الاثنين 25 نوفمبر 2024
مجتمع

حكم قضائي بالحجز على الاعتمادات المالية لمجلس مدينة الدار البيضاء

حكم قضائي بالحجز على الاعتمادات المالية لمجلس مدينة الدار البيضاء من دورة سابقة لمجلس الدار البيضاء
بتاريخ 3 يونيو 2024 أصدر الرئيس خاليد العاقل نائب رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أمرا استعجاليا مبدئيا قضى بالحجز على أموال المدينة لفائدة إحدى الشركات.

أهمية الأمر القضائي الذي نشرته "المفكرة القانونية" تكمن في كونه يشكل سابقة بعد صدور المادة 8 مكرر من قانون المالية الجديد المثيرة للجدل والتي تمنع الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية لتنفيذ حكم قضائي. إذ حمّل القضاء المسؤولية لبلدية الدار البيضاء في عدم توفير ميزانية لتنفيذ الحكم.

ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 29 أبريل 2024حينما تقدم دفاع إحدى الشركات بمقال للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء يرمي إلى المصادقة على حجز على الاعتمادات المالية للجماعة الحضرية لمدينة الدار البيضاء المودعة بين يدي الخازن الإقليمي.

وجاء في عريضة الدعوى أن الشركة قد استصدرت في وقت سابق حكما من المحكمة الإدارية بأداء بلدية الدار البيضاء مبلغ 441865 درهم لفائدتها وقد تم تأييد الحكم استئنافيا، وأنها باشرت إجراءات تنفيذ الحكم والتي انتهت بتحرير محضر امتناع عن التنفيذ. وارتكازا على السند التنفيذي المذكور، تمّ إجراء حجز ما للمدين لدى الغير على الأموال العائدة للمحجوز عليها بين يدي الخازن الإقليمي لمدينة الدار البيضاء، وطالما أن الدين ثابت ومحقق الوجود التمست المدعية قبول الطلب شكلا وفي الموضوع المصادقة على الحجز المذكور وإصدار أمر للخازن الإقليمي بتسليمها المبلغ المالي المحجوز وقدره 441865 درهم، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل.

البلدية تتمسك بعدم إمكانية الحجز على أموالها
أدلى الخازن الإقليمي بمذكرة بتصريح أفاد فيها غياب توافر اعتمادات مرصودة بميزانية البلدية المحجوز عليها في باب تنفيذ الأحكام القضائية.

وأدلت البلدية المدعى عليها بدورها بمذكرة جوابية أثارت فيها عدم قابلية الأموال العامة للحجز لأنها مرصودة لخدمة المصلحة العامة، كما أوضحت أن اعتماداتها الموجودة لدى الخازن الإقليمي ليست أموالا سائلة، ولكنها مجرد بنود وقوائم وأرقام مخصصة لتغطية نفقات محددة على سبيل الحصر ومرصودة لخدمة المرفق العام، وأضافت أن من شأن هذا الحجز الإخلال بالسير العادي للمرفق العمومي، موضحة بأنها لم تمتنع عن التنفيذ، إلا أنه لا يمكنها تسديد ديونها إلا وفقا لقواعد المحاسبة العمومية، فضلا عن عدم وجود اعتمادات كافية في ميزانية تنفيذ الأحكام القضائية، ملتمسة رفض الطلب.

موقف المحكمة
استجابت المحكمة لطلب الحجز على الاعتمادات المالية المخصصة لبلدية الدار البيضاء معتمدة على العلل التالية:

* الحجز لدى الغير ذو طبيعة تنفيذية ومن ثم فإن ايقاعه والمصادقة عليه هو وسيلة من وسائل التنفيذ، وسلوك المحكوم لفائدته لهذه المسطرة يعد بمثابة مطالبة بالتنفيذ، وعدم تسديد المحجوز عليها للمبلغ المحكوم به يعتبر في حد ذاته امتناعا عن التنفيذ؛

* إن ما تذرع به الخازن الإقليمي بخصوص طلبات الأداء المؤسسة على سندات تنفيذية صادرة في مواجهة جماعة محلية أو مجموعة ما هو إلا إجراء إداري، وتذرعه بعدم وجود مبلغ مالي ما هو إلا تعطيل لمسطرة التنفيذ الجبري للأحكام القضائية؛

* إن قواعد المحاسبة العمومية موضوعة لضبط العلاقة بين الآمر بالصرف والمحاسب العمومي وأن الحجز لدى الغير أجري بناء على سند تنفيذي، وإن الاعتمادات المالية متوفرة خلافا لما صرح به الخازن الإقليمي في تصريحه المجرد عن أي إثبات؛

* يستفاد من مقتضيات المادة 488 من قانون المسطرة المدنية أنه ليس شرطا في صحة الحجز لدى الغير أن تكون العلاقة التي تربط المحجوز بين يديه بالمحجوز عليه هي علاقة مديونية، وإنما يشترط فقط أن يكون الغير المحجوز بين يديه حائزا لمبالغ أو مستندات تعود للمحجوز عليه، ويصحّ الحجز عليها من طرف القائم بالحجز والتعرض على تسليمها له ضمانا لاستيفاء دينه منه.

* لئن كان المحجوز بين يديه يتولى تدبير ومراقبة الحساب المفتوح باسم الجماعة المحجوز عليها فإن ممارسته لهذه المهام إنما تكون بصفته نائبا عن الخازن العامّ التي تعطيه حقّ الاعتراض على استخلاص موارد مالية غير مستحقة أو صرف نفقة غير مبررة رغم صدور قرار بشأنها من طرف الآمر بالصرف، مما حاصله أنه يمارس صلاحياته باستقلالية تامة عن البلدية المنفذ عليها ويجعله في موقف الغير بالنسبة إليها يمكن الحجز بين يديه على المبالغ المدرجة في حساباتها طالما أنه يفترض فيها تخصيص اعتمادات مالية كافية لتنفيذ الأحكام القضائية، والتي تعد في حد ذاتها سندا تنفيذيا وسندا ماليا، كما تعد نفقة إجبارية، وأنه ولئن كان الخازن الإقليمي أدلى بتصريح سلبي، فإن الأمر خلاف ذلك، طالما أن الطرف الحاجز ليس مسؤولا عن الإجراءات المسطرية واجبة السلوك لحصول الخازن الإقليمي عن ميزانية الجماعة المعنية برسم السنة الجارية، كما أنه وإلى غاية صدور هذا الأمر لم تعمل المحجوز عليها على تمكين الطرف الحاجز من المبلغ موضوع الحجز، مما تكون معه موجبات المصادقة على الحجز قائمة ويتعين الاستجابة للطلب.

وعليه صرحت المحكمة بالمصادقة على الحجز المضروب بموجب محضر الحجز لدى الغير المحرر من طرف مأمور إجراءات التنفيذ بتاريخ 08/04/2024، على الاعتمادات المالية العائدة لبلدية الدار البيضاء المحجوز عليها المودعة لدى الخازن الإقليمي للمدينة، وذلك في حدود مبلغ 441.865 درهم، مع أمره بتحويل المبلغ المذكور الى صندوق المحكمة لتسليمه للحاجز طبقا للإجراءات القانونية، وتحميل المحجوز عليها الصائر.

تعليق على الحكم القضائي
يعيد هذا الحكم القضائي إلى الواجهة إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حق أشخاص القانون العام بالمغرب: فبعدما لجأ القضاء الإداري إلى عدة حلول مبتكرة لعلاج هذه المعضلة من قبيل اصدار غرامات مالية شخصية في حق الوزراء الممتنعين عن التنفيذ، وإبرام اتفاقيات بين المحاكم الإدارية مع الوزارات المعنية ومنحها مهلة ستة أشهر لتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها بشكل ودي، قرر اللجوء إلى أعمال الحجز على الأموال العامة بالمغرب.

مع توالي الأحكام القضائية الصادرة بالحجز على الأموال العمومية وتزايد تكلفتها المادية، أدخلت الحكومة تعديلا على مقتضيات قانون المالية من خلال المادة 8 مكرر المثيرة للجدل والتي أصبحت تنص على أنه: “يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو جماعة ترابية أو مجموعاتها بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه 90 يوما ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، وإلا يتم الأداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء بمجرد انصرام الأجل أعلاه. وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبيّن أنها غير كافية، يتمّ عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة، وذلك في أجل أقصاه أربع سنوات، من دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز”.

اعتبرت المحكمة أن الحجز لدى الغير ذو طبيعة تنفيذية ومن ثمّ فإن إيقاعه والمصادقة عليه هي وسيلة من وسائل التنفيذ طبقا لقانون المسطرة المدنية، وسلوك المحكوم لفائدته لهذه المسطرة يعدّ بمثابة مطالبة بالتنفيذ، وعدم تسديد المحجوز عليها للمبلغ المحكوم به يعتبر في حد ذاته امتناعا عن التنفيذ.

كان لافتا أن المحكمة لجأت إلى تطبيق مقتضيات قانون المسطرة المدنية الذي يبقى الشريعة العامة لإجراءات التقاضي في المادة المدنية، واعتبرت أنه أولى بالتطبيق لكونه نصا عاما ينظم مختلف أنواع الحجوز بما فيها مسطرة الحجز لدى الغير وهو لا يمنع الحجز على أموال أشخاص القانون العام. وقد استنتجت المحكمة من وقائع القضية تعسف الإدارة في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها، معتبرة أنها تتحمل كامل المسؤولية في توفير ميزانية لتنفيذ الأحكام القضائية ولا يمكنها أن تتذرع بعدم وجود مبلغ مالي، إذ أن ذلك لا يعتبر إلا وسيلة لتعطيل مسطرة التنفيذ الجبري للأحكام القضائية.