إسبانيا تضخ مليار و700 مليون أورو. نزلت الحكومة الإسبانية بكامل ثقلها التمويلي لدعم ميناء الجزيرة الخضراء أمام التطور السنوي الكبير الذي تعرفه الحركة التجارية بميناء طنجة المتوسط. حكومة إسبانيا استشعرت خطر فقدانها للريادة المينائية في المنطقة واتخذت قرارا استراتيجيا من خلال وضع برنامج تمويلي بحوالي مليار و775 مليون يورو أي ما يعادل حولي 19 مليار درهم.
أهمية هذه الخطوة ليست في حجم التمويل فقط ولكن في مضمون ومكونات الإستثمار. الحكومة الإسبانية تعمل على ربط الميناء بشبكة من مناطق الإنتاج ومناطق اللوجيستيك في محيط يصل طول محوره الى 966 كيلومتر انطلاقا من "صاراكوس". الجديد في هذا الإستثمار هو البعد اللوجستيكي المدعوم بشبكة من الموانئ المسماة "يابسة" أو "الجافة" بسبب بعدها من البحر. وسوف يشكل هذا الإستثمار عوامل مساعدة ومحفزة على المنافسة في حوض البحر الأبيض المتوسط. وهكذا سيمكن هذا الإستثمار الضخم من تسهيل عملية نقل السلع من وإلى ميناء الجزيرة الخضراء عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية ومراكز اللوجستيك. ولهذا الغرض وبعد أن تأكدت نتائج المسار الريادي لطنجة المتوسط تحركت الحكومة في شخص وزير النقل "أوسكار بوينتي" للجزيرة الخضراء لتأكيد الدعم السياسي والمالي لميناء الجزيرة الخضراء باعتباره، حسب قول الوزير، بوابة أوروبا على البحر الأبيض المتوسط.
يعرف كل من تابعوا إنجاز ميناء طنجة المتوسط أن إسبانيا حاولت التشكيك في القدرة على الإنجاز. وحين انطلق الورش الكبير للميناء أخرجت الصحافة الإسبانية ورقة اضرار المشروع على البيئة للتأثير على القرار الأوروبي وعلى الممولين. وكانت العزيمة والإرادة الملكية وراء تقدم الأشغال وانطلاق عملية الاستغلال الميناء منذ 2007.
اليوم أصبح هذا الميناء الأول أفريقيا والأول في البحر الأبيض المتوسط وذلك لرابع سنة التوالي. تجاوزت الحاويات التي استقبلها الميناء 9 ملايين وتجاوز عدد السيارات التي تم تصديرها انطلاقا منه المليون سيارة بالإضافة إلى ملايين الأطنان من المحروقات. كل هذا بالإضافة إلى الدينامية التي تعرفها الشركات التي تعمل بمختلف مرافق الميناء والتي وصل رقم معاملاتها في نهاية 2022 إلى حوالي 155 مليار درهم.
المنافسة ستزداد شراسة في مجال الموانئ خلال السنوات المقبلة وهذا ما تبينه زيارة وزير النقل الإسباني لميناء الجزيرة الخضراء والإعلان عن تمويل ضخم لتطويره. وهذا الموضوع يطرح على الحكومة سؤال الإستراتيجية التي يجب اتباعها للاستمرار في تطوير أكبر مشروع أنجزته بلادنا وللمحافظة على المكانة التي كسبها المغرب اقتصاديا وسياسيا بفضل هذا الإنجاز غير المسبوق. نعم أرقام الفاعلية الإقتصادية والمالية لطنجة المتوسط تعرف نموا متواصلا، لكن طموح المغرب يتطلب المزيد من العمل الإستراتيجي.