تعرّف الأمم المتحدة ظاهرة "الإسلاموفوبيا بـأنها "الخوف من المسلمين والوقوف ضدهم والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب من خلال التهديد والمضايقة والإساءة والتحريض والترهيب ضد المسلمين وغير المسلمين، سواء على أرض الواقع أو عبر الإنترنت". وقد تم اختيار الخامس عشر من مارس من كل عام يوما عالميا لمكافحة الإسلاموفوبيا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموافقة كل الدول الأعضاء وعددها 193، اعتبارا من سنة 2022. ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة العوامل التالية:
1 ــ ارتفاع أعداد المسلمين في أوروبا إلى حوالي 16 مليون مسلم. إذ تشير التقديرات إلى أن المسلمين في فرنسا يشكلون 15%، وفي السويد تزيد النسبة على 8%، وحوالي 7% في بلجيكا وبريطانيا وهولندا وألمانيا، بينما تقارب النسبة 6% في إسبانيا والدانمارك وإيطاليا. وحسب التقديرات الاستشرافية فإن المسلمين سيشكلون خُمس (5/1) سكان الاتحاد الأوروبي بحلول منتصف القرن الحالي. فقد توقعت دراسة قام بها مركز بيو الأميركي للأبحاث أن نسبة المسلمين في عدد من الدول الأوربية ستبلغ مستويات قياسية بحلول العام 2050 (20% في ألمانيا و18% في فرنسا و17% في بريطانيا).
وخلصت نفس الدراسة التي شملت 30 دولة أوروبية إلى أنه حسب السيناريو الأكثر ترجيحا فإن المسلمين سيشكلون الأغلبية بعد نحو 100 عام في كل من السويد وفرنسا واليونان، وسيتأخر الأمر إلى نحو 115 عام في بلجيكا وبلغاريا، بينما سيستغرق ذلك نحو 150 عاما في كل من إيطاليا ولوكسمبورغ وبريطانيا. أما الرئيس السابق للمكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور (المخابرات) هانز جورج ماسن، فقد توقع، في مقابلة مع صحيفة أكسبرس النمساوية، أنه بحلول عام 2200 سيكون معظم سكان أوروبا مسلمين.
2 ــ ارتفاع نسبة الولادات في صفوف المسلمين وتدنيها لدى الأوروبيين: إذ تظهر المعطيات الفرق الكبير بين معدلات الإنجاب في صفوف الأوروبيين (1.5 % في ألمانيا مثلا)، وبين معدلات الإنجاب عند الجالية المسلمة (8.1 %). ومن أبرز العوامل التي تشجع المسلمين على التوالد:
أ ـ العامل الديني الذي يجعل المسلمين يمتثلون للحديث النبوي (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة).
ب ـ العامل الثقافي/ الاجتماعي الذي يجعل الأسر تربي أبناءها على مسؤولية الرعاية الاجتماعية للوالدين عند العجز والشيخوخة. فالأسر المسلمة تستثمر في أبنائها وتهيئهم للعناية بالوالدين عند كبرهما.
ج ـ التعويضات العائلية التي تتلقاها الأسر عن كل طفل أنجبت، لدرجة أن أسرا عديدة تعيش على تلك التعويضات ؛ بحيث يتم دفع مكافأة قدرها 944.51 يورو لكل طفل مولود، في إيطاليا 960 يورو عند الولادة. وتتلقى الأسر التي لديها طفل واحد 138 يورو شهريا، أما التي لديها طفلان فتحصل على 258 يورو، و375 يورو للعائلات التي لديها ثلاثة. هذا فضلا عن مساعدة إضافية تسمى "بطاقة العائلة" التي توفر منافع اقتصادية وخدمات مختلفة كالنقل أو اقتناء السلع أو المزايا الضريبية أو عند دفع ثمن المشتريات.
3 ــ الهجرة النظامية والسرية وارتفاع عدد اللاجئين في الدول الأوروبية حيث بلغوا 7 ملايين في نهاية عام 2021. فقد استقبلت أوروبا الغربية ما يزيد عن 5 ملايين طالب لجوء خلال الفترة بين 2010 و2017، غالبيتهم مسلمون من أفغانستان وباكستان، وعرب من العراق، سوريا. وجاءت ألمانيا على رأس الدول مستقبلة لأكبر عدد من طالبي اللجوء (1,800,000 طلب لجوء)، بما يمثل 35% من مجمل العدد في أوروبا؛ تليها فرنسا وإيطاليا بنسبة 10% لكل منهما، ثم السويد بنسبة 8%. تضاف إلى هذه الأعداد أفواج المهاجرين السريين التي ارتفعت حدتها بعد ما سمي بالربيع العربي وسقوط نظام بنعلي والقذافي وتغلغل التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
4 ــ إستراتيجية خلق مجتمعات موازية ترفض الاندماج لأسباب سياسية أو عنصرية أو ثقافية. لم تكن أوروبا تواجه وضعا انقسمت فيه مجتمعاتها إلى مجتمعات أصلية بقيمها وثقافتها القائمتين على مبادئ حقوق الإنسان، وأخرى موازية مناهضة لتلك القيم والمبادئ وإن كانت تستغلها في الإجهاز عليها. فقبل موجة الإسلام السياسي وإستراتيجية أسلمة المجتمعات التي تنهجها تنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ابتداء من سبعينيات القرن العشرين، لم تكن أوربا تشكو من التطرف الإسلاموي الذي تتحمل مسؤولية إيواء واحتضان شيوخه ومنظّريه التكفيريين الفارين من عدالة دولهم الأصلية. إذ لما كان التطرف الديني والإرهاب الإسلاموي يستهدف الدول العربية والإسلامية لم تكن أوروبا تهتم بجرائمه، بل لم تصنّفها كذلك. لكن لما صارت أوروبا ضحيته، سواء بسبب العمليات الإرهابية التي استهدفت بعض عواصمها أو بسبب المجتمعات الموازية الآخذة في التشكل داخل أوروبا باتت مناهضة القيم الأوربية السمة المميزة لهذه المجتمعات الموازية التي تتغذى على الإيديولوجية الإسلاموية وثقافة الكراهية للمجتمعات الغربية بنظمها وقوانينها وقيمها. ولعل المطالبة بتطبيق الشريعة من قبل الفارين من جحيم داعش بسوريا والعراق، وطالبان بأفغانستان، أو من الذين وُلدوا وتربوا في أوروبا وهم من أصول عربية/إسلامية، أمر لا يمكن تفسيره خارج تأثير إيديولوجية الإسلام السياسي في تشكيل مجتمعات موازية. ففي فرنسا رصد التحقيق حوالي عشر شبكات تسيطر عليها جماعة "الإخوان المسلمون". وتقوم هذه الشبكات بتقديم مختلف أنواع الرعاية للتابعين لها، بدء من توفير فرص عمل في شركات تسمح بارتداء الحجاب والتغيب لأداء صلاة الجمعة، ومرورا بتوفير معونات اجتماعية وصحية، وإقامة مدارس دينية وحتى إقامة ورعاية المساجد، فيما يشابه مجتمعا متكاملا، مغلقا على أفراده وموازيا للمجتمع الفرنسي.
5 ــ هلع الشعوب الأوربية من فقدان هويتها الحضارية والثقافية. لا جدال في أن المجتمعات الأوربية بدأت تدرك خطورة العقائد الإسلاموية على أمنها ووحدة نسيجها الثقافي والقيمي. وكيف لا يصيبها الهلع والخوف على مصيرها ومستقبلها وهي التي خاضت حروبها ضد الكنيسة وسلطة رجال الدين لتبني مجتمعات حرة، فإذا بها تجد نفسها أمام "غزو" ديني يعيدها إلى العصور المظلمة. والأمر لا يقتصر فقط على نشر تعاليم وقيم دينية إسلامية مخالفة للقيم الغربية ولتعاليم المسيحية، وإنما بات يشكل خطرا حقيقيا يتهدد حياة الأفراد وسلامتهم الجسدية. إنه خطر الإرهاب الذي لم تعد أي عاصمة غربية في مأمن منه.
وما يزيد من تعقيد وضعية مواجهة خطر التطرف والإرهاب، أن الجماعات “الإسلاموية المتطرفة” بكل اطيافها، تمارس أنشطتها داخل المساجد وفي الحلقات المغلقة، كما تعمل خلف واجهات حاصلة على الوضع القانوني للعمل في أوروبا مثل المنظمات الإنسانية والخيرية والمساجد والجامعات.
لقد استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة حالة الهلع والخوف العامة لتروج لخطابها المعادي للجاليات المسلمة عموما، وللمهاجرين واللاجئين على الخصوص، كمقدمة لتعديل القوانين نحو مزيد من التشدد والصرامة إزاء الهجرة. وفي إطار التنافس السياسي، تبنت الأحزاب الرئيسية خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة والمعادية للإسلام لتوسيع شعبيتها. ففي ألمانيا مثلا، قفز حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي ينص في برنامجه على أن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا، إلى المركز الثاني في استطلاعات الرأي خلال 2023. وفي هذا الإطار، قال ريما هنانو، ممثلة تحالف كليم، في مؤتمر صحفي "لم تعد الشوارع أو الحافلات أو المساجد أماكن آمنة للمسلمين أو الذين يبدو من مظهرهم أنهم مسلمون.. لم تكن العنصرية ضد المسلمين مقبولة اجتماعيا كما هي اليوم، وهي تأتي من وسط المجتمع". واقع ترجمه استطلاع للرأي أظهر أن واحدا من كل اثنين من الألمان لديه آراء معادية للإسلام.