من القلب تنطلق عملية ضخ الدم نحو كامل الأعضاء النبيلة في الجسم (من رئة ومخ وكبد وكلي)، ومن القلب يخرج شريان كبير يغذي هذه الأعضاء النبيلة بالدم، وهذا الشريان تتفرع عنه شرايين صغرى لتغذية باقي الجسم.
ومن أبجديات الوقاية الطبية أنه في حالة عدم الاهتمام بالشرايين الصغرى يقع انسداد، فينتقل المرض نحو الشريان الكبير وتظهر أعراض مرضية متنوعة ومختلفة (كوليسترول، سكري...إلخ). ويصبح الدم صعب التنقل نحو الأطراف البعيدة في الجسم مثل الأرجل، فيحدث التعفن والتقيح. وفي هذه الحالة يصبح الحل هو بتر الأرجل للحفاظ على سلامة الجسم وعلى ما تبقى منه.
هذه القاعدة الطبية والبيولوجية، يمكن أن نطبقها على الشبكة الطرقية ببلادنا وعلى النموذج المعتمد في إعداد التراب الوطني. ويمكن أن نشبه الرباط (عاصمة الحكم) بالقلب الذي يضخ الدم (التصورات والقرارات والميزانيات)، نحو باقي الأعضاء النبيلة للجسد المغربي، وهي هنا المدن الكبرى (كالبيضاء ومراكش وفاس وطنجة وسلا ووجدة وطنجة وأكادير والعيون...إلخ).
والضخ يتم عبر شريان كبير (وهو الأوطوروت أو الطريق السريع أو الطرق الوطنية)، نحو المدن الأقل وزنا من الناحية الديموغرافية. وبمثل ما يقع للجسم من تقيح بسبب انسداد الشرايين الصغرى، نجد المغرب يعاني من تعفنات وتقيحات مجالية بسبب انسداد الشبكة الطرقية الجهوية والإقليمية بالعديد من الأقاليم، إذ لا نحتاج إلى إبراز الأدلة على ضعف شبكة الطرق الرابطة بين الأقاليم وتآكل المنشآت الفنية وغياب الصيانة واندثار معالم الطريق على مستوى الجنبات وغياب كلي للتشوير الأفقي والعمودي بشكل يصعب من مهمة السياقة ليلا ويرفع من منسوب المخاطر والتقليل من السلامة الطرقية.
الخطير في الأمر أن هذه الشبكة الطرقية المهملة الرابطة بين أطراف المغرب (طاطا-الحوز- خنيفرة - كلميم - شفشاون - أزيلال - سطات - سيدي بنور - الفقيه بنصالح - جرادة -اليوسفية - تنغير...إلخ)، تشهد تنقلات مهمة لأسطول هائل من الشاحنات يتجاوز 40 ألف شاحنة تحمل كل سنة، ذهابا وإيابا،حوالي 160 مليون طن من المؤن الغذائية والسلع لتموين الساكنة (محروقات، خضر، دقيق ، معلبات، مواد صناعية محولة، قنينات الغاز...إلخ)، هذا دون الحديث عن تنقل الملايين من السكان سنويا عبر كامل التراب الوطني (خاصة في الصيف مع تدفق مغاربة العالم على الأحواض الجغرافية المصدرة للهجرة). وبدل أن تكون الشبكة الطرقية هي أولوية أولويات الحكومة والبرلمان في القوانين المالية لرصد الاعتمادات اللازمة (صيانة ، تشوير ، توسيع ، إحداث قناطر أو ممرات تحت أرضية...) نجد صانعي القرار يضعونها في آخر سلم الأولويات. والنتيجة هاهي أمامنا، أطراف مشلولة وأقاليم معزولة ومراكز حضرية وقروية محاصرة ومجالات غابوية وسياحية وساحلية غير مفتوحة في وجه الاستثمار لغياب مسالك طرقية، وحتى إن وجدت فعلى المرء أن يتوفر على طراكس بالسلاسل شبيهة بآلة الطراكس المستعملة من قبل الجيوش في الحروب.
وهنا ندعو الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجهات بالمغرب إلى التنقل مثلا بين تارودانت وتحناوت عبر تيزي نتاست، أو إلى التنقل بين كلميم وطاطا عبر تيغجيجت وتيمولاي، أو إلى التنقل بين سيدي بنور واليوسفية عبر خميس متوح وحد لبخاتي، أو إلى التنقل بين قصبة تادلة والراشيدية عبر واومانة وبومية، أو بين فاس والحسيمة عبر تاونات ومولاي بوشتى، أو إلى التنقل بين وزان وطنجة عبر زومي ومقريصات، أو إلى التنقل بين القنيطرة وتاونات عبردار بلعامري وجرف الملحة، أو التنقل من ميدلت إلى بوعرفة عبر تالسينت أو من اابيضاء،إلى برشيد عبر لعسيلات (واللائحة طويلة...).
ولي اليقين أن تنظيم جولة من 15 إلى 20 يوما بالحافلة للوزراء ورؤساء الفرق البرلمانية ولقادة الأحزاب ورؤساء الجهات عبر كافة التراب الوطني، ونحن على مقربة من البدء في إعداد قانون مالية جديد لعام 2025، سيولد الإحساس بالندم لدى صانعي القرار من شدة إهمالهم لأطراف المغرب حتى تعفنت وتقيحت ترابيا واقتصاديا ووصلت إلى مستوى من المخاطر يقتضى بترها.