تعنيه زيارة الرئيس ماكرون للمغرب في هذا التوقيت؟ 
من حيث التوقيت الزيارة تأتي بعد الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في الصحراء، حيث كتب الرئيس الفرنسي في الرسالة الموجهة إلى العاهل المغربي في 30 يولويو 2024 ما يلي : "أعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يقعان ضمن السيادة المغربية، لذلك، أؤكد لجلالتكم ثبات الموقف الفرنسي بشأن هذه القضية الحساسة للأمن القومي لمملكتكم، وتعتزم فرنسا التصرف بما يتماشى مع هذا الموقف على الصعيدين الوطني والدولي".

 
هذا الموقف الواضح والقوي أذاب كل الجليد الذي عرفته العلاقات على مستوى القمة بين رئيسي البلدين، والذي دام قرابة ست سنوات، حيث يعودآخر لقاء قمة بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي إلى سنة 2018.وأكيد أن هذا الجانب السياسي المتعلق بتفعيل الموقف الفرنسي على المستوى الدولي، والدعم المنتظر من باريس في مجلس الأمن الدولي والمنتديات الدولية الأخرى سيكون ضمن نقاط جدول الأعمال بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية الأخرى.    
هل تحمل الزيارة اتفاقيات جديدة بين البلدين؟ 
من المهم غاية الأهمية ان نذكر بأن زيارة ماكرون أواخر شهر أكتوبر 24 للمغرب ستكون زيارة دولة، وهي من الناحية الدبلوماسية والبروتوكولية أعلى درجة في تراتبية الزيارات التي يقوم بها قادة الدول الى دول أخرى.
 
وفي ذلك إشارة إلى أنها ستكون زيارة غنية من حيث اتفاقيات الشراكة وبروتوكولات التعاون، وربما يتم التوقيع بالأحرف الأولى على معاهدة جديدة للصداقة والشراكة الاستراتيجية بين البلدين ترسي قواعد مرحلة جديدة في العلاقات الاستثنائية بين باريس والرباط، وتعزز المكتسبات خلال القرن الماضي التي جعلت من فرنسا أول شريك اقتصادي وأول مستثمر في المغرب في قطاعات مختلفة منها قطاع صناعة السيارات والطائرات، وتفتح الآفاق لقرن جديد من تعميق التعاون في ميادين أكثر حساسية ومنها التصنيع العسكري وتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي من بين أمور أخرى كثيرة. 
 
ما الاستثمارات المرتقبة لفرنسا في المغرب؟ 
في ذات الرسالة الموجهة لجلالة، صرح الرئيس الفرنسي أن من أهداف زيارته للمغرب تعميق وتحديث الشراكة التي وصفها "بالاستثنائية بين البلدين". وإذا اردنا ترجمة ذلك فيمكن القول أن هناك  صفقات اقتصادية وتجارية وصناعية كبرى على مائدة المحادثات بين الجانبين قد يفوق غلافها المالي عشرين مليار دولار، ويمكن أن نذكر منها صفقة تمديد خطوط القطار فائق السرعة نحو مدينتي مراكش وأكادير قبل مونديال 2030 ، وصفقات أخرى في مجال البنيات التحتية واللوجستيك ومنها مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب باتجاه أوربا، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية، بالإضافة إلى المجالات العسكرية بما في ذلك إنتاج أجزاء من أسلحة الجيل الخامس الفرنسية في مصانع مغربية.
 
هل تتجه فرنسا لافتتاح قنصلية لها في الداخلة او العيون؟ 
في زيارته للمملكة، خلال شهر أبريل 2024، صرح وزير التجارة الخارجية الفرنسي، فرانك ريستر، أن الشركات الفرنسية مستعدة للاستثمار في إقليم الصحراء المغربية، ومن المنتظر خلال زيارة الرئيس الفرنسي أن يتم الإعلان عن استثمارات عمومية فرنسية في مشاريع كبرى في إقليمي (محافظتي) الساقية الحمراء ووادي الذهب.
 
وعلى المستوى الثقافي هناك حديث عن قرب افتتاح مركز ثقافي فرنسي وبعثة تعليمية فرنسية في إحدى مدن الصحراء الغربية المغربية على غرار العديد من المدن المغربية الأخرى. 
 
وكلا الخطوتين الاستثمارية والثقافية، ستجعلان من افتتاح قنصلية فرنسية بمدينة الداخلة او مدينة العيون بالصحراء الفريية المغربية تحصيل حاصل، لأن من مهام القنصليات رعاية المصالح الاقتصادية والثقافية لدولها.
 
بعد فرض التأشيرة من قبل الجزائر ...ما تداعيات مثل هذه الخطوة وهل يمكن أن تتخذ الرباط خطوة مماثلة؟ 
أولا يجب التأكيد على أن فرض التأشيرة على المغاربة لا يزيد شيئا في حدة الأزمة بين البلدين لسبب بسيط وهو أن الجزائر  قطعت علاقاتها الدبلوماسية بشكل أحادي مع المغرب في 24 أغسطس 2021، وأغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المدني المغربي بما في ذلك الطائرات المغربية التي تُقل حجاج بيت الله الحرام إلى مكة المكرمة. وهذه الخطوة هي أعلى درجات التوتر وليس بعدها إلا إعلان الحرب. 
 
لذلك ليست هناك تداعيات جديدة أكثر من سابقتها، فعلى الصعيد الاقتصادي توقفت المبادلات التجارية بشكل شبه كلي بعدما حققت حوالي مليار دولار سنة 2018 ، فضلا عن خسارة كل بلد لنقطتين إلى ثلاث نقاط في معدل النمو الاقتصادي بسبب إغلاق الحدود كما تؤكد احصائيات البنك الدولي.
 
 أما عن احتمال فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين، فهذا قرار سيادي للمملكة وبإمكانها أن تتخذه في أي لحظة شاءت، وفوق ذلك يعتبر مبدأ "المعاملة بالمثل" من القواعد الدبلوماسية المرعية في العلاقات الدولية. 
 
ولكن الدبلوماسية المغربية ليست انفعالية ولا تتعامل بردود الفعل، وتميل إلى أخذ الوقت الكافي قبل اتخاذ قرارها بكل هدوء وحكمة.
 
كيف ترى مستقبل اتحاد المغرب العربي وآفاق عمله في المستقبل؟ 
بناء الاتحاد المغاربي يعد حلم عدة أجيال وسيبقى كذلك إلى أن يتحقق. فرغم الجمود الذي تعيشه مؤسساته إلا أن كل الدول الخمسة باستثناء الجزائر، تؤكد في كل مناسبة عن تشبثها بهذه المنظمة الإقليمية. واستثنيت الجزائر لأسباب موضوعية ووقائع ملموسة منها البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية الجزائرية في أبريل 2023، والذي وصفت فيه الاتحاد المغاربي بأنه “ أصبح كيانا ميتا وغير موجود”، وهذا موقف واضح وغير قابل للتأويل يعبر عن قناعة الجزائر تجاه الاتحاد المغاربي، وهو بيان صادر عن الجهة التي تمثل الدولة الجزائرية على المستوى الدبلوماسي والقانوني واعني بها وزارة الخارجية.
 
وما يؤكد ويعزز هذه القناعة الجزائرية هو البيان الذي أصدره الأمين العام للاتحاد المغاربي آنذاك، السيد الطيب البكّوش، وهو تونسي الجنسية، ردا على بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية، وقال فيه بأنّ “ الجزائر توقفت عن دفع مستحقاتها لاتحاد المغرب العربي منذ 2016 ، وأنها سحبت ممثليها منه بشكل تدريجي، إلى أن سحبت آخرهم سنة 2022." 
وهو ما يعني أنّ النية كانت موجودة لدى القيادة الجزائرية للانسحاب من الاتحاد المغاربي وذلك قبل قطع العلاقات مع المغرب بخمس سنوات.

 
إضافة إلى هذه الوقائع الدبلوماسية الملموسة، تبقى الجزائر هي الدولة المغاربية الوحيدة التي تنتهك ميثاق الاتحاد المغاربي الذي يُنصّص بشكل واضح في مادته 15 على ضرورة امتناع كل دولة عن احتضان “أي نشاط أو تنظيم يمَسّ أمنَ أو حرمةَ تراب دولة أخرى في الاتحاد المغاربي أو نظامَها السيّاسي”، فالجزائر تحتضن جبهة “البوليساريو” الانفصالية وميليشياتها المسلحة التي تهدد امن وسلامة المملكة ووحدة اراضيها، وتسمح الجزائر لتلك الميليشيات بمهاجمة المغرب بالسلاح انطلاقا من الأراضي الجزائرية، وتضع رهن إشارة الانفصاليين إذاعة وقناة تلفزيونية تبث دعاية وتحريضا ضد المغرب على مدار الساعة. وهذا واقع لا يرتفع مع كامل الأسف.
 
هل هناك من جهود أو وساطة عربية ربما في الوقت الراهن بين المغرب والجزائر لاحتواء الأزمة؟
ليست المشكلة في وجود مبادرات عربية للوساطة، فهي كثيرة ومتعددة ونذكر منها على سبيل المثال الوساطة السعودية قبيل القمة العربية المنعقدة في الجزائر سنة 2022، والوساطة المصرية على عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، والوساطات الإماراتية والكويتية المتكررة، والوساطة التونسية على عهد الرئيس المنصف المرزوقي، والوساطة الأردنية وغيرها كثير ولكن السلطات الجزائرية أغلقت كل المنافذ، ولا أدل على ذلك من تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للتلفزيون الجزائري يوم 10 أكتوبر 2021 الذي قال فيه بأن “ *الجزائر لا تقبل أي وساطة مع المغرب، " وأضاف " رفضنا إدراج المصالحة بين البلدين في المؤتمر الوزاري لجامعة الدول العربية بالقاهرة ”.

 
أظن أن بعد هذا التصريح ليس هناك رئيس دولة يمكن أن يجازف بمصداقيته في مغامرة محكوم عليها بالفشل.
وفي نفس السياق صرح السفير نذير العرباوي، المندوب الدائم للجزائر لدى الجامعة العربية، خلال اجتماع بالقاهرة للتحضير لقمة نونبر 2022 العربية، أن حكومة بلاده " لا تقبل أي وساطة بينها وبين المغرب، ولا تقبل إدراج المصالحة بين البلدين في جدول أعمال القمة العربية ".

 
وكان يرد بذلك على محاولة وساطة قادها الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط، علما أن هذا الرفض أدخل القيادة الجزائرية في تناقض صارخ مع شعار “جمع الشمل” الذي رفعته قمة الجزائر.
 
وليت الأمر توقف عند هذا الحد،  فقد صرح الرئيس الجزائري لقناة الجزيرة القطرية، في مارس 2023، بأن " الأزمة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة"، ولا يخفى في القاموس السياسي أن "نقطة اللاعودة" تلميح لإمكانية نشوب حرب.
 
كيف ترى مستقبل العلاقات بين المغرب وروسيا؟
أراه مستقبلاً واعداً لأن هناك تقاطعا بين استراتيجيات البلدين، فمن جهة المغرب يرغب في تنويع شركائه للتخلص من الابتزاز الذي تمارسه الدول الأوربية، وهي الشريك الرئيس للمملكة بحصة تفوق 60% من مجمل المبادلات الخارجية للرباط. لذلك سعت المملكة إلى توقيع اتفاقية للشراكة  الاستراتبجية مع فدرالية روسيا منذ 2002، خلال الزيارة الرسمية الأولى للعاهل المغربي إلى موسكو، والتي تلتها زيارة أخرى سنة 2016 تم فيها التوقيع على العديد من الاتفاقيات ذات الطابع العسكري والصناعي والتكنولوجي والأمني والثقافي. 

 
ومن جهة ثانية هناك رغبة لدى موسكو في تعزيز وجودها داخل القارة الافريقية لمواجهة واحتواء التحديات الاقتصادية الناجمة عن نظام العقوبات الغربية بسبب الحرب الأوكرانية،  وكذلك لتحقيق أهدافها في تشكيل عالم متعدد الأقطاب. وهو ما يفتح آفاقا رحبة للتعاون وتبادل المصالح. 
 
ولا ننسى كذلك أن أول بعثة دبلوماسية روسية تم افتتاحها في القارة الإفريقية كانت في مدينة طنجة المغربية سنة 1897، وهو ما يعطي للعلاقات بين البلدين عمقا  تاريخيا مهما وطابعا متميزا في إفريقيا.
 
ما هي أوجه التعاون بين موسكو والرباط وفرص الاستثمار أمام الروس في المغرب؟ 
عرفت العلاقات تطورا ملحوظا حيث بلغ حجم المبادلات حوالي 2.5 مليار دولار، ويعتبر المغرب الزبون التجاري الثالث أو الرابع لروسيا في افريقيا، ويشمل التعاون مجالات جد متنوعة، فبعيدا عن المنتجات الفلاحية والصيد البحري ومواد الطاقة التي تطغى على المبادلات الثنائية، هناك تعاون متجذر في تكنولوجيا الفضاء يعود الى سنة 2001، تاريخ إطلاق أول قمر صناعي من صنع مغربي من قاعدة بايكونور بواسطة صاروخ روسي. 
وقد تعزز هذا التعاون التكنولوجي بعد توقيع اتفاقية تحمي المعطيات المصنفة في الميدان العسكري والتكنولوجي سنة 2016.

 
 إضافة إلى هذه الجوانب هناك محادثات جارية بين البلدين حول إنجاز محطة للغاز السائل بالمغرب، ومشاركة روسية في تمويل وإنجاز خط أنابيب الغاز  بين نيجيريا والمغرب والذي سيكلف حوالي 25  مليار دولار وسيزود حوالي 13 بلدا في غرب إفريقيا. 
 
كما أن شركة "روساتوم" مهتمة بإنشاء محطة نووية بالمغرب، واستعمال التكنولوجيا الروسية في تحلية مياه البحر. 
ويبحث المغرب أيضاً عن شريك دولي لتوسيع شبكة السكة الحديدية نحو عمقه الافريقي، خاصة لربط أكادير  المغربية بالعاصمة السنغالية داكار، مرورا بموريتانيا، وذلك لتسريع الاندماج الافريقي وتعزيز مركز المغرب على خارطة اللوجسيتيك داخل القارة وعلى المستوى العالمي. 

 
وكما تلاحظون يتعلق الأمر هنا بمشاريع استثمارية ضخمة تندرج ضمن الاستراتيجية الروسية لتطوير موقعها كشريك رئيسي للدول الافريقية. 
 
وأظن أن قيام موسكو بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في الصحراء سيقرب المسافات للدخول في شراكة قوية بين البلدين وسيزيل كل العقبات التي تعيق تنفيذ بعض المشاريع الكبرى والواعدة في المنطقة.