انقلبت المعايير وتاهت الاستراتيجيات في زمن الشعبوية وروادها، فلم نعد نعتمد في مقارباتنا السياسية على محللين اقتصادين ولا أساتذة باحثين ولا أهل الاختصاص.
بل يكفينا فخرا أن "مول النعناع "وبدون سابق انذار استطاع بتصريحه أن يسطر لنا معالم تدبير جديد وأن يصبح مرجعا أكاديميا يستشهد به . ولو رجعنا إليه الآن بعد تجربة مريرة لأخبرنا بأن تحيته إن صحت في لحظة عابرة لم تكن سوى تفاعلا في سياق مختلف. لقد ظهر جليا أننا أمام تجار سياسة باعوا لنا الوهم وسوقوا لنا الأكاذيب. والآن نحصد بداية هذه الحصيلة .
في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم الذي مس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطن، بعدما أصبح غير قادر على مجاراة سرعة هذا التحول المخيف الذي أتي على آخر ما تبقى من قوته اليومي .
ومع كثرة المخططات التي أثبتت فشلها في تحقيق السيادة الغذائية على الأقل في المواد الضرورية وبات معروفا لدى الجميع أن المخطط الأخضر الذي رمانا إلى الجيل الأخضر وقد فرط في كثير من مقدرات الوطن. وكلما جاءت محطة انكشفت حقيقة تدبير وزارة الفلاحة التي لم تستطع تأمين أي شيء من الحبوب ابتداء إلى أغلى منتج يمكن ترويجه بالداخل كما بالخارج.
بل أصبحنا بقدرة قادر نستورد كل شيء. وفقدنا استقلالية بعض المواد إن لم تكن كلها. وتعقدت وضعيتنا الفلاحية في ظل سوء تدبير حكومي واستهداف خارجي.
امام هذه الوضعية ولفهمها أكثر رجعت بمخيلتي الى السنوات القليلة الماضية زمن تواجد اخنوش على رأس حملة انتخابية وهو يلقي بوعوده يمينا وشمالا دون ضابط أخلاقي ولا رادع قانوني .وفي إحدى خطبه العصماء التي تشبه لحد بعيد نكتة سوداء وهو يقدم استراتيجية التزاماته السياسية وكيف سينسينا زمن من كانوا قبله فأشار بأصبعه في لقاء جهوي وهو يضبط نظارته كالعادة متطاولا في ساحة النقاش ليغطي على ارتباك ملحوظ، بعدما تأكد من فوز موعود عبدت له الطريق ليخلف من سبقوه وهنا لا بد من الإشارة أن ما نعيشه اليوم افظع بكثير مما ودعناه ،لنعيش أسوأ تدبير حكومي عرفه تاريخ السياسة في المغرب. فلو تتبعنا كلامه واخضعناه للتحليل المنطقي لوجدناه مفرغا من مضمون يليق كبديلا للمرحلة.
وهي ملاحظة ليست استثنائية حصرا على حزبه لوحده، بل تنسحب على الكل في سياق المرافعات التي غالبا ما يطغى الرد على الزمن المطلوب فيه لتقديم الحلول المطلوبة والالتزامات وبالتالي تضيع البرامج والأفكار وسط الفوضى التي لن تقدم أي إضافة في المعيش اليومي للمواطن.