قال المحامي إسماعيل الجباري الكرفطي أن تصريح رئيس مجلس النواب بشأن قيامه بإحالة مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية الذي أثار الجدل وخلق احتقانا لدى مختلف الفاعلين بقطاع العدل، على المحكمة الدستورية، يأتي في ظل توترات وصراع التأويلات والتفسيرات المتعلقة بدستورية مشروع قانون المسطرة المدنية.
وقال الدكتور الكرفطي، في تصريح لجريدة "أنفاس بريس"، أنه، نظرًا لجوهرية ونوعية مشروع قانون المسطرة المدنية في المنظومة الإجرائية والمسطرية لضمان الحقوق والحريات واستكمال البناء المؤسساتي للعدالة والسلطة القضائية، وفي سابقة دستورية وبرلمانية، صرح رئيس مجلس النواب بنيته في ممارسة حقه في إحالة القانون على المحكمة الدستورية، في حين أكدت الممارسة الدستورية والبرلمانية، أنه خلال عقود من الزمن لم يبادر رئيس مجلس النواب، ولو مرة إلى تقديم طلب يرمي إلى تصريح بمطابقة قانون مع الدستور، ومنطقيا، يبقى اللجوء إلى ممارسة الحق ذاته الذي يتمتع به رئيس مجلس النواب، نادرا سواء في الأجل القريب أو البعيد، على اعتبار أنه، غالبا يتم التصويت على مشاريع قوانين من قبل الأغلبية ذات اللون السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس نفسه.
وأضاف المتحدث قائلا، "وفي المقابل، وفي توجه متواتر على مستوى الممارسة البرلمانية والدستورية، فقد أصبح يمارس خُمس أعضاء مجلس النواب حق إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية، إذ جاء في فصل 132/فقرة 3 منه: "يمكن ل.. خُمس أعضاء مجلس النواب، يحيلوا القوانين.."
فالثابت من الممارسة البرلمانية أنه تم اللجوء إلى هته الإحالة في العديد من مشاريع القوانين: فبتاريخ 31 فبراير 2012، حيث طلب 107 من أعضاء مجلس النواب من المجلس الدستوري التصريح بمخالفة بعض مقتضيات قانون المالية رقم 12-115 للسنة المالية 2013 للدستور. وأصدر المجلس الدستوري بشأنها قراره.
كما أنه بتاريخ 26 يوليوز 2013، طلب 87 عضوا بمجلس النواب من المجلس الدستوري بتصريح بعدم مطابقة القانون 01-129 القاضي بتغيير المادة 139 من القانون 01-22 المتعلقة بالمسطرة الجنائية للدستور. وقد أصدر المجلس الدستوري بشأنها قراره.
بتاريخ 25 دجنبر 2013، طلب 120 عضوا بمجلس النواب من المجلس الدستوري التصريح بمخالفة قانون المالية رقم 13-110 للسنة المالية 2014 للدستور. وقد أصدر المجلس الدستوري بشأنها قراره.
وهناك كذلك ضمانات مؤسساتية أخرى تتعلق بحق الملك في الاعتراض التشريعي أو ما يصطلح عليه دستوريا بطلب القراءة الجديدة. إذ يمكن للملك أن يطلب من كلا المجلسين إعادة تعديل أو تغيير مشروع أو مقترح القانون موضوع القراءة الجديدة. كما لايمكن أن يفهم من القراءة الجديدة أن الملك يعترض بشكل مباشر ونهائي على المقترح أو المشروع محل القراءة الجديدة، وإنما تكمن مقاصد المشرع في إقرار آلية القراءة الجديدة في دفع البرلمان إلى إعادة مقاربة تصوره للنص التشريعي محل القراءة الجديدة.
ليخلص المحامي إسماعيل الكرفطي، أننا أمام سابقة برلمانية ودستورية عندما صرح رئيس مجلس النواب باللجوء إلى آلية الإحالة على المحكمة الدستورية، في حين أن مشروع قانون المسطرة المدنية مازل في المرحلة البرلمانية، وهذا يوضح هشاشة البناء الدستوري والتشريعي والمرجعي لمشروع قانون المسطرة المدنية وتكامله مع باقي الأنظمة المسطرية والموضوعية واحترامه لمبادئ ذات الطابع الدستوري الواردة في مقتضيات الدستور 2011 والمقاربة التشاركية.
يذكر أن الفصل 132 في فقرته الثالثة من دستور المملكة يتحدث على أنه، "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور"، ويتعلق الأمر بالقوانين الصادرة عن البرلمان، إذا كان لايمكن أن تحال إلى المجلس الدستوري استنادا إلى الفصل 132/فق.3 من دستور المملكة إلا القوانين المصوت/ الموافق عليها من قبل البرلمان.