نظم المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال اليوم الأحد 19 ماي 2024 بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، لقاء جرى خلاله تقديم كتاب " إسبانيا الآن...تحولات المشهد السياسي الاسباني 2008 ـ 2023 " للاعلامي والباحث نبيل دريوش، وذلك بالتعاون مع مجلس الجالية المغربية بالخارج.
وقد ساهم الأستاذ الجامعي مراد زروق الخبير في الشأن الاسباني في هذا اللقاء الذي تولى تسييره الإعلامي والكاتب د. جمال المحافظ رئيس المجلس المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال.
وفي ما يلى كلمة وأرضية لمركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال التي ألقاها الدبلوماسي السابق محمد بنمبارك، عضو المكتب التنفيذي للمركز بالتعاون مع مجلس الجالية يطيب لنا في البداية، أن نرحب بكم باسم المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، في رحاب المعرض الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، وذلك بمناسبة تقديم كتاب الإعلامي والباحث الأستاذ نبيل درويش، " إسبانيا الآن...تحولات المشهد السياسي الاسباني 2008 ــ 2023"، برواق مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي تفضل مشكورا باحتضان هذا اللقاء العلمي.
بداية أود تسليط الضوء في عجالة على المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، الذي رأى النور في الثالث عشر من شهر مارس 2018، يشتغل المركز على قضايا الإعلام الوطني والمغاربي والعربي والإفريقي والدولي، كما يهتم بالبحث في أنماط التفاعل بين المشهد الإعلامي وبين محيطه، ويسعى المركز إلى نشر الوعي العلمي لدى المكونات الإعلامية بالمغرب والمنطقة المغاربية وارتباطها بعمقها الإقليمي ومحيطها العربي والإفريقي والدولي، وذلك بغية تنوير الرأي العام الوطني والدولي بتلك القضايا الحيوية البالغة الاهمية، ويمكن القول أن هذا اللقاء الذي يجمعنا اليوم يدخل ضمن سياق فعاليات وأنشطة وأهداف المركز.
يضم المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال نخبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين ومجموعة من رجالات الإعلام والمثقفين إضافة إلى أطر سامية من ذوي الخبرات من القطاعين العام والخاص، ويرأسه الأخ د. جمال المحافظ الباحث الأكاديمي والإعلامي والجمعوي.
وتذهب معظم الآراء والتحليلات إلى أن هناك تقصير مزمن من جانب الفعاليات السياسية والأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني بالمغرب في الاهتمام بالشأن الاسباني السياسي والحزبي والنقابي والجمعوي وباقي فعالياته المدنية، المؤثرة في مراكز القرار السياسي، الذي طالما أتعبنا وأثر على مسار العلاقات المغربية الاسبانية وتركها تعيش على إرهاصات الصعود والهبوط والرمادية والضبابية.
وهذا العطب في البحث الأكاديمي، يقر به عدد من المهتمين المغاربة، يتمثل بالأساس في ندرة الدراسات والمؤلفات المغربية عن إسبانيا، لكن في مقابل ذلك نلمس أن هناك اهتماما واسعا من قبل المفكرين والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين والأكاديميين الاسبان بالمغرب، في محاولات من جانبهم لتعميق معرفتهم بواقع الحال المغربي من مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية وبقضايا الهجرة والحريات وحقوق الإنسان والبحر والمستعمرات وغيرها، فضلا عن الكتابات عن الصحراء زمن الاحتلال وبعده، حتى من قبل العسكريين المتقاعدين. لذلك فالخزانة الإسبانية تعج برصيد وافر من الدراسات والكتابات عن الجار الجنوبي، المُعدة والمُهيأة وفق تصوراتهم. إذن هم يعرفوننا حق المعرفة، ونحن نعرفهم أيضا لكن على الأغلب في حدود معلومات ومعطيات سياحية ورياضية ليس إلا.
ولانتشال هذه العلاقة/ المعرفة من الرمزيات المعقدة والابتعاد عن التأويلات الوهمية والمعطيات السطحية من جانبا، فالأمر لا يتوقف على ندوات فكرية وموائد مستديرة مناسبتية هنا وهناك لمؤسسات مدنية ثقافية فكرية، وما يتم تداوله من قضايا ومواضيع. بل الأمر يرجع بالضرورة إلى الاهتمام والمتابعة العميقة واللصيقة لفهم ما يجري داخل الساحة الاسبانية، من خلال الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية المعمقة المتعلقة بالشأن المحلي الإسباني في مختلف تجلياته ونواحيه، وفي علاقته بمحيطه الجغرافي الأوروبي والأفريقي والمتوسطي.
ويأتي مؤلَّف " إسبانيا الآن...تحولات المشهد السياسي الاسباني 2008 ــــــــــ 2023 " كأحد النوافذ المضيئة على واقع اسبانيا الراهن بكل مستوياته، الذي نحن كمغاربة في أمس الحاجة إلى معرفته والاقتراب منه، لاستجلاء حقائق ومعطيات سياسية واقتصادية واجتماعية لما حدث في اسبانيا خلال 15 سنة من منظور باحث مغربي، أكيد انه اشتغل عليه بكل موضوعية وتجرد، واعتقد ان هذا الكتاب سيكون مفيدا للمهتمين المغاربة بالشأن الاسباني بل حتى لمراكز صنع القرار، لأنه هذا المجهود الفكري العلمي يشكل أحد لبنات الاقتراب من الواقع المعاش اليوم بالجزيرة الإيبيرية.
يضم الكتاب بين دفتيه تحليلا قيما وفق الوقائع ومتابعة الاحداث والمحطات الكبرى في تحولات المشهد السياسي، وقد خاض الكاتب غمار معركة البحث عن كنوز وأسرار الجار الإيبيري والانكباب على تحليلها وغربلتها، وهو يستعرض العديد من الموضوعات والقضايا البالغة الأهمية التي تناولها ليس فقط كباحث، بل بحكم اقترابه واطلاعه الواسع ونظرته العميقة الذكية الثاقبة لواقع حال النظام الاسباني.
غداً يوم آخر في اسبانيا وأمس أيضاً كان يوماً آخر، كل شيء يخضع لما تفرزه الأزمات الاقتصادية والمالية وما تفرزه من مشاكل اجتماعية تعصف بالطبقة السياسية الاسبانية التي كانت مجبرة على الاعتراف بالتغيير الذي حصل في المشهد السياسي، والذي انكب عليه الكاتب بحنكة وخبرة المطلع عن قرب. دون أن يغفل تحديات الانفصال الكتالاني المطروحة أمام الدولة الاسبانية وإعصار الفساد والمحطات الانتخابية المصيرية التي تقض مضاجع الاحزاب السياسية.
معظم هذه القضايا وغيرها، يجدها القارئ بين ثناياه هذا المؤلف الجدير بالقراءة، والذي سيثري دون شك المكتبة المغربية إلى جانب مؤلفه السابق " الجوار الحذر، العلاقات المغربية الاسبانية" الصادر عام 1915.
قبل أن أنهي هذه الكلمة المختصرة لا بد لي من الإشارة في عجالة، إلى أن هناك عنصر حيوي آخر يلعب دورا بارزا ومؤثرا بالساحة الاسبانية، إنه العلاقة مع المغرب، هذه العلاقة المتعددة الأوصاف بحكم ما شهده وسجله التاريخ لكل أشكال التقارب والتباعد والحرب والسلم، والصراع والخصومات والتعاون والتمازج، إلى ان انتهت هذه العلاقة إلى محطة تاريخية مفصلية هامة في تاريخ العلاقة بين البلدين، تتمثل في اللقاء العالي المستوى المنعقد بالرباط يوم 7 ابريل 2022، الذي توج بإصدار البيان المشترك المتضمن خارطة طريق، حسمت فيه الحكومة/ الدولة الاسبانية موقفها من قضية الصحراء المغربية بشكل لا لبس، وفتح الباب أمام الأوراش الكبرى للتعاون البناء والثابت. وتعزز هذا اللقاء بانعقاد الدورة 12 للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين فبراير 2023، الذي انتهى إلى التوقيع على 19 اتفاقية في العديد من مجالات التعاون التي نلمسها على أرض الواضع ارتقت بهذه العلاقات وفي ظرف وجيز إلى مستويات جد متقدمة، تخدم مصالح البلدين معا.
في الختام لا بد من التعبير عن الامتنان للمؤلِف المتألف الجاد والمثابر في أبحاثه بالفضاء الاسباني ولجهده البحثي الفائق الدقة كرمز مميز لهذا النوع من الأعمال الأكاديمية البالغة التعقيد والأهمية، وأقول له أمامكم استمر فنحن جوعى وعطشى.... "